Untitled 2
العودة   منتديات شيعة الحسين العالمية اكبر تجمع اسلامي عربي > المنتــديات العامة > الحوار العقائدي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2016/06/12, 01:33 AM   #51
أبو زينب اليمني

معلومات إضافية
رقم العضوية : 4529
تاريخ التسجيل: 2016/04/22
المشاركات: 1,034
أبو زينب اليمني غير متواجد حالياً
المستوى : أبو زينب اليمني is on a distinguished road




عرض البوم صور أبو زينب اليمني
افتراضي

آيـة آل حاميم أفادت أيضاً أنّ " الكتاب " إسمٌ من أسماء الحكيم عليّ عليه السلام.
كيــف ذلك ؟

الآية الشريفة تضمّنت أسلوباً بلاغيّاً يُسَمّى ، من وجهة نظر علم البديع، الاستخدام.

الاستخدام : ( هو أن يُذكَر لفظٌ له معنيان فيُرادُ به أحدهما ، ثمّ يُراد بالضمير الراجع إلى ذلك اللّفظ معناه الآخر ، أو يُراد بأحد ضميرَيهِ أحد معنَييهِ ، ثمّ بالآخر معناه الآخر )
(معجم التعريفات - علي الجرجاني ).
وانظر أيضا : جواهر البلاغة - أحمد الهاشمي. وغيرها من كتب علوم اللغة العربية.

.........................................

آيــة آل حاميم :

قال تعالى : " حم . والكتاب المبين إنّا جعلناه قرآناً عربيا لعلكم تعقلون وإنّه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين ".

☆ في آية آل حاميم ، نجد ضميرينِ اثنينِ ، الأوّل في قوله تعالى : " جعلناه ". والآخر في قوله تعالى :" وإنّـــه ".

☆ الكتاب في قوله تعالى : " والكتاب المبين " ، لفظٌ له معنيانِ :

المعنى الأوّل : الكتاب اسمٌ من أسماء القرآن الكريم ؛
والمعنى الآخر : الكتاب اسمٌ من أسماء عليٌّ الحكيم عليه السلام.

☆ يتم إبدال ضمير الغيبة الأوّل بالمعنى الأوّل ، وضمير الغيبة الآخر بالمعنى الآخر ؛ فيكون المعنى هكذا :

" حم ، والكتاب المبين ، إنّا جعلنا الكتاب قرآناً عربياً لعلّكم تعقلون ، وإنّ الكتاب في أمّ الكتاب لدينا لَعليٌّ حكيم ، أفنضرب عنكم الذِّكر أن كنتم قوماً مسرفين ".

و" أمّ الكتاب " في هذه الحالة ، تعتبر جملة اعتراضية، يصح المعنى بدونها. وهذه الجملة قد أدّت وظيفتها آنفاً ، فقد أخبرتنا أنّ عليّاً عليه السلام هو الإيمـــان، المُكَنَّى في آية الولايــــة.

وهكذا أخبَرَنا اللهُ عزّ وجلّ أنّ " الكتاب المبين " هو القرآن الكريم، اللّسان العربي الواضح ، وأنّ " الكتاب المبين " هو أمير المؤمنين عليٌّ الحكيم.

☆ القرآن الكريــــم إمــام ، وعليٌّ الحكيم إمـــــام.

( حم، والإمام المبين ، إنّا جعلنا الإمام قرآناً عربيّاً لعلّكم تعقلون،وإنّ الإمام في أمّ الكتاب لدينا لَعليٌّ حكيم ، أفنضرب عنكم الذكرصفحاً أن كنتم قوماً مسرفين ).

☆ القرآن الكريم إمامٌ هادٍ له قائدٌ يهدي به ، حاكمٌ يحكم به ، وهو الرسول صلى الله عليه وآله والإمام المعصوم الّذي أوجب الله طاعته.

☆ عليٌّ الحكيم عليه السلام إمامٌ هادٍ ، يهدي به اللهُ من يشاء من عباده.

وهكذا أخبرَتْنا الشريعة الإسلامية الغرّاء أنّ ( الكتاب والإيمان ) إسمانِ من أسماء حيدر الكرار صلوات الله عليه ، حبيب الله وحبيب رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

وبناءً على ذلك ، نعلم أنّ الإمام عليًاً عليه السلام، في آية آل حاميم ، مُقْسَمٌ به ، وفي نفس الوقت ، مُقْسَمٌ عليه. وهذا يسمّى ، من الناحية البلاغية ، فنّ التناسُب.

واللهُ جلّ وعلا لا يُقسِمُ إلّا بعظيم ، وهذا دليلٌ قاطع، وبرهانٌ ساطع على كمالِ شرف الإمام ، وعظيم منزلته صلوات الله عليه.

﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَىٰ بِاللَّـهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ﴾.

فديتُ عَـلِـيـّـاً إمــامَ الـــورى
سِـراجَ البريّةِ مأوى التُّقَى
وصيَّ الرسولِ وزوجَ البتول
إمامَ البريّةِ شمس الضحى.
......................................

قال تعالى : ﴿ وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَـٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾.

الكتاب والإيمان اسمان لِمُسمّى واحد ، لهذا أفرد الضمير في قوله تعالى : " جعلناه "، والمسمّى هو الإمام المبين عليٌّ الحكيم عليه السلام .
والصراط المستقيم : ولاية عليّ صلوات الله عليه.


الكتـــاب نــور ، والإيمــان نـــور.

* نورٌ في الدّنيا ، يهدي به اللهُ من يشاء من عباده ،
* ونورٌ في الآخرة ، يسعى بين أيدي المؤمنين والمؤمنات وبأيمانهم.

نــورٌ على نــور يهـدي الله لنوره من يشــاء.

هل عرفتم أيّهـا النّــاس مَـن هـو ذو النّـــورَيــنِ ؟؟.

﴿ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّـهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ ﴿١٥﴾ يَهْدِي بِهِ اللَّـهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾.

فَإِنْ تَعـــَــافُــوا العـــــَـــدلَ والإيمــــانـــــــــا
فـإنّ في أَيمــــانِنــَا نُــــــورَ يـــْنــــــَـــــا .

قال الإيمانُ عليه السلام : { اجتمعَ القومُ على الفُرقة ، وافترقوا على الجماعة،كأنّهم أئمّةُ الكتابِ وليس الكتابُ إمامَهم }.
(خمسة آلاف حكمة للإمام علي - الحكمة رقم :76 ).

قال الكتابُ كرّمَ اللهُ وجهَه : { أمّا أهل الجماعة فأنا ومنِ اتّبَعَني وإن قَلّوا ، وذلك الحقّ عن أمر الله وأمر رسوله ، فأمّا أهل الفُرقة فالمخالِفون لي ومَن اتبعَني وإن كثروا}.
(المصدر السابق - الحكمة رقم :745 ).

وقال رضي الله عنه : { أَلا وإنّي مخصوصٌ في القرآنِ بأسماء ، إحذروا أن تُغلَبوا عليها فتضِلّوا في دِينكم ، أنا المُحسِن ، يقول الله عزّ وجلّ : إنّ الله لَمع المحسنين }.
(المصدر السابق - الحكمة رقم :683 ).

وقالت امرأةٌ مؤمنة من بني همدان :

شَمِّرْ لِفِعلِ أبيك يا ابنَ عَمـارةٍ
يومَ الطِّعان ومُلتَقى الأقرانِ
وانصُرْ عليّاً والحُسينَ ورهطَه
واقصُـد لِهنـدٍ وابنِها بهــوانِ
إنّ الإمــامَ أخا النّبيِّ محمّــــدٍ
عَلَــمُ الهُدَى ومنارةُ الإيمــانِ
فَقُدِ الجيوشَ وسِرْ أمامَ لوائِـه
قُدُمَـاً بأبيـضَ صارِمٍ وسِنـانِ.
..................................

هل عرفتم أيها النّاس من هو وليّ الأمر رقم 1 بعد الرسول ص بلا فصل ؟

هل عرفتم مَن الخليفة الشرعي بأمر الله وأمر رسوله ؟

هل عرفتم ما الكتاب والإيمان ؟ وما نور المؤمنين في الدّنيا والآخرة ؟

هل عرفتم مَن هو ذو النّورين ، والصِّدِّيق، والمؤمن حقّا ؟

هل عرفتم الإمام المبين ؟ ومَن عنده علم الكتاب ؟

هل عرفتم مَن هو الربّاني ؟ ربّانيّ أمّة محمّد ص ؟

هل عرفتم مَن هو الأمين ؟ أمين أمّة محمّد ص ؟

هل عرفتم الإمامَ ، أخا الإمام ، ابنَ الإمام ؟
الإمامَ عليّا ، أخا الإمام محمّد ، ابنَ الإمام إبراهيم صلوات الله عليهم.

(ذريّة بعضها من بعض والله سميعٌ عليم ).
..........................................

الإمـام عـلـيٌّ الحكيم

عَلـِيّ : اسم عَـلَـم على وزن فَعِيل ، وفيه إشارة إلى معنى العَلاء ، واتّصاف المُسمّى بهذا الوصف ؛ عَلِيّ : اسمٌ على مُسَمّى، عظيم الشأن ، رفيع المنزلة، ينحدر عنه السيل، ولا يرقى إليه الطير.
اللّهمّ صلِّ على محمّد وآلِ محمد ، أهل العُلَى والسؤدد.

أهلُ الكِساء تقيهمُ نفسي الرّدى
ولهم أكونُ مُـوالِيـاً و ودودا
وإليـهمُ طَـرَبي وفيـهم بُغيـتـي
وبهم أؤمِّلُ في الجِنانِ خُـلودا
طابَ الورودُ بِحبِّ آلِ محمّـد
حوضَ النّبِيّ إذا أردتَ ورودا.

حَـكِـيم : آتاه اللهُ الحُـكمَ وعِـلـمَ الكتاب ؛ والّذين يؤتَونَ الحِكمة هم الأَمَاثِلُ والأَعـلام، والقادة والحُكّام.

والسِّيرة العَلَويّة الحيدريّة تجسِّدُ الإيمان الأكمـل، فهناك مَنبَتُ الطُّهر والفضيلة، ومعدن التقوى ، ومنبع الحكمة وفصل الخِطاب.
بخٍ بخٍ لك أبا الحَسَن لقد رفَعَكَ اللهُ مكـانـاً عليّـــا.

" إنّـما وليّـــكم الله ورسول الله محـمّـد والّذين ءامنوا عـليٌّ الحكيـم ".
عليّ الحـكيم : اسمُه بجانبِ اسمِ الله عزوجل واسمِ رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

يقول عز وجل :

﴿ أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَىٰ عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّـهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ﴾.

وأكرِم بقول الشاعر :

أبا حسَنٍ تفديـك نفسـي ومُهجـتي
وكلُّ بطيءٍ في الهُدَى ومُسارِعِ
أيذهبُ مـدحي والمُحَبَّـر ضائـِــعٌ
وما المدحُ في جَنبِ الإله بِضائعِ
فأنت الّذي أعطيتَ إذ كنتَ راكعا
زكـاةً فـدتـكَ النّفسُ يا خيرَ راكـعِ
فأنزلَ فيـك اللهُ خيرَ ولايــــــــــة
فأثبتـَها في مُحـكَمـاتِ الشّرائـــــعِ.

أنـــزلَ اللهُ في عليّ عليه السلام قوله عزوجل :

﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾.

وقوله عز وجل :

﴿ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴾.

جـاء الحـقُّ وزهـقَ الباطـل إنّ البـاطل كـان زهــوقـا.
.....................................

وفي رحاب الولاية تستمر الحكاية.........


رد مع اقتباس
قديم 2016/06/12, 02:18 AM   #52
أبو زينب اليمني

معلومات إضافية
رقم العضوية : 4529
تاريخ التسجيل: 2016/04/22
المشاركات: 1,034
أبو زينب اليمني غير متواجد حالياً
المستوى : أبو زينب اليمني is on a distinguished road




عرض البوم صور أبو زينب اليمني
افتراضي

قرآنا عجبا، لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا.

وإن من البيان لسحرا.

.....................................


رد مع اقتباس
قديم 2016/06/12, 02:19 AM   #53
أبو زينب اليمني

معلومات إضافية
رقم العضوية : 4529
تاريخ التسجيل: 2016/04/22
المشاركات: 1,034
أبو زينب اليمني غير متواجد حالياً
المستوى : أبو زينب اليمني is on a distinguished road




عرض البوم صور أبو زينب اليمني
افتراضي

يا سماوات بلادي باركينا
وهبينا كل رشد ودعينا
نجعل الحق على الأرض مكينا.


رد مع اقتباس
قديم 2016/06/13, 08:50 PM   #54
أبو زينب اليمني

معلومات إضافية
رقم العضوية : 4529
تاريخ التسجيل: 2016/04/22
المشاركات: 1,034
أبو زينب اليمني غير متواجد حالياً
المستوى : أبو زينب اليمني is on a distinguished road




عرض البوم صور أبو زينب اليمني
افتراضي

سبب نزوٍل آية الولاية

أَوْفَى الزكاةَ مع الصلاة أقامَـها
واللهُ يرحمُ عبدَه الصـبّــارا

مَن ذا بخاتمه تَصَـدَّقَ راكِــعـا
وأسرَّها في نفسه إســرارا

مَن كان باتَ على فراش محمّد
ومحمّـدٌ أسرى يـؤمُّ الغــارا

مَن كان جبرائيلُ يقوم يمينـــــَه
فيها وميكائيـلُ يقومُ يســارا

مَن كان في القرآن سُمِّيَ مؤمنا
في تسع آياتٍ جُعِلنَ كبــــارا.

تذكُر الرواياتُ الحديثيّة ، وكتبُ التأريخ ، وأخبارُ السِّيَر أنّ المؤمنَ المؤتيَ الزكاة حال الركوع ، في آيــة الولايــة ، هو الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام.

دَلّت أقوال جملة من الصحابة والتابعين ، والعلماء من أهل التفسير والحديث على أنّ آية الولاية نزلت في شأن علي عليه السلام حين تصدّق بخاتمه وهو راكع ، وقد استفاضت الروايات بذلك.

قال الثعلبي : قال بن عباس ، وقال السّدّي ، وعتبة بن حكيم ، وثابت بن عبدالله : إنّما يعني بقوله :
" والذين ءامنوا الذين يقيمون الصلاة ........." الآية ، علي بن أبي طالب، مرّ به سائلٌ وهو راكع في المسجد وأعطاه خاتمَه.

وقال ابن الجوزي : وبه قال مقاتل ، وقال مجاهد : نزلت في علي بن أبي طالب تصدّق وهو راكع .

وقال أبو جعفر الإسكافي ( ت : 240 هـ ) : وفيه نزلَت : " إنّما وليّكم الله ورسوله والّذين ءامنوا الّذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون " ، تصديقاً لقول رسول الله ص : " مَن كنتُ مَولاه فعليٌّ مَولاه " ، إذ قرَنَ اللهُ ولايته بولاية رسوله.

وقال الجصاص : وقوله تعالى : " ويؤتون الزكاة وهم راكعون " ، يدلّ على أنّ صدقة التطوّع تسمّى زكاة ، لأنّ عليّاً تصدّق بخاتمه تطوّعا.

وقال الآلوسي : " وغالب الإخباريين على أنّها نزلت في عليّ كرم الله وجهه ....."، وقال أيضا : والآية عند معظم المحدِّثين نزلت في علي كرّمَ الله وجهه.

والروايات متظافرة مستفيظة ، نذكر للقارئ طرفاً منها :

الخطيب في " المتفق " عن ابن عبّاس قال : تصدّق عليٌ بخاتمه وهو راكع ، فقال النّبي للسائل : ( مَن أعطاك هذا الخاتم ؟ قال : ذاك الراكع ، فأنزل الله : إنّما وليّكم الله ورسوله .................. ).

والحاكم عن عليّ ع قال : نزلت هذه الآية على رسول الله ص : ( إنّما وليّكم الله ورسوله والّذين ءامنوا الّذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) فخرج رسول الله ص ، ودخل المسجد والنّاس يصلّون بين راكع وقائم ، فصلّى فإذا سائل، قال يا سائل أعطاك أحدٌ شيئا ؟ فقال : لا ، إلّا هذا الراكع (لعلي) ، أعطاني خاتما.

وابن مردويه عن ابن عباس ، قال : كان علي بن أبي طالب قائماً يصلّي ، فمرَّ سائلٌ وهو راكع ، فأعطاه خاتمه ، فنزَلَت : ( إنّما وليّكم الله ورسوله ............ ).

وابن أبي حاتم عن سلمة بن كهيل ، قال : تصدّق عليٌ بخاتمه وهو راكع ، فنزلت : ( إنّما وليّكم الله .......................... ) الآية.

وروايات الباب مستفيضة يعضد بعضها بعضاً ، وحسبنا قول الحافظ السيوطي : " فهذه شواهد يقوي بعضها بعضا ".

(سبب النزول، نقلا عن : تلخيص كتاب أئمة أهل البيت في كتب السنة).

وعن زيد بن أرقم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
{ ألا أدلّكم على ما إن تساءلتم عليه لم تهلكوا ؟
إنّ وليّكم الله ، وإنّ إمامَكم عليّ بن أبي طالب ، فناصحوه وصدِّقوه، فإنّ جبريل أخبرني بذلك }.
(شرح النهج - ابن أبي الحديد).

وبناءً على سبب نزول آية الولاية ، يتضح الآتي :

☆ أنّ المشاهدين الكرام عرفوا صاحب الحال حقّ المعرفة ، وتميَّزَ عندهم كمال التمييز ، وهو الإمام عليّ عليه السلام.

☆ أنّ السّنّة المطهرة قدَّمَت للمكلَّفين بيان تفسير يكون حجةً على النّاس أجمعين، في كلّ العصور والأزمنة.


﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّـهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّـهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾.
..........................................

المزيد من الشواهد في الكتاب والسّنّة

الشاهد الأوّل : نزول آيــة التبليـــغ يوم غـدير خُـــمّ.

الشاهد الثاني : خُطبة الرسول الوداعية يوم غدير خُمّ.

١ ـ آيــة التبليغ

قوله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّـهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾.

إنّه وبعد نزول آية الولاية ، أنزل الله عزّ وجلّ على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم آيةَ التبليغ ، والأمر المُنزَل من عند الله ، والمأمور ص بتبليغه للنّاس هو ولاية أمير المؤمنين عليه السلام، والأخبار في هذا الشأن متواترة من طريق السّنّة والشيعة معاً.

فقد ذكرَ ذلك جمعٌ من علماء التفسير السنّة ، منهم : ـ

* الواحدي في أسباب النّزول .
* جلال الدين السيوطي في الدّر المنثور .
* محمد بن جرير الطبري في كتابه الولاية .
* الحافظ الحسكاني في شواهد التنزيل .
* الحافظ أبو بكر الشيرازي في " ما أُنزِلَ من القرآن في عليّ عليه السلام ".
* الحافظ أبو سعيد السجستاني في كتابه الولاية .
* الحافظ ابن أبي حاتم في تفسير القدير .
* القاضي الشوكاني في فتح القدير .
* الحافظ النطنزي في الخصائص العَلويّة .
* الإمام الثعلبي في تفسير كشف البيان .

هؤلاء وغيرهم ، ذكروا أنّ هذه الآية نزلت على الرسول يوم الغدير، ولمّا نزلَت أخذَ رسولُ الله صلى الله عليه وآله بيد علي بن أبي طالب وقال : { مَن كنتُ مولاه فهذا عليٌّ مولاه }.

معنى هذا الحديث الشريف : مَن كنتُ وليّه فهذا عليٌّ وليّه.

وليّ : بمعنى مفعول ، أي مولى ؛ مَن كنتُ مُطاعه فهذا عليٌّ مُطاعه ، مَن كنتُ محبوبه فهذا عليّ محبوبه ، مَن كنتُ منصوره فهذا عليّ منصوره.

وهكذا بلَّغَ الرسول الأمين صلى الله عليه وآله وسلم آية الولاية ، وما على الرسول إلّا البلاغ المبين.

قــال جلّ شأنـــه :

﴿ وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴾.

( أحصى الشيخُ الأميني ، في الجزء الأوّل من الغدير ، رواةَ حديث الغدير فكانوا مائة وعشرة من الصحابة ، وأربعة وثمانين من التابعين ، وثلاثمئة وسبعة وخمسين من العلماء ومعظمهم ، بل جميعهم ، من علماء السنّة ، وأحصى مَن أفردَ التأليف في الغدير من علماء الفريقينِ فكانوا ستةً وعشرين عالِما ، وقال ابن كثير في البداية والنّهاية 5/208 : وقد اعتنى بأمر هذا الحديث أبو جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب التفسير والتأريخ ، فجمعَ فيه مجلّدينِ أوردَ فيهما طُرقَه وألفاظَه ، وكذلك الحافظ الكبير أبو القاسم ابن عساكر أوردَ أحاديثَ كثيرةً في هذه الخطبة . وقال القندوزي في ينابيع المودّة ص 36 : " حُكِيَ عن أبي المعالي الجويني الملقَّب بإمام الحرمينِ، أستاذ أبي حامد الغزالي رحمهما الله ،كان يتعجّب ويقول : رأيتُ مجلَّدا في بغداد في يدِ صحّافٍ فيه روايات خبر غدير خُمّ مكتوباً عليه : المجلّدة الثامنة والعشرون من طُرقِ قوله ص : " من كنت مولاه فعليٌّ مولاه " ويتلوه المجلَّدة التاسعة والعشرون ). هذا أوّلاً

ثانيا : لو تدبّرَت أمّة إقرأ هذه الآية لَعَلِمَت عظيم منزلة الولاية ، وأهمّيتها في الدِّين، وإنّ قوله تعالى : " وإن لم تفعل فما بلّغتَ رسالته " قرينة عند العقلاء بأنّ الأمر جليل ومُهمّ ، أي يلزم أن يساوي في الأهمّية أمر الرسالة والنّبوّة ، بحيث إذا لم يبلّغه
الرسول ص لأمّتِه في تلك الساعة فكأنّه لم يبلّغ شيئاً من رسالته.

إنّها الولايــــة ، أصل الشرائــع .

ثالثاً : إنّ الخطاب القرآني بـِ " يا أيها الرسول " لم يأتِ في آيِ الذِّكر الحكيم إلّا في هذه الآية ، وآية أخرى هي الآية رقم 41 من سورة المائدة ، والّتي تتحدّث عن الإيمان والنّفاق ، وهما ـ الإيمان والنّفاق ـ مرتبطان تماماً بمسألة الطاعة والولاية.

رابعاً : تذكر كتبُ التأريخ أنّ واقعة الغدير كانت يوم الثامن عشر من ذي الحجّة 10هـ ، ومعلوم أنّ الصلاة كانت ـ قبل نزول آية التبليغ ـ قائمة ، والزكاة تُجبى ، وصوم رمضان يؤدّى ، وكان البيت محجوجا ، والحلال بيِّنا ، والشريعة متسقة.
فأيّ شيءٍ تبقّى غير الخِلافـــــة ؟

خامساً : لوازم التهديد والوعيد في الآية موجّهةٌ إلى أولئك المنافقين والّذين في قلوبهم مرض ، والمعارضين لتبليغ الولاية ، لا إلى الرسول ص، وإنّما هو على حدّ المثل :
( إياك أعني فاسمعي يا جارة ).

سادساً : ألقَى الرسولُ صلى الله عليه وآله على مسامع الخلقِ خطبته الوداعية الشهيرة ، وبلَّغَهم ولاية أمير المؤمنين ع يومَ الغدير المبارك ، وبذلك اكتملَ الدّين وتمّت نعمة اللهِ على العالَمين ، إذ يقول عزوجل :

﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾.

سابعاً : نجد في آية التبليغ أنّ الأمر الّذي أُنزِلَ على الرسول ، وأُمِرَ صلى الله عليه وآله بتبليغه محذوفٌ من النّصِّ ، وقد عرفنا أنّ الحذف في كلام البلغاء أفصح من الذِّكر وأبلغ، لأنّ له فوائده ، ودلالاته ومعانيه.

وعليــه ، يتأكّد لنا مرارا وتكرارا أنّ للولاية المكانة الأسمى ، والمنزلة العظمى في الدّين .

الولاية أصل الشرائع ، هي الدّين كلّه ، بها ابتدأ الدّين وبها اكتمل ؛

قال عزّ وجلّ : ﴿ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾.

وقال عزّ وجلّ : ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾ .

اكتملَ الدّين وتمّت النِّعمة بولاية أبي السبطين عليه السلام.

قـالـوا الرّابــع قُلنــــَا الأوّل عـَــلـِيّ
نــَـصٌّ عــَـــــنــه في الــقُــرآنِ نــَزَل ْ
تمّـــتْ فيـــــهِ النِـــّـعمــةُ مِن ربّـِنــــَـا
والدّيـنُ بـِفَضلِ الكَرّارِ اكتَمَلْ


٢ ـ خطبة الوداع يوم الغدير الأغر

إنّه وبنزول آيــة التبليغ ، استرجعَ الرسول صلى الله عليه وآله المتقدّمين من الحُجَّــاج ، واستنزل مَن معه، وانتظر المتأخّرين ، حتى اجتمع النّــاسُ كلّهم في صعيدٍ واحــد، فألقى على مسامعهم خطبته الشهيرة صلى الله عليه وآله، المعروفة بخطبة الوداع.

وقد درَسناها في المدارس وفيها تحريفٌ ، وبترٌ وتزوير، قامت به الأيادي اللّعينة الآثمة الّتي تتولّى وضع المنهج الدّراسي، لا باركَ اللهُ فيهم ولا أنالَهم شفاعةَ محمّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم.

وإليـكم نَصّ بعض المأثـور من الخُطبة الصحيحة غير المُزوَّرَة :

{ أيّها النّاس ، يوشَكُ أن أُدعَى فأجيب ، وإنّي مسؤولٌ وإنّكم مسؤولون ، فماذا أنتم قائلون ؟ قالوا : نشهد أنّك قد بلّغتَ وجاهدتَ ونصحتَ فجزاك اللهُ خيرا ، فقال :
أليس تشهدون ألّا إلهَ إلّا الله وأنّ محمّدا عبده ورسوله ، وأنّ جنّتَه حقّ ، وأنّ الموت حقّ ، وأنّ البعث حقٌّ بعد الموت ، وأنّ الساعة آتيةٌ لا ريب فيها ، وأنّ الله يبعث مَن في القبور ؟ قالوا : بلى نشهد بذلك ، قال : اللّهمّ اشهد ؛ ثمّ قال : يا أيّها النّاس إنّ اللهَ مَولاي وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أوْلى بهم من أنفسهم فمَن كنتُ مولاه فهذا عليٌّ مولاه، اللّهمّ والِ مَن والاه ، وعادِ مَن عاداه ، ثمّ قال : يا أيّها النّاس إنّي فرطكم وإنّكم واردون عَلَيَّ الحوض ، حوض أعرض مما بين بصرى إلى صنعاء ، فيه عدد النّجوم قدحان من فضّة ، وإنّي سائلكم حين تردون عَلَيَّ عن الثـِّــقْــلَينِ كيف تخلّفوني فيهما، الثـِّـقْـل الأكبر كتاب الله عزّ وجلّ ، سببٌ طرفه بيدِ الله تعالى وطرفه بأيديكم، فاستمسكوا به لا تضلّوا ولا تبدّلوا ، وعترتي أهل بيتي ، فإنّه قد نبّأني اللّطيفُ الخبير أنّهما لن ينقضيا حتى يرِدا عَلَيَّ الحوض }.
(المراجعات - عبدالحسين شرف الدين الموسوي - المراجعة رقم : ٥٤ ؛ هناك تجد الخطبة التي أوردناها وتعرف المصدر الأصلي للخطبة الشريفة).

وقد علّقَ العلّامة عبد الحسين شرف الدّين رحمه الله، على الخطبة قائلاً :

* إنّما نعَى صلى الله عليه وآله نفسَه الزكيّة تنبيهاً إلى أنّ الوقت قد استوجبَ تبليغ عهده، واقتضى الأذان بتعيين الخليفة من بعده ، وأنّه لا يسعه تأخير ذلك مخافةَ أن يُدعى فيجيب قبل إحكام هذه المهمة الّتي لا بدّ له من إحكامها ، ولا غنى لأمّته عن إتمامها.

* لمّا كان عهده صلى الله عليه وآله إلى أخيهِ ثقيلاً على أهل التنافس ، والحسد ، والشحناء والنّفاق أرادَ صلى الله عليه وآله وسلم ـ قبل أن ينادي بذلك ـ أن يتقدّم بالاعتذار إليهم تأليفاً لقلوبهم فقال : إنّي مسؤولٌ وإنّكم مسؤولون ، ليعلموا أنّه مأمورٌ بذلك ومسؤولٌ عنه، فلا سبيلَ له إلى تركه.

* إنّ الخطبة ترمي إلى أنّ ولاية علِيّ عليه السلام من أصول الدّين ، حيث إنّه صلى الله عليه وآله سألهم أوّلاً فقال : أليس تشهدون ألّا إله إلّا الله وأنّ محمّداً عبده ورسوله ..... إلى أن قال : وأنّ الله يبعث مَن في القبور ، ثمّ عقّبَ ذلك بذكر الولاية لِيُعلَم أنّها على حدّ تلك الأمور الّتي سألهم عنها فأقرّوا بها ؛ وهذا ظاهرٌ لكلّ مَن عرف أساليب الكلام ومغازيه مِن أولي الأفهام.

* قوله ص : إنّ الله مولاي وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولى بهم من أنفسهم، وكلمة ( أنا أَوْلَى ) قرينة لفظيّة على أنّ المراد من المولى إنّما هو الأَوْلَى ، فيكون المعنى أنّ الله أولى بي من نفسي ، وأنا أوْلى بالمؤمنين من أنفسهم ، ومَن كنتُ أوْلى به من نفسه فَعَلِيٌّ أوْلَى به من نفسه.

انتهى كلامُــه رُفِعَ مقامُـــــه.

وهو كما تجد أخي القارئ ، كلاماً سليما دقيقا ، في غاية الصحة والصواب ، يتفق تماماً مع التفسير الّذي قررناه ، والمعنى الّذي حكيناه في آية الولاية وآية الإطاعة.

حيث قلنا إنّ الآية الشريفة تضمّنت أصول الدّين، الّتي لا يكتمل ولا يتحقق إيمان المرء إلّا بها ، مصداقاً لقوله تعالى : " إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ".
فماذا نفعل يا ربّنا إن كنّا نؤمن بك وباليوم الآخر ؟
قال : { أطيـعـوا اللهَ وأطيـعـوا الرّسولَ وأولِي الأمرِ منـكم } .

هكذا يكون الإيمان الحقيقي.

الولاية أصلٌ عظيمٌ من أصول الدّين ، هي كذلك هي كذلك ، إنّها لَإحدى الكُبَر.

وذكَرْنا أيضاً أنّ أولي الأمر الّذين أوجب اللهُ طاعتهم ينبغي أن يكونوا معروفين حتى يتمكّنَ المكلَّفون من أداء فرض الطاعة ، وأنّه لا سبيلَ إلى معرفتهم واختيارهم إلّا من جهة الشرع ، لا مِن جهة السقيفة ، مَهبط الشيطان ومسقط رأس البغي.

فكانت آية الولاية ، وسبب نزولها ، وآية آل حاميم ، وخطبة الرسول صلى الله عليه وآله الوداعية يوم الغدير المبارك ، وحديث الثقلين ، هي النّصوص الشرعيّة الجليّة الصريحة الّتي عرَّفَتْ المكلّفين بأولي الأمر الشرعيين ، الّذين أوجب اللهُ ولايتهم خِلافةً عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، وجعلَ طاعتهم شرطاً واجباً من شروط الإيمان بالله واليوم الآخر ؛ وهم أهل البيت النّبويّ الأكرمين صلوات الله عليهم أجمعين.

أوّلُهم سيّدُ العربِ والعجمِ ، والإنسِ والجنِّ ، خيرُ البريّة ، أميرُ المؤمنين وزعيمُ الآل المنتجَبين ، الإيمانُ كلُّه ، سيفُ الله الغالب عليّ بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام.

وهكذا بلَّغَ الرسول الأمين صلى الله عليه وآله وسلم ولاية أمير المؤمنين تبياناً وتفسيراً لِما جاء في القرآن الحكيم ، لِيَحيى مَن حيّ عن بيِّنــة ويهلك مَن هلك عن بيِّنـــة.

بلَـغَ البـدرُ كمالَـه والبنيـانُ تمامَـه ، وبذلكَ فليفـرحِ المؤمنـون.

والسّلام على مَن اتّبـعَ الهـدى وابتغى الإسـلامَ دينــــا.

.........................................



املأوا الدنيا ابتساما
وارفعوا في الشمس هاما.


عَـلـِيّ وَلِيّ الله

أميرُ المؤمنين عليه السلام ، سيّـدُ الأوصياء ، ووارثُ عِلـم الأنبياء ، عَلَـمُ الدِّين، ومُميِّزُ المنافقين ، ومجاهدُ النّاكثين والقاسطين والمارقين ، ناصرُ دين الله ، ووليُّ أمر الله ، سليلُ الأصلاب الشامخة ، والأرحام المطهَّرة

الإمامُ عليّ بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مُرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن أد بن أدد بن اليسع بن الهميسع بن سلامان بن النبت بن حمل بن قيذار بن إسماعيل بن إبراهيم الخليل بن تارخ بن ناحور بن سروخ بن أرغوا بن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح بن لامك بن متوشلخ بن إدريس بن يرد بن مهلائيل بن زبارز بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم عليه السلام.

اللّهمّ صلِّ على محمد وآلِ محمد وبارك على محمد وآلِ محمد كما صلّيتَ وباركتَ على إبراهيم وآلِ إبراهيم إنّـك حميــدٌ مجيــد.
.........................................

اللّهمّ و صلِّ علَى علِيّ أمير المؤمنين ، ووصِيّ رسولِ ربّ العالمين ، عبدِك ووليّك، وأخي رسولِك ، وحُجّتِك على خَلْقِك ، وآيتِك الكُبرى والنّبأ العظيم.
.....................
وتستمر الحكاية .........



التعديل الأخير تم بواسطة أبو زينب اليمني ; 2016/06/13 الساعة 10:32 PM
رد مع اقتباس
قديم 2016/06/13, 11:11 PM   #55
أبو زينب اليمني

معلومات إضافية
رقم العضوية : 4529
تاريخ التسجيل: 2016/04/22
المشاركات: 1,034
أبو زينب اليمني غير متواجد حالياً
المستوى : أبو زينب اليمني is on a distinguished road




عرض البوم صور أبو زينب اليمني
افتراضي

الفصـــل الثــــامن

شُبــــهـات وردود

...................................


اعلم عزيزي القارئ ، أنّ البعض قد أثار العديد من الشّبهات حول آيــة الولايــة ، إلى درجة أنّ القوم اختلقوا شبهةً لكلّ كلمة من كلمات آية الولاية.

ونحن بفضل الله وتوفيقه ، قد أوضحنا المعنى المراد ، وأكَّدناه من كافّة الوجوه ، وفنّدنا تلك الشبهات ونسفناها في اليمّ نسفا.

ولكن لا بأس أن نستعرض تلك الشبهات أمام القارئ الكريم ، لعلّ في ذلك ما يزيد النّفع ويضاعف الفائدة.

هذا الكتاب دعوةٌ صادقة إلى الحقّ والفضيلة ، واللّحاق بسفينة محمّد المصطفى صلى الله عليه وآله وعليّ المرتضى عليه السلام ، اللّحاق بركب العلم والإيمان ، والتنوير والإنسانيّة.

الشبهة الأولى :

استخدام لفظ الجمع في الآية ، قال : " الّذين ءامنوا " ولم يقل " الّذي ءامن ".

نقول : الشواهد والأدلة الّتي أوردناها عند حديثنا حول معنى آية الولاية تفنّد هذه الشبهة تماماً. وسوف نضيف إلى ذلك أدلّةً أخرى :

* اللّسان العربي يطلق لفظ الجمع على المفرد تعظيماً له.
* سبب نزول آية الولاية.
* الدّليل العقلي .

أوّلا : إطلاق لفظ الجمع على المفرد للتعظيم

إنّ أهل اللّغة يعبّرون بلفظ الجمع على المفرد للتعظيم، ومن الشواهد الدّالة على ذلك :

١ - آية المباهلة ؛ قوله تعالى :

﴿ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّـهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ﴾.

تذكر الروايات أنّ الأبناء إشارة إلى الحسنين ، والنّساء إشارة إلى الزهراء، والأنفس إشارة إلى أمير المؤمنين ؛ صلوات الله على محمد وآلِ محمد.

ففي هذه الآية الشريفة ، أطلق لفظ الأبناء والنّساء والأنفس ـ وهو حقيقة في العموم ـ على الحسنين وفاطمة وعليّ بالخصوص تعظيماً لشأنهم عليهم السلام.

٢ - قال الشاعر :

ما ماتَ بعدَ ابنِ عفّانَ الّذي قُتِلوا
وبعدَ مروان للإسلامِ والحــرمِ

مثلُ ابن مروان والآجال لاقيــةٌ
بحتفها كلّ مَن يمشي على قَدَمِ
( الفرزدق - ديوانه ).

قال : ابن عفّان الّذي قُتِلوا، ولم يقل : الّذي قُتِلَ ، لأنّ الشاعر أراد تعظيم منزلة القتيل فاستخدمَ لفظ الجمع.

٣ - وثيقة تأريخية عربيّة حديثة، من وثائق ثـورة الـزعيم العربيّ الراحل جمال عبد النّاصر رحمه الله، وهي وثيقة تنازل المَلِك عن العرش.
معنونة بـِ ( أمر مَلَكِي رقم 65 لِسَنَة 1952م ) جاء فيها :

( نحن فاروق الأوّل ملِك مصر والسودان
لمّا كنّا نتطلّب الخير دائماً لأمّتنا ونبتغي سعادتها ورقيّها ، ولمّا كنّا نرغب رغبة أكيدة في تجنيب البلاد المصاعب الّتي تواجهها في هذه الظروف الدّقيقة ونزولاً على إرادة الشعب
قرّرنا النزول عن العرش لِوليّ عهدنا الأمير أحمد فؤاد وأصدرنا أمرنا بهذا إلى حضرة صاحب المقام الرفيع علي ماهر باشا رئيس مجلس الوزراء للعمل بمقتضاه.
صدر بقصر رأس التين في 4 ذي القعدة سنة 1371هـ (26 يوليو 1952م).
(ويكيبيديا - الموسوعة الحرة على شبكة الإنترنت ).

موضع الشاهد في الوثيقة هو استعمال لفظ الجمع للتعبير عن المفرد،
( نحن فاروق الأوّل ...، قرّرنا ... ، وليّ عهدنا ...... الخ )

استعملَ المَلِكُ لفظ الجمع تعظيماً لِنفسه ومقامه.

وهذا وأمثاله ، يدلّ بوضوح على أنّ استخدام ألفاظ الجمع للتعبير عن المفرد أمرٌ شائع الاستعمال في كلام العرب ، وهو من الكثرة بمكان ، حيث صار أسلوباً من أساليبهم وعُرفاً في خطابهم.

ومَن تتبّعَ أهل اللّغة ، وما نطقَتْ به ألسِنَتُهم بهذا الخصوص وجد ذلك أشهَر مِن أن يحتاج إلى الاستدلال عليه.

ثانياً : سبب نزول آية الولاية

ذكَرَ جلُّ المفسِّرين لهذه الآية ، أنّ المتصدِّق أثناء الركوع هو الإمام عليّ عليه السلام وحدَه، ولم يشاركه في ذلك أحدٌ من المؤمنين ، فكان هذا الفعل الصادر من الإمام سبباً لنزول الآيــــة.

قال أصحاب التفسير : إنّ آية الولاية نزلت في شأن الإمام علي ، واتفقت أقوالهم على المضمون التالي ـ وإن اختلفت ألفاظهم ـ أنّ الإمام عليّ بن أبي طالب كان يصلّي في المسجد، فدخلَ مسكينٌ يسأل صدَقة ، فلم يعطه أحدٌ شيئا ، وكان عليٌ عليه السلام راكعا، فأشار إلى السائل بإصبعه أن يُخرِجَ الخاتمَ ويأخذه صَدقة ، وفعلَ المسكينُ ذلك ؛
فنزلت الآية في شأنه وحده ، وصيغة الجمع لتعظيم مقامه عليه السلام.

ثالثاً : الدّليل العقلي

النّعت المذكور في الآية هو إيتاء الزكاة حال الركوع ، وهي حال متنقِّلة كما هو معلوم. ويستحيل عقلاً ، أن يقوم بهذا الفعل مجموعة من الأشخاص دفعةً واحدة في نفس الزمان والمكان.

يمكن أن يتقبّلَ العقلُ صدور النّعت المذكور من مجموعة أشخاص إذا حصلَ ذلك في أزمانٍ متفاوتة متباعدة ، لا في زمنٍ واحد.

فلو فرضنا جدلاً أنّ المتصدِّق أثناء الركوع كانوا ثلاثة من المؤمنين ، صدر منهم إيتاء الزكاة وهم راكعون ، في نفس الوقت والحال ؛
فيا تُرى أيّ واحدٍ من هؤلاء الثلاثة هو الخليفة الشرعي للرسول ؟!

فإن قال بعضُ الحمقى : يكون الثلاثة خلفاء.

نقول : لا يصح ، لأنّ كلّ واحدٍ منهم سيطلبُ الخلافة لنفسه ، ويقول إنّه الأَوْلى بالتصرف والأحقّ بالطاعة ؛ وعندها يقع التنازع والاشتراك ، وهذا ظاهر البطلان.
لأنّه يؤدّي إلى فقدان الفائدة الجليلة الّتي جاءت بها آية الولاية ، وتعطيل الحكم الشرعي الّذي أثبتَه النّصُّ القرآني الشريف ، وهو تعيين وليّ الأمر الأوّل خِلافةً عن رسول الله صلى الله عليه وآله؛ هذا من ناحية.

من ناحيةٍ أخرى ، الولاية لا تجتمع لأكثر من شخص في نفس الزمان والمكان.
فهل وجدتم في حياتكم ، أنّ هناك أكثر من رئيس يمارسون شؤون الحكم في أيّ بلدٍ من البلدان بنفس الوقت ونفس الفترة ؟!

إذاً لَمضى كلُّ حاكمٍ بأمره ونهيه، ولَفسدَ الأمرُ والحالُ ، واختلّ النّظام في شؤون البلاد والعباد ، وتحوّلت الولاية نقمةً وشرّا ، وذاك ما تأباه العقول السليمة والطباع المستقيمة.

وبناءً على ذلك ، يتضح أنّ المقصود في آية الولاية إنّما هو شخصٌ واحدٌ بعينه ، هو الخليفة الشرعي للرسول صلى الله عليه وآله وسلم بلا فصل ، وهو المؤتي الزكاة حال الركوع ، الإمام المبين عليٌّ الحكيم صلوات الله عليه.
والولاية في عصره منحصرةٌ فيه ، فهو وليّ المؤمنين دون غيره ، ولا يحقّ لأحد أن ينازعه أو يدّعي الولاية عليه ما دام في الحياة ، فإذا مات أو قتل عليه السلام فالولاية الشرعية تنتقل منه إلى غيره ، إلى أولي الأمر الآخرين الّذين أوجبَ اللهُ طاعتهم في آية الإطاعة ، واحداً بعد الآخر، كلّ في حياته وزمانه ، وفق الترتيب الّذي رتّبهم اللهُ فيه.

هذا هو المعنى المنسجم تماماً مع العقل ، ومع ما جاء به النّقل.



الشبهة الثانية :

التصدّق أثناء الركوع ، وهو حركة وإشارة والتفات ، يتنافى مع الخشوع ، ويخرج الإنسان عن السكينة ، وإنّ حالاً كهذه تعتبر منقصة بحق الإمام !.

نقول : الشبهة ساقطة ، وأوضح دليل على بطلانها ، نزول أمّ الكتاب في شأن الإمام تعظيماً له ، ومدحاً لصنيعه. هذا عَلِيّ خيرُ وليّ ، باب مدينة علم المصطفى ص.

التفات المُصلِّي إلى الأمور المادية يكون نقصاً ، أمّا إلى الأمور العبادية فهو كمال، وإعطاء الزكاة للمسكين عبادة مقرّبة إلى الله سبحانه وتعالى كالصلاة ، والإمام عليّ لم يخرج عن حال التقرّب إلى الله ، ولم ينصرف عن العبادة إلى عملٍ غير عباديّ، بل ضمّ الزكاة إلى الصلاة ، وكلاهما عبادة لوجه الله ، وقربة إلى الله ، ولقد قرّبَه الباري عزّ وجلّ وتقبّلَ منه الفرضينِ معاً ، وأنزل في حقّه الآية ، وأعطاه الولاية، وهذا دليلٌ على فضل الإمام وكمال عبادته صلوات الله عليه.

جمعَ الزكاةَ مع الصلاةِ أقامَها
واللهُ يرحم عبدَه الصّبّارا .

الشبهة الثالثة :

للرّكوع معانٍ أخرى غير الانحناء للصلاة ، فقد يأتي بمعنى الخضوع ، والخشوع والتذلل والتواضع ................ الخ .

نقول : الشّبهة في غاية السقــوط والبطلان ، لأنّ آيــة الولايــة أكّدت المعنى الحقيقي للركوع ، وهو التطأطؤ والانحناء المخصوص في الصلاة.
المعنى في الآية مؤكَّد مرتينِ ، والإتيان بالمعاني المجازية للركوع في الآية المحكمة، ليس إلّا مِن قبيل الترف الفكري.

أمّا ما يستدلّ به البعض من قول الشاعر :

لا تحقرنّ الفقيرَ علّك أن
تركع يوماً والدّهرُ قد رفَعَه.

ففي هذا البيت يتمّ العدول عن المعنى الحقيقي للركوع إلى المعنى المجازي لكي يستقيم المعنى ؛ وشتّان ما بين الركوع في هذا البيت والركوع في الآية الشريفة.

الركوع في البيت مجازٌ وتشبيه ، أمّا الركوع في الآية حقيقةٌ شرعية ، وحقيقة لغوية، وحمل الحقيقة على المجاز في الآية تعسّفٌ ظاهر ، يتنافى تماماً مع القواعد العلمية والأصولية.

الشبهة الرابعة :

أداة الحصر ( إنّما ) تستخدم في حال وقوع الاشتراك والمنازعة ، ومعلوم أنّه عند نزول آية الولاية لا اشتراكَ ولا منازعةَ في الإمامة.

نقول : هذه الشبهة ظاهرها الفطنة والذكاء، وباطنها الحماقة والغباء؛
الشبهة باطلة من وجوه :

١- إنّ المتأمِّل إلى هذه الشبهة لَيعجب من قائلها ، فكأنّ القائل بهذه الشبهة يريد أن تنزل الآية بعد موت الرسول ص، وهذا جهلٌ وغفلة ، لأنّه بموت الرسول ص ينقطع الوحيُ التشريعي.

وعليــه ، فإنّ نزول الآية في حال حياة الرسول صلى الله عليه وآله يعتبر ضرورةً من الضرورات ، كونها أفادت إعلام المؤمنين من هو وليّ أمرهم بعد الرسول صلى الله عليه وآله.

وللعِلم ، إنّنا نؤمن بأنّ الرسول ميّتٌ ، راحِلٌ عن هذه الدّنيا ، ولاحِقٌ بالرفيق الأعلى ، وليس كما زعم البعض أنّ الرسول لم يَمُت.

آية الولايــة ، عرّفَت النّاسَ بالإمام الّذي وجبت له الطاعة في آية الإطاعة.

٢ - إنّ الآية المباركة مُنزَلَة ممّن عنده الماضي والحاضر والمستقبل بمنزلةٍ سواء، ولا يُشترطُ في صحّةِ القصر وقوع التنازع في الحال ، بل يكفي علمه تعالى بأنّه يقع في المآل ، أي بعد موت الرسول ص ، وقد وقعَ ذلك مطابقاً لِعِلمه تعالى، فقال قومٌ الخليفة العبّاس بن عبد المطّلب ، وقال آخرون أبو بكر بن أبي قحافة ؛
وما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ؛
و قالوا ................ وقالوا ................

وقال عزّ وجلّ إنّما الخليفة عليٌ الحكيم.

الخِلافة ثابتةٌ للأمير، منفيةٌ عمّا عداه.

فعليٌّ عليه السلام في آية الولاية هو وليّ العهد في حال وجود رسول الله ص، نظراً لامتناع اجتماع ولاية أكثر من واحد في نفس الزمان ، والرسول هو وليّ الأمر في حال حياته ، فهو أَوْلَى بالمؤمنين من أنفسهم ، فإن مات أو قتل صلى الله عليه وآله انتقلت الولايــة إلى أمير المؤمنين ، وصار هو الخليفة الشرعي مصداقاً لآيِ الذِّكْر الحكيم ، وسُنّة خاتم النّبيين صلى الله عليه وآله.

ونِعمَ وليُّ الأمرِ بعدَ وليِّه
ومُنتجعُ التقوى ونعمَ المؤدّبُ.

٣ - من المناسب في هذا المقام أن نذكُرَ بعضاً من معاني هذا الحرف العبقري ( إنّما ).
الحرف في الآية أفاد التوكيد، والقصر، قصر صفة على موصوف، وهو قصرُ قَلبٍ ، وتعيينٍ ، وإفراد :

☆ قصر قلب : بالنّسبة للمخاطَبِ الّذي يعتقد بأنّ الولاية ، خِلافةً عن رسول الله ص، ليست واجبة ، أو أنّها مسألة هامشية لا شأنَ للدّين الإسلامي بها ؛ فالآية تغيِّر مُعتقَدَه رأساً على عقب ، وتقول له :
الولايـــة واجبة شرعاً في حال حياة الرسول وبعد مماته ص، ولا دينَ بدون ولايــــــــة.

☆ قصر تعيين : بالنّسبة للمخاطب الّذي يكون شاكّا ، فالآية تعمل على تخليصه من هذا الشكّ ، وتُحدِّد له مَن ينبغي أن يُقصَر عليه حُكمُ الولاية خِلافةً عن رسول الله، وهو المؤمن المؤتي الزكاة حال الركوع ؛ الولاية ثابتة له منفية عمّن عداه.

☆ قصر إفراد : بالنّسبة للمخاطب الّذي يعتقد الاشتراك والاستغراق، فالآية قصرَت حكمَ الولاية خِلافةً عن الرسول ص على فردٍ واحد دون غيره، وهو أمير المؤمنين عليٌّ الحكيم ع، وليّ الأمر رقم 1 بعد الرسول ص بلا فصل.

☆ الحرف ( إنّما ) في آية الولاية، ليس دالّاً على القصر والتوكيد فقط، بل أفاد أمراً آخر، هو التعريض ؛ التعريض بكلّ مَن لم يتولَّ عليّاً ع.

والآية الشريفة بصراحة ، فضحَت أقواماً، وجمعاً غفيراً من أهل القبلة؛ انحرفوا عن إمام الخير والهُدى ، واتّبعوا كلَّ ناعِق ، وظنّوا أنّهم ينتمون إلى أمّة القرآن وشريعة سيّد الأنام صلى الله عليه وآله ؛ هيهات هيهات تلك أمانيهم.

صدق اللهُ عزّ وجلّ : { إنّما وليّكم الله ورسوله والّذين ءامنوا الّذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون }.

وبلَّغَ رسولُه الأمين ص : { مَن كنتُ مَولاه فهذا عليٌّ مولاه }.

وقال ص : { مَن أطاعني فقد أطاعَ الله ، ومَن عصاني فقد عصى الله، ومَن أطاعَ عليّاً فقد أطاعني ، ومَن عصى عليّاً فقد عصاني }.
(المستدرك على الصحيحين - الحاكم النيسابوري ).

وقال ص : { كلّ أمّتي يدخلون الجنّة إلّا مَن أبى ؛ قالوا : ومَن يأبى يا رسول الله ؟ قال : مَن أطاعني دخلَ الجنّة ، ومَن عصاني فقد أبى }.
(صحيح البخاري ).

هذه الأحاديث الشريفة متّفِقة تماماً مع ما جاء في القرآن الكريم؛

طاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وطاعة أولي الأمر المعصومين عليهم السلام واحدةٌ، والطّاعة والإيمان أمران متلازمان إذا فُقِد أحدهما فُقِد الآخر، فلا جنّة بدون إيمان ، ولا إيمان بدون طاعة الرسول والأئمّة المعصومين ؛
فاستيقظوا من رقادكم أيّها الغافلون قبل يوم الحسرة والنّدامة ، و لات حين مندم.

٤ - الدّلالات المعنوية للقصر الموجود في أمّ الكتاب يمكِّنُ المؤمنين من وضع التعريف المناسب للحزب ؛

الحزب : أمّةٌ من النّاس ، يتّفقون في الفكر والدِّين والعقيدة، يأتمّون بإمام ، مُحِقَّاً كان أو مُبطِلاً، فيقتدون بهَديِه ، ويسلكون منهجه.
والحزب نوعان :

* حزب الشيطان لعنه الله.
* وحزب الرحمن : النّجباء ، وهم حزب الله عزّ وجلّ.

حزب الله شرعاً : أمّةٌ من النّاس ، يتفقون في الفكر والدّين والعقيدة، يجمعهم ميثاق الطّاعة الشرعيّة ، والإيمان بالولاية ، والتمسّك بأهل بيت العصمة والطهارة ، لم يتّخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة ، قد امتنّ اللهُ عليهم بالفضل والرحمة والهداية ، وعقَدَ بينهم حبل الأُلْفة، يتنقَّلون في ظِلِّها ، ويأوون إلى كنَفِها بنعمةٍ لا يعرف أحدٌ من المخلوقين لها قيمة ؛
هم الّذين قال الله عز وجل فيهم :

﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾.

الشبهة الخامسة :

سياق الآيات يدلّ على المحبّة والنّصرة ، ومعنى " الوليّ " هو المُحِب والنّاصر.

نقــــول :
☆ معنى الوليّ في الآية هو الأَوْلى .
☆ السياق غير دال على معنى النّاصر والمحِب.
☆ السياق لا يكافئ الأدلّة.

١ ـ معنى الوليّ هو الأَوْلَى

لقد أثبتنا بالدّليل العلمي والشرعي، عند حديثنا حول معنى آية الولاية ، أنّ "وليّ" في الآية الشريفة بمعنى مفعول ، أي مَولى ، لا بمعنى فاعل ؛ والوليّ والمولى بمعنى واحد ؛
المعنى الحقيقي للوليّ والمَولى هو الأوْلَى ، وقد بسطنا القول هنالك، ولا حاجةَ بنا إلى إعادته هاهنا ، وبإمكان القارئ أن يراجع الفصل السابع إن أراد.

فانظر إلى إلهك الّذي ظَلتَ عليه عاكفا لنُحرّقنّه ثمّ لننسفنّه في اليمّ نسفا ،
إنّمــا وليّـــكم الله ورسولــه وعـليٌّ الحكيــم فلا تذهبنّ بكم الأباطيل.

٢ ـ السياق دالٌّ على ولاية الأمر

١- غير ممتنع ، لا شرعاً ولا لغةً ولا عقلاً ، أن يكون المعنى المراد في الآيات السبع (51- 57) هو ولاية الأمر ، لأنّ :
* الاتّخاذ والتولِّي ألفاظٌ لها معنىً دال على القصد إلى الشيء ، والعزم عليه والتمسك به، والملازمة له واتباعه ، والمتأمِّل لِما نطق به القرآن من ذِكر الاتخاذ يجده متضمّناً لهذا المعنى ، وقد قال تعالى :
﴿ وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰحَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ﴾.

وليست الولاية إلا التمسّك بالمولى واتّباعه.

* الخطاب القرآني بـ " يا أيّها الّذين ءامنوا " لا يعني أنّ المخاطَبين كلّهم أجمعين مؤمنون حقيقةً ، بل منهم مؤمنون وأكثرهم فاسقون ، و مَن يعتقد أنّهم جميعاً مؤمنون حقّ الإيمان فعليه بالدّليل.

* قوله تعالى : " إن كنتم مؤمنين " في ذيل الآية 57، قرينة توضح بجلاء أنّ المعنى المراد في الآيات هو ولاية الأمر ، لأنّ الإيمان والتقوى ، والكفر والارتداد عن الدّين قضايا مرتبطة ارتباطاً وثيقا بمسألة الولاء والطاعة، الطّاعة لله وللرسول وأولي الأمر من المؤمنين.

فلا إيمانَ للمخاطَبين إلّا بطاعة الوليّ الشرعي، عليٌّ الحكيم ، مالم فإنّ أولياءهم الطاغوت.

٢ - السياق الّذي ينبغي أن يؤخذ في الحسبان هو الوصل الموجود بين آية الولاية، والآية الّتي تليها ؛ قوله تعالى :

﴿ وَمَن يَتَوَلَّ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّـهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ﴾.

فنحن نشاهد حرف العطف "الواو" بين الآيتين ، وهذا يدلّ على وجود جهة جامعة تربط بين الآيتينِ ، تتمثل بما يلي :

☆ الاتحاد التام بين الآيتين ، فهما عبارة عن جُمَل خبريّة لفظاً إنشائية في المعنى، وتمّ العطف بينهما بقصد التشريك في الحكم والمعنى.

☆ التشريك بينهما في المعنى الشرعي واللّغوي ، بين وليّ ويتولّ ، فإنّه يُقال : تولّاه، أي اتّخذه وليّاً، والمعنى الحقيقي للوليّ هو الأوْلى، والمعاني الأخرى مجازية.

☆ التشريك بين الآيتين في المعنى البلاغي الدّال على التشريف من جهة، والتعريض من جهة أخرى ؛ إذ المعنى :
ومَن يتولّ اللهَ ورسولَه والّذين ءامنوا فهم حزب الله وحزب الله هم الغالبون.
فالطّائعون لأمر الله ورسوله وعليّ الحكيم هم حزب الله عزّ وجلّ ، وهذا تشريف وتعظيمٌ لشيعةِ حيدر الكرار، كرّمَ اللهُ وجوهَ شيعة عليّ عليه السلام.
☆ التعريض بالمخالفين لأمر الله ورسوله وعليّ الحكيم ، وأنّ مَن يتولّ غيرَ المذكورين في آية الولاية فهو مِن حزب الشيطان.

فريقاً هدى وفريقا حقّت عليه الضلالة.

وبناءً على ذلك، تتضح فوائد الوصل بين الآيتينِ، حيث إنّ العطف قد أفاد ما يلي :

* وحدة السياق بين الآيتين ، وغير مستبعَد نزولهما معاً في زمن واحد.

* الاشتراك بين الآيتين في المعنى الشرعي واللّغوي الدّال على ولاية الأمر.

* الاشتراك بين الآيتينِ في المعنى البلاغي الدّال على المدح والتعظيم.

* الاشتراك بين الآيتين في المعنى البلاغي الدّال على التعريض بالمخالِفين.

* التكامل المعنوي بين الآيتينِ وبين آية الإطاعة.

قال جلّ شأنه : ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴿٢﴾
وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّـهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾.

وقال تعالى :

﴿ مَّا كَانَ اللَّـهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّـهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّـهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾.

٣ ـ السياق لا يكافئ الأدلّة

لقد ثبت بالدّليل العلمي تفسير الوليّ بما ذكرناه ، فلا وزن للسياق في حال تعارضه مع الأدلّة ، ومعلوم أنّ الأمّة الإسلامية قاطبةً متفقون على ترجيح الأدلّة على السياق، فإذا حصل التعارض بينهما ، تركوا مدلول السياق واستسلموا لحكم الدّليل ، والسبب في ذلك عدم الوثوق حينئذٍ بنزول الآية في ذلك السياق ، إذ لم يكن ترتيب الكتاب العزيز في الجمع موافقاً لترتيبه في النُّزول.

وفي التنزيل كثير من الآيات الواردة على خلاف ما يعطيه سياقها ، كآية التطهير المنتظمة في سياق الآيات المتعلِّقة بنساء النّبيّ ، مع ثبوت النّصّ على اختصاصها بالخمسة أهل الكساء، روحي لهم الفداء ، الرسول المصطفى ، وعليّ المرتضى، وفاطمة الزهراء ، والحسنين صلوات الله عليهم.

وكذلك آية إكمال الدّين وإتمام النّعمة المنتظمة في سياق المحرَّم من المأكولات الحيوانية ، مع أنّ كتب التفسير وأخبار السِّير تفيد أنّها نزلت بعد انتهاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من خطبة الوداع يوم الغدير المبارك.

وبالجملة ، فإنّ حمل معنى الآية على ما يخالف سياقها غير مخلّ بالإعجاز ولا مضِر بالبلاغة إذا قامت عليه الأدلّة الصحيحة.

وممّا يؤسف له أنّ البعض وقعَ في شِراك التقليد الأعمى ، والعصبية الجهلاء، فصارت حالهم مصداقاً لقول الشاعر :

قَـد تـنـكِرُ العــينُ ضَـوءَ الشّمسِ مِـن رَمـــَدٍ
وينــكِرُ الفَـــمُ طَعمَ المـاءِ مـِن سَقـــَمِ .

أيّهـــا النّاس، خــذوها من كتاب الله :

﴿ أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ﴾

﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾

﴿ وَإِنَّـــــــــــــــهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴾.

﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ﴾ .

وخــذوها من رسول الله صلى الله عليه وآله :

{ مَن كنتُ مَولاه فهذا عليٌّ مَولاه }.

{ إنّي مُخَلِّفٌ فيكم الثِّقْلَينِ ، ما إن تمسّكتم بهما لن تضِلّوا ، كتاب الله
وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يفترقا حتى يرِدا عليّ الحوض }.

إنّه لَحقٌّ مثلما أنّكم تنطقون ، فبأيّ حديث بعده تؤمنون.

َقولٌ فصلٌ ، قولُ رسولٍ كريم ، رسولُ الله ، وما هو بقول عبدالله بن سبأ اليهودي ، ولا من صنيع الفكر الرافضي، فلا تهرفوا بما لا تعرفون.

والّذي نفس محمد وعليّ عليهما السلام بيدِه ، إنّ أكثر الحقّ فيما تنكرون، فلا تكونوا في التَّـيْـهِ ذَهّابيـن وعن الصراط ناكبيـن.

{ إنّ الله جعَلَ الطّاعةَ غنيمةَ الأكياس عِند تفريط الفَجَرَة }.

فاسمَعُــوا وأَطِيعــوا تُؤمِنُـوا وتَسْعَــدوا، ذالك خَيــرٌ وأحسنُ تأويــــلا.

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
..........................................

هنا نحط الرحال إيذانا بانتهاء الحكاية.
واسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون.



التعديل الأخير تم بواسطة أبو زينب اليمني ; 2016/06/14 الساعة 12:08 AM
رد مع اقتباس
قديم 2016/06/14, 03:45 AM   #56
أبو زينب اليمني

معلومات إضافية
رقم العضوية : 4529
تاريخ التسجيل: 2016/04/22
المشاركات: 1,034
أبو زينب اليمني غير متواجد حالياً
المستوى : أبو زينب اليمني is on a distinguished road




عرض البوم صور أبو زينب اليمني
افتراضي

عالي شموخك يا يمن

عالي فوق السحب يا يمن السعيد
عالي فوق الشهب من العهد البعيد

عالي شموخك بين الشعوب
غالي و إسمك نبض القلوب


يا رمز المحبة والمجد العريق
يا نبع الأصالة والحب العميق
تأريخك مشاعل تتوهج بريق

أمجادك تنادي أمجادك تنادي
عادت من جديد يا يمن السعيد.


رد مع اقتباس
قديم 2016/06/15, 12:53 AM   #57
أبو زينب اليمني

معلومات إضافية
رقم العضوية : 4529
تاريخ التسجيل: 2016/04/22
المشاركات: 1,034
أبو زينب اليمني غير متواجد حالياً
المستوى : أبو زينب اليمني is on a distinguished road




عرض البوم صور أبو زينب اليمني
افتراضي

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

نستأنف نفائس التأويل، وحديثنا هذه المرة حول آية الإطاعة.
نحن، أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام، نقول : إن أولي الأمر الذين وجبت طاعتهم، في الآية الشريفة، معصومون كعصمة رسول الله تماما، ونقول : إن الرد إلى أولي الأمر واجب، حكمه حكم الرد إلى الرسول صلى الله عليه وآله، ونقول : إن جواب الشرط لفعل الشرط الوارد في قوله تعالى : (إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ) ؛ هو قوله تعالى : (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم).
...............................



التعديل الأخير تم بواسطة أبو زينب اليمني ; 2016/06/15 الساعة 01:21 AM
رد مع اقتباس
قديم 2016/06/15, 01:11 AM   #58
أبو زينب اليمني

معلومات إضافية
رقم العضوية : 4529
تاريخ التسجيل: 2016/04/22
المشاركات: 1,034
أبو زينب اليمني غير متواجد حالياً
المستوى : أبو زينب اليمني is on a distinguished road




عرض البوم صور أبو زينب اليمني
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله ربّ العالمين وسلامٌ على عباده الّذين اصطفى.

الوِلاية أو الإمامة ، رئاسة عامّة في شؤون الدّين والدّنيا.

والإمامة تُعَدّ أمّ المسائل الخلافية بين المسلمين ، تنازع فيها النّاس ماضياً وحاضراً، منذ اللّحظات الأولى لرحيل الرسول صلى الله عليه وآله وحتّى يومنا هذا.
إنّها أصل الحكاية.

ملأَت الدّنيا وشغَلَت النّاس ، ضُرِبت من أجلها الأعناق ، وسُفِكت الدّماء ، في الماضي والحاضر، فلا غرابةَ إن كثُرَ حولها الكلام وتصاولت فيها الأقلام، وتفاوتت فيها الأفهام.

يقول التأريخ الإسلامي : إنّ أعظم خِلاف وقعَت فيه الأمّة هو الخلاف في الإمامة، فإنّه ما سُلّ سيفٌ في الإسلام على قاعدة دينية كما سُلّ على الإمامة.

فهل هو صحيحٌ حقّا ، كما يروّجُ البعضُ ، أنّ الدِّين الإسلامي اكتفى بأن عَلَّمَ أتباعه الخرأة ! ، وأغفلَ قضيةً كبرى ومسألة عظمى لا يزال أتباع الإسلام يقتتلون بسببها حتى اليوم ؟ وهي مسألة الإمامة.

هل أنّ الله عزوجل ورسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم أغفلوا ولاية أمر المسلمين ، وتركوا أبناء الإسلام في الجهل يتخبّطون ، وفي الظلمات يعمهون ؟.

أم أنّ للشريعة الإسلامية الغرّاء رأيٌ ووجهة نظر ، ومنهاج واضح في مسألة الإمامة؟.

" الإمامة من منظور الشريعة الإسلامية " موضوع حديثنا في هذا الكتاب.

لقد تركْنا كلامَ المخلوقين وراء ظهورنا ، واعتصمنا بكتاب الخالق ، عُدنا إلى وثيقة السماء الخالدة ، القرآن العظيم ، ومِن خلاله نستبين الرّشد من الغي.

وبعد طول تأمّل وتدبّر في آي الذِّكر الحكيم ، وجدنا آيةً ؛ هي أعظم وأحكم ، ولو لم يكن لأتباع الإسلام إلّا تلك الآية لكانت لهم شفاء ودواء، فإنّ فيها الحقّ المنير والبرهان المستنير.

قال عزوجل : " يا أيها الّذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا ".

إنّها الآية رقم 59 من سورة النّساء.
وقد سمَّيناها آيـــــة الإطـاعــــــة.

حديثنا في هذا الكتاب يتمحور حول ( آية الإطاعة ) وبيان ما جاء فيها بياناً شافياً إن شاء الله تعالى.

يتألّف هذا الكتاب من تسعة فصول : ـ

الفصل الأوّل : تفسير وبيان معنى قوله تعالى :
" يا أيها الّذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ".

الفصل الثاني : تفسير وبيان معنى قوله تعالى :
" فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ".

الفصل الثالث : تفسير وبيان معنى قوله تعالى : " إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ".

الفصل الرابع : تفسير وبيان معنى قوله تعالى : " ذلك خير وأحسن تأويلا ".

الفصل الخامس : عوداً على بــدء + الخلاصة.

الفصل السادس : الإمامة خِلافةً عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، ويتألّف من ثلاثة مقامات :
المقام الأوّل : مفهوم الإمامة.
المقام الثاني : وجوب الإمامة من النّاحية الشرعية والعقلية.
المقام الثالث : الصفات الواجب توفّرها في خليفة الرسول ص.

الفصل السابع : معرفة وليّ الأمر الأوّل بعد الرسول ص بلا فصل.

الفصل الثامن : شبهات وردود.

الفصل التاسع : عدد أولي الأمر الّذين أوجب اللهُ طاعتهم في الآية الشريفة، ومعرفة كلّ واحدٍ منهم بإسمه.
..................................

( ملاحظة : سوف نتناول هنا، في صفحة المنتدى الحسيني المبارك، الفصل الأول والثاني والثالث ).
" الفصل السابع والثامن قد وافيناكم بهما ".


المنهج المُعتمَد في تأويل الآية الشريفة :
نفس المنهجية المعتمدة في آية الولاية.


رد مع اقتباس
قديم 2016/06/15, 01:29 AM   #59
أبو زينب اليمني

معلومات إضافية
رقم العضوية : 4529
تاريخ التسجيل: 2016/04/22
المشاركات: 1,034
أبو زينب اليمني غير متواجد حالياً
المستوى : أبو زينب اليمني is on a distinguished road




عرض البوم صور أبو زينب اليمني
افتراضي

بسم الله العالي مولى الولاية والوليّ
بسم الله الرحمن الرحيم
وبـه توفيـقي وثـقـتي

" آيــة الإطــاعـــة "

قال جلّ شأنه :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّـهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴿٥٩﴾ .

إنّ المتأمِّل لآي الذكر الحكيم يجد أنّ هذه الآية الشريفة هي الآية الوحيدة التي أوجب الله تعالى فيها الطاعة لأولي الأمر.
ولاشكّ أنّ أوّل مسألة تتبادر إلى الذّهن، عند تدبُّــر آية الإطــاعة، هي مسألة مَن هم أولوا الأمر الذين أوجب الله لهم نفس الطاعة الواجبة للرسول صلى الله عليه وآله.
وهذا التساؤل منطقي ومشروع ، غير أنّ هناك مسائلَ عددا ومعارفَ شتّى في الآية الكريمة ينبغي معرفتها قبل معرفة من يكون أولوا الأمر هؤلاء.

إنّ في آية الإطـــاعة عِلماً جمّــا، وآخر تلك المسائل هي مسألة من هم أولـوا الأمر الذين وجبت طاعتهم شرعاً.

وتيسيراً لفهم الآية المباركة ومعرفة ما جاء فيها ، فإنّنا سوف نقسّمها إلى مقاطع ثم نقوم بتأويل كلّ مقطعٍ على حِدَة، وتوضيح علاقته بالمقطع الآخر، وبيان ما جاء فيه.
من ثم سنقوم في نهاية المطاف بعمل خلاصة موجزة لمجموع المعارف والمسائل التي تضمنتها الآية المباركة، ومن بعد ذلك سوف نناقش مسألة الإمــامة ، وهي موضوع حديثنا في هذا الكتاب.

الآية الشريفة تنقسم إلى ثلاثة مقاطع : ـ

صدر الآية أو المقطع الأول :

قوله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ﴾.

المقطع الثــاني :

قوله تعالى :
﴿ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّـهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾

المقطع الثاني يتألف من شطرين :
الشطر الأول : قوله تعالى :﴿ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّـهِ وَالرَّسُولِ ﴾

الشطر الآخر : قوله تعالى :﴿ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾ .

المقطع الثالث والأخير :

قوله تعالى : ﴿ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾.

وقبل الخوض في التفاصيل أودُّ لفت نظر القارئ الكريم إلى مسألة مهمة، وهي :
ينبغي أن يضع القارئ الكريم هذا التقسيم في الاعتبار، لأنّ مُسَمَّيات التقسيم ستتكرر كثيراً في صفحات الكتاب.

هذا البحث تُحفَــةٌ نفيســـة ، أتقــدَّمُ بــه إلى عُشّاق الحـقّ والفضيلــة، راجياً بذلك وجــهَ الله تعالى وشفــاعةَ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم.
..............................

نبدأ الحكاية بعد حين إن شاء الله تعالى....



الفصـــــل الأول :

قوله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ﴾.



التعديل الأخير تم بواسطة أبو زينب اليمني ; 2016/06/15 الساعة 01:32 AM
رد مع اقتباس
قديم 2016/06/15, 08:56 PM   #60
أبو زينب اليمني

معلومات إضافية
رقم العضوية : 4529
تاريخ التسجيل: 2016/04/22
المشاركات: 1,034
أبو زينب اليمني غير متواجد حالياً
المستوى : أبو زينب اليمني is on a distinguished road




عرض البوم صور أبو زينب اليمني
افتراضي

الفصل الأول



قوله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ﴾ .


.....................................


المقطع الأول أو صدر الآية

قوله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ﴾.

إنّ الفائدة الجليلة التي جاء بها هذا النّص القرآنيّ الشريف هي إيجاب فرض الطاعة لأولي الأمر.

ومعنى أولي الأمر ، لغةً وشرعاً وعُرفاً : الحُكّام أو الأئمّة.

هذا هو الحُكم الشرعي الّذي أفادت به الآية المباركة، أمّا طاعة الله وطاعة الرسول فنحن نعلم حكم وجوبها من آيات أُخَر غير هذه الآية، فهناك عشرات، بل مئات الآيات في الكتاب العزيز توجب على المكلفين طاعة الله وطاعة الرسول صلىالله عليه وآله.
غير أنّ المهم ها هنا والّذي يجب أن يؤخَذ في الحسبان هو وجوب طاعة الله وطاعة الرسول وأولي الأمر في سياق واحد.

فالنّص القرآني بحكم المشاهدة أوجب طاعتين اثنتين : طاعة لله جلّ وعلا وطاعــة أخرى للرسول وأولي الأمر ، وهذا النّظم القرآني له الكثير من المعاني والدلالات ؛

أولاً : طاعة الرسول وأولي الأمر

الآية المباركة أوجبت للرسول وأولي الأمر طاعة واحدة، قال : " أطيعوا الرسول وأولي الأمر" ولم يقل : أطيعوا الرسول وأطيعوا أولي الأمر ؛ وهذا التلازم الحاصل بين طاعة الرسول وأولي الأمر يطرح تساؤلاً مهماً ، هو : لماذا أوجب الشرع طاعة الرسول ؟
والجواب السريع القريب إلى الذهن هو : لأنّه نبيّ الله.
لكن، إذا تأمّلنا هذا الجواب وجدناه منقوصا، غير سليم ، لأنّه لو صح أنّ طاعة الرسول واجبة لكونه نبيّا على وجه الخصوص لما كان هناك وجهٌ صحيح لإيجاب الطاعة نفسها لأولي الأمر، لأنّنا نعلم أنّ أولي الأمر ليسوا أنبياء حتى تجب لهم نفس الطاعة الواجبة للرسول ، فالنبوّة قد خُتِمت ولا نبيَّ بعد خاتم النبيين صلى الله عليه وآله.
وذلك معلوم لكلّ مَن دان بشريعة الإسلام.

قال تعالى : ﴿ مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَـٰكِن رَّسُولَ اللَّـهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ﴾.

وما دام هذا هو الواقع، يتضح جلياً أنّ طاعة الرسول واجبة لأجل أمر آخر، ولا خصوصيةَ في كونه نبياً صلى الله عليه وآله وسلم.
إنّ طاعة الرسول، وفقا ًلمقتضى النّصّ القرآني، واجبة لكونه وليّ أمر معصوما، والعديد من آي الذكر الحكيم تؤكد هذا المعنى.
قال تعالى : ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾.
وقال تعالى : ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ﴾.
وقال تعالى : ﴿ مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّـهَ ﴾.
وقال تعالى : ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ﴾.

هذه الآيات ونظائرها الكثير في القرآن الكريم تثبِت للرسول صلى الله عليه وآله مقام الولاية وخاصية العصمة.
وبناءً على البيان المذكور، تتضح أهمية التلازم بين طاعة الرسول وأولي الأمر، ويظهر الغرض الداعي لإيجاب طاعة واحدة للرسول وأولي الأمر.

إنّ هذا يعني التشريك بين الرسول وأولي الأمر في جميع المراتب والخصائص والصفات إلا ما خرج بالدليل ، إلا النبوة.

أولوا الأمر معطوفٌ على الرسول، وبالتــالي يثبت لأولي الأمـر كلّ ما ثَبتَ للرسول من الولاية والعصمة والفضائل والكمالات.

والآية الشريفة أوجبت الطاعـــة وجـــوبا مطلقاً، وهذا يؤكد عصمة أولي الأمر المخصوصين بالذكر في آيــة الإطـــاعة، وأنّ ولايتهم على المسلمين نفس ولاية الرسول صلى الله عليه وآله.
إنّ الشرع الحكيم لا يوجب الطاعة وجوبا مطلقا لِمن يجوز عليه الخطأ والظّلم، والانحراف عن مبادئ الحقّ والعدل.

قال تعالى في شأن الوالدين :﴿ وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ﴾.
تأمّل كيف أنّ الشرع وضع حداً وقيدا لطاعة الوالدين ، ولم يوجِبْ لهما الطاعة وجوبا مطلقا، لأنّ الآباء والأمهات غير معصومين، وصدور الظلم والخطأ منهم غير مستبعد، بل هو جائزٌ مُتوقَّع ، لهذا وضع الشرع قيدا لطاعتهم.

على العكس من ذلك تماما ، نجد أنّ الشرع قد أوجب الطاعة للرسول وأولي الأمر وجوباً مطلقا، وهذا يؤكّد عصمتهم في القول والعمل.
وأعلم، أخي الكريم، أنّ ثبوت العصمة لأولي الأمر في هذه الآية الشريفة يفيد ما يلي :
1 - أنّهم حكّام استثنائيون، ليسوا كباقي ولاة الأمر العاديين الذين يجوز عليهم الظلم والانحراف عن مبادئ الحقّ والعدل، ولا يصح مطلقاً جعل هذه الآية دليلا على وجوب طاعة الحكام بصورة عامة.
أولوا الأمر في الآية الشريفة حكّامٌ مخصوصون لأنّ الشرع أوجب لهم نفس الطاعة الواجبة للرسول صلى الله عليه وآله.

2 - أولوا الأمر الذين وجبت لهم الطاعة في هذا النّص القرآني ينبغي أن يكونوا معروفين بأعيانهم وصفاتهم وأسمائهم حتى يتمكن المكلّفون من أداء فرض الطاعة.
فكما أنّ الرسول معروفٌ لدى المسلمين فكذلك يكون أولوا الأمر، وإلّا استحال أن يتمكن المكلفون من أداء واجب الطاعة.

3 - عصمة أولي الأمر تفيد أنّ جميع أقوالهم وأفعالهم حُجّةٌ كأقوال الرسول صلى الله عليه وآله وأفعاله، يجب اتّباعهم والأخذ منهم والإقتداء بهم، فمن أطاعهم فقد أطاع اللهَ ورسولَه ومن عصاهم كان عاصيا لله ورسوله.

فإذا قيل : طاعة أولي الأمر مقيدٌ بما دلّ على أنّـــه :
" لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصية الخالق أو لا طاعة بمعصية الله ".
نقول : ذلك مردود لوجهين :-

الأول : الآية أوجبت لهم الطاعة وجوبا مطلقاً لا يقبل التقييد والتخصيص ، والوجوب ظاهر في الشمول والعموم ، ويدلّ على أنّ قول : لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وأشباهه من الأقوال غير ناظرة إلى مثل طاعة الرسول وأولي الأمر، لأنّ طاعتهم عينُ طاعة الخالق.

الثاني : التلازم الحاصل بين طاعة الرسول وأولي الأمر ، فطاعتهم واحدة ، واللّفظ الواحد لا يكون مطلقا ومقيدا في نفس الوقت ، وهذا يؤكد عصمة أولي الأمر، تماما كعصمة الرسول صلى الله عليه وآله.

فكما أنّه لا يصح القول : لا طاعة للرسول في معصية الله ، كذلك لا يصح القول : لا طاعة لأولي الأمر في معصية الله ، لأنّ الآية أوجبت لهم نفس الطاعة الواجبة للرسول، فلا تصدر منهم المعصية ولا يأمرون بها.

إنّ الدلالة المعنوية لإيجاب طاعة واحدة للرسول وأولي الأمر هي إثبات العصمة لأولي الأمر، كعصمة الرسول تماما، ومعلوم شرعاً أنّ الرسول صلى الله عليه وآله معصوم.
هذا هو المعنى المستفاد من " آية الإطاعة " وفقاً لعلم المعاني.
قال : " أطيعوا الرسول وأولي الأمر " ولم يقل : أطيعوا الرسول وأطيعوا أولي الأمر.
النّصّ أوجب للرسول وأولي الأمر طاعة واحدة، والمعنى في غاية الوضوح والجلاء لكلّ مَن تحرر من قيود العصبية وحبائل التقليد.

* الدليل العقلي أيضا، يؤكد على أنّ " أولي الأمر " في آية الإطاعة معصومون :

إن الآية الشريفة أوجبت الطاعـــة لأولي الأمر وجوباً مطلقاً، أوجبت لهم نفس الطاعة الواجبة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وهنا لا يخلو الحال من أحد امرين : -

إما أن يكونوا معصومين أو غير معصومين ؟؟

فإن لم يكونوا معصومين جاز عليهم الخطأ والظلم والوقوع في المعصية ؛
وفي هذه الحالة، إما أن تجب طاعتهم أو لا تجب ؟
فإن وجبت فهذا يعني - تعالى الله عن ذلك - أن إيجاب طاعتهم أمر بالفحشاء، وهو قبيح شرعاً وعقلاً ؛
قال تعالى : { إن الله لا يأمر بالفحشاء }.

والفحشاء : ما ينفر عنه الطبع السليم ويستنقصه العقل المستقيم.
( معجم التعريفات - علي الجرجاني ).

وإن لم تجب طاعتهم أدى ذلك إلى مخالفة الشرع الحكيم الذي أوجب لهم الطاعة مطلقاً، دائماً وأبداً، وجعل طاعتهم شرطاً واجباً من شروط الإيمان بالله واليوم الآخر.

فلم يبق إلا القول بعصمة أولي الأمر الذين أوجب الله طاعتهم في محكم التنزيل، وعلينا متابعتهم في جميع الأحوال، والإلتزام بجميع الأوامر والنّواهي الصادرة عنهم.

وهذا هو الحق المبين والصراط المستقيم.


ثانياً : إقتران طاعة الرسول وأولي الأمر بطاعة الله

إذا كان التلازم بين طاعة الرسول وأولي الأمر قد أثبت لأولي الأمر كلّ ما هو ثابت للرسول إلّا النبوة، فإنّ اقتران طاعتهم بطاعة الله يفيد ما يلي :-

1 - أنّ الطاعة حقٌ مِن حقوق الله تعالى يفترضها لبعض الناس على بعض، فلا طاعةَ لأحدٍ إلّا بإذن الله، وقد أذِنَ اللهُ، في هذا النَّصّ الشرعي، بطاعة الرسول وأولي الأمر وجوباً مطلقاً، وقولا واحداً.

2 - توحيد الحاكمية والولاية التشريعية.
3 - منح الرسول وأولي الأمر الشرعية في ممارسة شؤون الحكم، فهم حكامٌ شرعيون يتمتعون بكامل الصلاحية.
وهذا يفيد أنّ الله قد جعل لهم حقاً بولاية الأمر.

4 - رفعة شأن الرسول وأولي الأمر، وجلالة قدرهم وعظيم منزلتهم، لأنّ مَن أطاعهم فقد أطاع اللهَ ومن عصاهم فقد عصى الله.

ثالثاً : طاعة الله جلّ وعلا

إيجاب الله تعالى، في هذا النّص القرآني، طاعة لِنفسهِ وطاعة أخرى للرسول وأولي الأمر لا يعني أنّ هناك فرقاً أو اختلافاً بين الطاعتين، لأنّنا نعلم أنّ طاعة الرسول وأولي الأمر عينُ طاعةِ الله لأنّ الله هو الّذي أوجب لهم الطاعة.
قال تعالى : ﴿ مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّـهَ }.
ومعلوم أنّ الرسول نبيّ ووليّ أمر، فيثبت لأولي الأمر حكم الطاعة الثابت للرسول لأنّ طاعتهم واحدة، متلازمة ، لا ينفكّ بعضها عن بعض ، فمن يطع أولي الأمر المخصوصين بالذكر في الآية فقد أطاع اللهَ ورسولَه.

قال صلى الله عليه وآله : { يا هؤلاء أليس تعلمون أنّي رسول الله ، أليس تعلمون أنّ الله أنزل في كتابه مَن أطاعني فقد أطاع الله ؛ مِن طاعةِ الله أن تطيعوني ، وإنّ مِن إطاعتي أن تطيعوا أئمّتَكم ، وإن صلّوا قُعُوداً فصلّوا قعوداً أجمعين }. (كنز العمال - المتقي الهندي - الجزء السادس).

التكرار الحاصل في ذِكْرِ الطاعة يسمّى ، من الناحية البلاغية ، إطنابا.
قال : " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر" ولم يقل : أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر.
والإطناب في كلام الحكيم لا يكون إلا لفائدة ، فائدة في المعنى.
والإطناب الحاصل يفيد ما يلــي :-

1 - أنّ الولاية لله تعالى وحده، وحقّ من حقوقه، يجعلها لمن يشاء من عباده ومن نازع الله ملكه وسلطانه قصمه الله وكان من الخاسرين.

2 - التأكيد على أنّ الإلوهية حقّ لله تعالى وحده، ونفيها عن البشر أجمعين، فلا يتوهمنّ بعضُ الحمقى أنّ الرسول وأولي الأمر إلهٌ يُعبَد من دون الله.
إنّ الرسول وأولي الأمر عبادٌ مربوبون ، وبشرٌ مُكرَّمون، لا يعصون الله ما أمرهم وهم بأمره يعملون ، ومن يعتقد فيهم الإلوهية فهم منه براء؛ المعصوم لا يدّعِي حقاً ليس له ولا يطلب لنفسه ما ليس له مستحقاً.

قال تعالى : ﴿ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللَّـهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللَّـهِ ﴾.

3 - كمال التباين والتغاير، وإثبات التضاد في الذّات بين الخالق والمخلوقين.
فالله جلّ وعلا أُحَدي الذات لا شبيهَ له ولا نظيرَ وليس كمثله شيء.
أمّا الرسول وأولوا الأمر فإنّهم بشرٌ، لهم آذانٌ يسمعون بها وقلوبٌ يبصرون بها وأعينٌ يرون بها وأرجل يمشون بها ... إلخ .
وكمال التباين والتغاير بين الإله والعباد يعني توحيده جلّ وعلا ونفي صفات المخلوقين عنه.
هذا هو المستفاد من الإطناب الحاصل في المقطع الأول.
...............................

المستفاد من المقطع الأول

1 - الآية الكريمة في مقام التشريع الواجب، وهذا التشريع يتمتّع بصفةِ الحُرمة والقَداسة، يُثابُ فاعِلُه ويُعاقَب تارِكُه.

2 - جوهر النّص القرآني، والمعنى المستفاد منه هو الولاية.
ولاية الأمر والتدبير، أي تنظيم أمور الناس وضبط شؤونهم، وحق الأمر والنهي، وهو المُسَمّى عُرفاً وشرعاً بالحكم.

3 - وجوب طاعة الوليّ الشرعي، الله والرسول وأولي الأمر دائماً وأبداً.

4 - الولاية واجبةٌ شرعاً، لأنّ الله أوجب الطاعة وجوباً مطلقاً، فلا وليّ بدون ولاية كما أنه لا نبيّ بدون نُبوّة، وما لا يتمّ الواجب مطلقاً إلا به فهو واجب.

5 - الآية ترسخ مبدأ عقائدياً أصيلاً في نفوس المسلمين وهو توحيد الحاكمية والولاية التشريعية.

6 - المقطع القرآني الشريف يؤكد أنّ الإلوهية حقّ لله تعالى وحده، وهو المتفرّد بالوحدانية.

7 - طاعة الرسول، وفق مقتضى النّص القرآني، واجبةٌ لكونه وليّ أمر معصوما ولا خصوصيةَ في كونه نبيا صلى الله عليه وآله.
8 - المقطع الأول من الآية يعتبر الدعامة الأصلية والأساس المتين الذي بُنِيَ عليه الخطابُ في بقية أجزاء الآية.
إنّه حجر الأساس وعليه البناء، وهذا من مميزات الكلام البليغ ولطائفه، فإنّ المعاني الشريفة اللّطيفة لا بد فيها من بناء ثانٍ على أوّل، وردّ تالٍ على سابق.
فليتنَبّهْ القارئ إلى هذا ويحرص عليه فإنّ فيه عِلْماً شريفاً وله ما بعده إن شاء الله.

..........................................

فائدة :

* أولوا : اسم جمعٍ ، ملحق بجمع المذكر السالم ، يستوي فيه المفرد والجمع ، أصله : أولون ، حُذِفَت النونُ بسبب الإضافة ، وليس له مفرد من لفظه ، له مفرد من معناه، مفرد أولوا ، ذو. أولي الأمر هو بمنزلة ذوي الأمر ، المعنى واحد.
* إذا اقترن اللفظ بالألِف واللّام تجردَ عن الإضافة ، وصار إسما موصولا "الأُلى".
* إذا تجرد من الألف واللام والإضافة صار إسم إشارة ، أولاء - بالمد - وأولى - بالقصر.
والواو في " أولوا " تُكتَبُ رسماً ، لكنّها غير ملفوظة ، يُلفَظ : ألوا ، ألاء ، ألى ؛ بدون واو.

و تستمر الحاية .........



التعديل الأخير تم بواسطة أبو زينب اليمني ; 2016/07/19 الساعة 07:37 PM
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع


الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
فواصل السلام عليكم ...فى امان الله،،(متجدد) طريقي زينبي الصــور العامة 6 2013/04/25 11:46 AM
خمس ايات في سورة النور عن اهل البيت عليهم السلام..! حنين الورد الحوار العقائدي 6 2013/03/14 09:36 PM
( زواج النور من النور ) اثبات المخالفين اهل الرحمه الحوار العقائدي 1 2012/11/12 02:26 AM
مناسبة زواج النور من النور ابوشهد خيمة شيعة الحسين العالميه 5 2012/11/08 02:05 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات شيعة الحسين العالمية اكبر تجمع اسلامي عربي
|

خدمة Rss ||  خدمة Rss2 || أرشيف المنتدى "خريطة المنتدى" || خريطة المنتدى للمواضيع || أقسام المنتدى || SiteMap Index


أقسام المنتدى

المنتــديات العامة @ السياسة @ المناسبات والترحيب بالأعضاء الجدد @ منتديات اهل البيت عليهم السلام @ سيرة أهـل البيت (عليهم السلام) @ الواحة الفاطمية @ الإمام الحجّة ابن الحسن صاحب العصر والزمان (عج) @ الادعية والاذكار والزيارات النيابية @ المـدن والأماكن المقدسة @ المـنتـديات الأدبيـة @ الكتاب الشيعي @ القصة القصيرة @ الشعر الفصيح والخواطر @ الشعر الشعبي @ شباب أهل البيت (ع) @ المنتـديات الاجتماعية @ بنات الزهراء @ الأمومة والطفل @ مطبخ الاكلات الشهية @ المنتـديات العلمية والتقنية @ العلوم @ الصحه وطب أهل البيت (ع) @ الكمبيوتر والانترنيت @ تطبيقات وألعاب الأندرويد واجهزة الجوال @ المنتـديات الصورية والصوتية @ الصوتيات والمرئيات والرواديد @ الصــور العامة @ الابتسامة والتفاؤل @ المنتــــديات الاداريـــة @ الاقتراحات والشكاوي @ المواضيع الإسلامية @ صور اهل البيت والعلماء ورموز الشيعة @ باسم الكربلائي @ مهدي العبودي @ جليل الكربلائي @ احمد الساعدي @ السيد محمد الصافي @ علي الدلفي @ الالعاب والمسابقات @ خيمة شيعة الحسين العالميه @ الصــور العام @ الاثـــاث والــديــكــورآت @ السياحة والسفر @ عالم السيارات @ أخبار الرياضة والرياضيين @ خاص بالأداريين والمشرفين @ منتدى العلاجات الروحانية @ الابداع والاحتراف هدفنا @ الاستايلات الشيعية @ مدونات اعضاء شيعة الحسين @ الحوار العقائدي @ منتدى تفسير الاحلام @ كاميرة الاعضاء @ اباذر الحلواجي @ البحرين @ القران الكريم @ عاشوراء الحسين علية السلام @ منتدى التفائل ولاستفتاح @ المنتديات الروحانية @ المواضيع العامة @ الرسول الاعظم محمد (ص) @ Biography forum Ahl al-Bayt, peace be upon them @ شهر رمضان المبارك @ القصائد الحسينية @ المرئيات والصوتيات - فضائح الوهابية والنواصب @ منتدى المستبصرون @ تطوير المواقع الحسينية @ القسم الخاص ببنات الزهراء @ مناسبات العترة الطاهرة @ المسابقة الرمضانية (الفاطمية) لسنة 1436 هجري @ فارسى/ persian/الفارسية @ تفسير الأحلام والعلاج القرآني @ كرسي الإعتراف @ نهج البلاغة @ المسابقة الرمضانية لسنة 1437 هجري @ قصص الأنبياء والمرسلين @ الإمام علي (ع) @ تصاميم الأعضاء الخاصة بأهل البيت (ع) @ المسابقة الرمضانية لعام 1439هجري @ الإعلانات المختلفة لأعضائنا وزوارنا @ منتدى إخواننا أهل السنة والجماعه @


تصليح تلفونات | تصليح تلفونات | تصليح سيارات | تصليح طباخات | تصليح سيارات | كراج متنقل | تصليح طباخات | تصليح سيارات |