Untitled 2
العودة   منتديات شيعة الحسين العالمية اكبر تجمع اسلامي عربي > منتديات اهل البيت عليهم السلام > الرسول الاعظم محمد (ص)

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2016/03/01, 07:16 PM   #1
الشيخ عباس محمد

موالي بلاتيني

معلومات إضافية
رقم العضوية : 3773
تاريخ التسجيل: 2015/04/07
المشاركات: 1,723
الشيخ عباس محمد غير متواجد حالياً
المستوى : الشيخ عباس محمد is on a distinguished road




عرض البوم صور الشيخ عباس محمد
افتراضي اغتيال النبي محمد ص واله من مصادر اهل السنة


اغتيال النبي محمد ص واله
نسب النبي (صلى الله عليه وآله)
خرج النبي محمد (صلى الله عليه وآله) من آباء وأجداد مؤمنين بدلالة الحديث والقرآن قال النبي (صلى الله عليه وآله): خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم . وقال (صلى الله عليه وآله): لم يزل ينقلني الله تعالى من أصلاب الطاهرين إلى أرحام المطهرات حتى أخرجني في عالمكم هذا، لم يدنسني بدنس الجاهلية . بينما قال الله تعالى عن المشركين: إنما المشركون نجس (1). والدليل القرآني قوله تعالى: { الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين } (2).
(هامش)
(1) راجع بحار الأنوار 15 / 117 - 122، دلائل النبوة، أبو نعيم في نسب النبي (صلى الله عليه وآله)، دلائل النبوة، البيهقي، الدرج المنيفة في الآباء الشريفة، السيوطي، المقامة السندسية في النسبة المصطفوية، السيوطي. (2) الشعراء: 218، 219. (*)
وكان عبد المطلب قد حرم في الجاهلية نساء الآباء على الأبناء (1). هل اغتالت اليهود عبد الله بن عبد المطلب؟ 1 - حاول الكهنة والأحبار قتل عبد الله فقال كبيرهم، ويسمى ربيان: اعملوا طعاما وضعوا فيه سما، ثم ابعثوا به إلى عبد المطلب. فصنعوا طعاما ووضعوا فيه سما، وأرسلوه مع نساء متبرقعات إلى بيت عبد المطلب. ولما خرجت إليهم فاطمة ورحبت بهن قلن: نحن من قرابتك من بني عبد مناف. فقال عبد المطلب: هلموا إلى ما خصكم به قرابتكم، فقاموا وأرادوا الأكل منه، وإذا بالطعام قد نطق بلسان فصيح وقال: لا تأكلوا مني فإني مسموم. وكان هذا من دلائل نور رسول الله (صلى الله عليه وآله) فامتنعوا من أكله وخرجوا يقتفون أثر النساء فلم يروا لهن أثرا! (2) 2 - وحاول الأحبار قتل عبد الله بن عبد المطلب مرة أخرى فجاءوا من الشام إلى مكة بصفة تجار، ومعهم سيوف مسمومة، وفي مكة تحينوا الفرصة لقتل عبد الله فحصلوا على فرصتهم أثناء ذهاب عبد الله إلى الصيد خارج مكة. ولما حاصروا وأوشكوا على قتله أنجاه الله تعالى منهم بمساعدة بني هاشم، فقتل بعض الأحبار وأسر الآخرون! (3)
(هامش)
(1) بحار الأنوار 15 / 127. (2) بحار الأنوار 15 / 90، 91. (3) بحار الأنوار 15 / 91 - 98. (*)
وقد مات عبد الله بن المطلب وعمره 17 سنة في ظروف مشكوكة قال الكازروني في كتاب المنتقى: ولد عبد الله لأربع وعشرين سنة مضت من ملك كسرى أنوشروان فبلغ سبع عشرة سنة، ثم تزوج آمنة، فلما حملت برسول الله (صلى الله عليه وآله) توفي (1). وقد مات بعد عودته من تجارة الشام إلى مكة فمات في المدينة. ويحتمل أن اليهود سموه في الشام بعد فشلهم في قتله في مكة، رغبة في قتل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو في صلبه، لكن الله سبحانه أفشل مسعاهم، ما دام محمد (صلى الله عليه وآله) في صلب عبد الله. ثم أفشل الله تعالى المحاولات لقتل النبي (صلى الله عليه وآله)، وبعدما أتم (صلى الله عليه وآله) تبليغ الرسالة والوصية إلى علي (عليه السلام) تمكن المنافقون من اغتياله.
اهتمام سيف بن ذي يزن بحياة الرسول (صلى الله عليه وآله)
اهتم الكثير من الناس بعمليات الاغتيال واجتهدوا في وسائل إخفائها وسترها وأول من اغتال في هذه الدنيا هو قابيل يوم قتل هابيل متسببا في مصرع ربع العالم بعملية اغتيال واحدة. ووصلت عمليات الاغتيال في عصرنا الحاضر مرحلة خطيرة تتمثل في زرق الضحايا بفيروسات أمراض قاتلة، وبطرق فنية ماهرة.
(هامش)
(1) البحار 15 / 124، 125، المنتقى، الكازروني، الفصل الخامس. (*)
وكان عبد المطلب قد وفد على سيف بن ذي يزن مع جلة قومه لما غلب على اليمن، فقدمه سيف عليهم جميعا وآثره. ثم خلا به فبشره برسول الله ووصف له صفته. فكبر عبد المطلب، وعرف صدق ما قاله سيف، ثم خر ساجدا، فقال له سيف: هل أحسست لما قلت نبأ؟ فقال له: نعم! ولد لابني غلام على مثال ما وصفت أيها الملك. قال: فاحذر عليه اليهود وقومك، وقومك أشد من اليهود، والله متم أمره ومعل دعوته. وكان أصحاب الكتاب لا يزالون يقولون لعبد المطلب في رسول الله منذ ولد، فيعظم بذلك ابتهاج عبد المطلب (1). فازداد اهتمام عبد المطلب بمحمد (صلى الله عليه وآله). قال اليعقوبي: كان يفرش لعبد المطلب بفناء الكعبة، فلا يقرب فراشه حتى يأتي رسول الله، وهو غلام، فيتخطى رقاب عمومته، فيقول لهم عبد المطلب: دعو ابني، إن لابني هذا شأنا (2).
اعتقاد أبي طالب باغتيال قريش للنبي (صلى الله عليه وآله)
كان أبو طالب يهتم اهتماما بالغا بحياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويحاول جاهدا التضحية بحياة أولاده وأولاد إخوانه في سبيل الحفاظ على حياته.
(هامش)
(1) تاريخ اليعقوبي 2 / 12، طبعة ليدن. (2) سيرة ابن هشام 1 / 109. (*)
قال الواقدي في إسناده: كلم وجوه قريش - وهم عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبي بن خلف وأبو جهل والعاص بن وائل ومطعم وطعيمة ابنا عدي ومنبه ونبيه ابنا الحجاج والأخنس بن شريق الثقفي - أبا طالب في أن يدفع إليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويدفعوا إليه عمارة بن الوليد المخزومي. فأبى ذلك وقال: أتقتلون ابن أخي وأغذو لكم ابنكم، إن هذا لعجب! فقالوا: ما لنا خير من أن نغتال (كذا) محمدا، فلما كان المساء فقد أبو طالب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فخاف أن يكونوا قد اغتالوه فجمع فتية من بني عبد مناف وبني زهرة وغيرهم وأمر كل فتى منهم أن يأخذ معه حديدة ويتبعه، ومضى. فرأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال له: أين كنت يا بن أخي؟ أكنت في خير؟ قال: نعم والحمد لله. فلما أصبح أبو طالب دار على أندية قريش والفتيان معه، وقال: بلغني كذا وكذا، والله لو خدشتموه خدشا ما أبقيت منكم أحدا إلا أن أقتل قبل ذلك. وجاء: طلب أبو طالب من ولده ومواليه أن يقفوا صباحا في المسجد، فإن أصبح ولم ير للنبي (صلى الله عليه وآله) خبرا أو سمع فيه سوءا أومأ إليهم بقتل القوم، ففعلوا ذلك. فلما أقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) استبشر ثم قال لولده ومواليه: أخرجوا أيديكم من تحت ثيابكم، فلما رأت قريش ذلك انزعجت. ورجعت إلى أبي طالب بالعتب والاستعطاف فلم يحفل بهم (1).
(هامش)
(1) طبقات ابن سعد 1 / 186، الحجة على الذاهب ص 61. (*)
فاعتذروا إليه وقالوا: أنت سيدنا وأفضلنا في أنفسنا (1). قال المؤرخون: وكان أبو طالب في طول مدتهم في الشعب يأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيأتي فراشه كل ليلة حتى يراه من أراد به شرا أو غائلة، فإذا نام الناس أمر أحد بنيه أو أخوته أو بني عمه فاضطجع على فراش رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يأتي بعض فرشهم فيرقد عليها، فلم يزالوا في ذلك إلى تمام ثلاث سنين (2). وقال أبو طالب: ألم تعلموا أن ابننا لا مكذب * لدينا ولم يعبأ بقول الأباطيل وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * شمال اليتامى عصمة للأرامل وقال (صلى الله عليه وآله) عند وفاة أبي طالب: وصلتك رحم وجزيت خيرا فلقد ربيت وكفلت صغيرا وآزرت ونصرت كبيرا، ثم أقبل على الناس فقال: أما والله لاشفعن لعمي شفاعة يعجب منها أهل الثقلين (3). وقال (صلى الله عليه وآله): عندما سئل عن أبي طالب: أرجو له كل خير من ربي (4). وهكذا بقي أبو طالب محافظا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومدافعا عنه حتى
(هامش)
(1) أنساب الأشراف، البلاذري 2 / 31. (2) عيون الأثر، ابن سيد الناس 1 / 166، السيرة النبوية، ابن كثير 2 / 44. (3) الحجة على الذاهب ص 67، الدرجات الرفيعة ص 61. (4) شرح نهج البلاغة 3 / 311، الدرجات الرفيعة ص 49، أسنى المطالب ص 24. (*)
لحق بربه بعد خروجهم من الشعب وقد مات أبو طالب مسلما مجاهدا في سبيل الله، مضحيا بحياة أفراد قبيلته في سبيل الإبقاء على حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله).
محاولة قتل النبي (صلى الله عليه وآله) في مكة
ومن ضمن المحاولات الرامية لقتل رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مكة كانت محاولة عمر بن الخطاب إذ جاء: عن أنس بن مالك جاء بأن عمر خرج متقلد السيف فلقيه رجل من بني زهرة، فقال: أين تعمد يا عمر؟ فقال: أريد أن أقتل محمدا. قال: وكيف تأمن في بني هاشم، وبني زهرة، وقد قتلت محمدا؟ قال: فقال عمر: ما أراك إلا صبوت وتركت دينك الذي أنت عليه. قال: أفلا أدلك على العجب يا عمر؟ إن ختنك (1) وأختك قد صبوا وتركوا دينك الذي أنت عليه. وعن ابن عباس: قال عمر: فأتيت الدار (دار أرقم بن أبي الأرقم) وحمزة وأصحابه جلوس في الدار، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) في البيت، فضربت الباب، فاستجمع القوم، فقال لهم حمزة: ما لكم؟ قالوا: عمر بن الخطاب.
(هامش)
(1) زوج أخته. (*)
قال: وعمر بن الخطاب؟ افتحوا له الباب، فإن أقبل قبلنا منه، وإن أدبر قتلناه. قال: فسمع ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: ما لكم؟ قالوا: عمر بن الخطاب. فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأخذ بمجامع ثيابه، ثم نتره نترة، فما تمالك أن وقع على ركبتيه في الأرض. فقال: ما أنت بمنته يا عمر؟ قلت: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله (1). أي أن عمر خرج متقلد السيف وقائلا: أريد أن أقتل محمدا، وبعد ضربه لأخته لم ينزع سيفه، بل ذهب إلى رسول الله بسيفه ليقتله إذ جاء: حتى أتى (صلى الله عليه وآله) عمر فأخذ بمجامع ثوبه وحمائل السيف، فقال: أما أنت منته يا عمر حتى ينزل الله بك من الخزي والنكال ما أنزل بالوليد بن المغيرة (2). وواضح من النص أن النبي (صلى الله عليه وآله) وحمزة كانا متيقنين من قدوم عمر للاغتيال، إذ جاء متقلدا سيفه. وذكر ابن إسحاق: وقد بلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن عمر يطلبه ليقتله (3). وكان عمر كثير الأذى لرسول الله (صلى الله عليه وآله) في مكة لذا قال النبي (صلى الله عليه وآله) له: يا
(هامش)
(1) مختصر تاريخ دمشق، ابن عساكر 18 / 269 طبع دار الفكر، سيرة ابن إسحاق 2 / 181 طبع دار الفكر. (2) الطبقات، ابن سعد 3 / 268، 269، طبع دار صادر - بيروت، صفوة الصفوة، ابن الجوزي 1 / 269. (3) سيرة ابن إسحاق ص 183 طبع دار الفكر. (*)
عمر ما تتركني ليلا ولا نهارا (1). وقال له أيضا: ما أنت بمنته يا عمر (2). ولكن من بعث عمر لاغتيال رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ ذكر محمد بن إسحاق أن قريشا بعثت عمر بن الخطاب لقتل النبي محمد (صلى الله عليه وآله) فتقلد سيفه (3). وقال ابن عساكر: ولقد حاول عمر بن الخطاب في مكة أيام الجاهلية قتل رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأمر قريش، لكنه فشل في ذلك (4).
محاولة ممثلي قبائل قريش اغتيال النبي (صلى الله عليه وآله) في مكة
وبعد محاولة عمر الفاشلة استمرت قريش في خططها لاغتيال النبي (صلى الله عليه وآله) فجاء: وأجمعت قريش على قتل رسول الله، وقالوا: ليس له اليوم أحد ينصره، وقد مات أبو طالب، فأجمعوا جميعا على أن يأتوا من كل قبيلة بغلام نهد فيجتمعوا عليه فيضربوه بأسيافهم ضربة رجل واحد، فلا يكون لبني
(هامش)
(1) حلية الأولياء 1 / 40. (2) حلية الأولياء 1 / 40. (3) سيرة ابن إسحاق ص 160، طبع دار الفكر. (4) مختصر تاريخ دمشق، ابن عساكر 18 / 269، طبع دار الفكر، الطبقات، ابن سعد 3 / 191، صفوة الصفوة، ابن الجوزي 1 / 269. (*)
هاشم قوة بمعاداة جميع قريش، فلما بلغ رسول الله أنهم أجمعوا على أن يأتوه في الليلة التي أتحدوا فيها، خرج رسول الله لما اختلط الظلام ومعه أبو بكر، وإن الله عز وجل، أوحى في تلك الليلة إلى جبريل وميكائيل أني قضيت على أحدكما بالموت فأيكما يواسي صاحبه؟ فاختار الحياة كلاهما. فأوحى الله إليهما: هلا كنتما كعلي بن أبي طالب، آخيت بينه وبين محمد، وجعلت عمر أحدهما أكثر من الآخر، فاختار علي الموت وآثر محمدا بالبقاء وقام في مضجعه، اهبطا فاحفظاه من عدوه. فهبط جبريل وميكائيل فقعد أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه يحرسانه من عدوه ويصرفان عنه الحجارة، وجبريل يقول: بخ بخ لك يا بن أبي طالب من مثلك يباهي الله بك ملائكة سبع سماوات! وخلف عليا لرد الودائع التي كانت عنده وصار إلى الغار فكمن فيه وأتت قريش فراشه فوجدوا عليا فقالوا: أين ابن عمك؟ قال: قلتم له أخرج عنا، فخرج عنكم. فطلبوا الأثر فلم يقعوا عليه، وأعمى الله عليهم المواضع فوقفوا على باب الغار وقد عششت عليه حمامة. فقالوا: ما في هذا الغار أحد، وانصرفوا. وخرج رسول الله متوجها إلى المدينة، ومر بأم معبد الخزاعية فنزل عندها. ثم نفذ لوجهه حتى قدم المدينة، وكان جميع مقامه بمكة حتى خرج منها إلى المدينة ثلاث عشرة سنة من مبعثه. وروى بعضهم أنه قال: ما علمت
قريش أين توجه رسول الله حتى سمعوا هاتفا من بعض جبال مكة يقول: فإن يسلم السعدان يصبح محمد * بمكة لا يخشى خلاف المخالف وقال أبو سفيان: من السعود سعد هذيم وسعد تميم وسعد بكر، فسمعوا قائلا يقول: فيا سعد سعد الأوس كن أنت ناصرا * ويا سعد سعد الخزرجين الغطارف أنيبا إلى داعي الهدى وتمنيا * على الله في الفردوس منية عارف فعلمت قريش أنه قد مضى إلى يثرب. واتبعه سراقة بن جشعم المدلجي لما صار إلى ماء بني مدلج. فلما لحقه قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اللهم اكفنا سراقة. فساخت قوائم فرسه، فصاح: يا بن أبي قحافة، قل لصاحبك أن يدعو الله بإطلاق فرسي، فلعمري لئن لم يصبه مني خير لا يصبه مني شر. فلما رجع إلى مكة خبرهم الخبر فكذبوه، وكان أشدهم له تكذيبا أبو جهل، فقال سراقة: أبا حكم والله لو كنت شاهدا * لأمر جوادي حيث ساخت قوائمه علمت ولم تشكك بأن محمدا * رسول وبرهان فمن ذا يكاتمه (1) ولم تقف قريش عن التخطيط لمحاولات أخرى لقتل رسول الله (صلى الله عليه وآله)،
(هامش)
(1) تاريخ اليعقوبي 2 / 40 طبعة لندن، أسد الغابة، ابن الأثير 4 / 19، تاريخ ابن خلدون 3 / 15. (*)
وواصلت البحث عن أطروحات جديدة لاغتيال نبي البشرية (صلى الله عليه وآله)، لأنها لا تتمكن من مواجهة رسالته الخالدة بأساليبها العقيمة. ومن عادة رجال الجهل والانحراف والظلم على طول التاريخ التوسل بوسائل القهر لتنفيذ أهدافها وتحقيق مآربها. ووسيلة الاغتيال أسهل طريقة ظالمة لوصول المجرمين إلى غاياتهم، وأسرع طريقة للقضاء على صوت الحق والعدالة. فكان مشروع قريش للقضاء على حياة الرسول (صلى الله عليه وآله) مشابه لمشروع اليهود في القضاء على حياة عيسى (عليه السلام)، وهو ذات المشروع الغادر ليهود جزيرة العرب.
محاولة اغتيال النبي (صلى الله عليه وآله) في المدينة
محاولة أبي سفيان اغتيال النبي (صلى الله عليه وآله)
وكان أبو سفيان على رأس الرجال الظلمة الكفرة الساعين لاطفاء نور الإسلام قبل فتح مكة وبعده ولكن وسائله وطرقه لقتل الناس وإشاعة الكفر قد تغيرت بعد إعلانه الإسلام، إذا أصبح متوسلا بالسرية والكتمان بعد أن كان متوسلا بالصراحة والإعلان. ومحاولته قتل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو في مكة، واغتياله وهو في المدينة يؤيد ضلوع أبي سفيان في المحاولات اللاحقة لقتل رسول الله (صلى الله عليه وآله) في العقبة والمدينة، وضلوعه في عملية اغتيال أبي بكر لصالح عثمان.
وفعلا نجح المشروع الأموي في اغتيال أبي بكر وإيصال عثمان بن عفان إلى الخلافة على حساب أبي عبيدة بن الجراح المرشح لها بعد خلافة عمر بن الخطاب (1). ذكر البيهقي: كان أبو سفيان بن حرب قد قال لنفر من قريش بمكة: ما أحد يغتال محمدا، فإنه يمشي في الأسواق فندرك ثأرنا، فأتاه رجل من العرب فدخل عليه منزله، وقال له: إن أنت قويتني (2) خرجت إليه حتى اغتاله، فإني هاد بالطريق خريت، ومعي خنجر مثل خافية النسر. قال: أنت صاحبنا، فأعطاه بعيرا ونفقة، وقال: اطو أمرك، فإني لا آمن أن يسمع هذا أحد فينمه إلى محمد. قال الأعرابي: لا يعلم به أحد. فخرج ليلا على راحلته فسار خمسا وصبح ظهر الحرة، صبح (3) سادسة، ثم أقبل يسأل عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى أتى المصلى، فقال له قائل: قد توجه إلى بني عبد الأشهل، فخرج يقود راحلته حتى انتهى إلى بني عبد الأشهل، فعقل راحلته، ثم أقبل يؤم رسول الله (صلى الله عليه وآله) فوجده في جماعة من أصحابه يحدث في مسجدهم. فدخل، فلما رآه رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لأصحابه: إن هذا الرجل يريد غدرا، والله حائل بينه وبين ما يريد.
(هامش)
(1) راجع كتاب اغتيال الخليفة أبي بكر والسيدة عائشة، للمؤلف. (2) في البداية والنهاية لابن كثير إن وفيتني . (3) في البداية والنهاية يوم سادسه. (*)
فوقف، فقال: أيكم ابن عبد المطلب؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنا ابن عبد المطلب، فذهب ينحني على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، كأنه يساره، فجبذه أسيد بن الحضير، وقال له: تنح عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وجبذ بداخلة إزاره، فإذا الخنجر. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): هذا غادر، وسقط في يدي الأعرابي، وقال: دمي دمي يا محمد، وأخذ أسيد يلبب. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) أصدقني: ما أنت؟ وما أقدمك؟ فإن صدقتني نفعك الصدق، وإن كذبتني فقد أطلعت على ما هممت به. قال الأعرابي: فأنا آمن؟ قال: فأنت آمن. فأخبره بخبر أبي سفيان وما جعل له. فأمر به فحبس عند أسيد، ثم دعا به من الغد فقال: قد أمنتك فاذهب حيث شئت، أو خير لك من ذلك. قال: وما هو؟ قال (صلى الله عليه وآله): أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله. قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، والله يا محمد ما كنت أفرق الرجال، فما هو إلا أن رأيتك فذهب عقلي، وضعفت نفسي، ثم اطلعت على ما هممت به مما سبقت به الركبان، ولم يعلمه أحد، فعرفت أنك ممنوع، وأنك على حق، وأن حزب أبي سفيان حزب الشيطان، فجعل النبي (صلى الله عليه وآله) يتبسم. ثم أقام أياما ثم استأذن النبي (صلى الله عليه وآله) فخرج من عنده فلم يسمع له بذكر. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعمرو بن أمية الضمري ولسلمة بن أسلم بن
حريش: أخرجا حتى تأتيا أبا سفيان بن حرب، فإن أصبتما منه غرة فاقتلاه، قال عمرو: فخرجنا أنا وصاحبي حتى أتينا بطن (يأجج) (1). فقيدنا بعيرنا، فقال لي صاحبي: يا عمرو هل لك في أن نأتي مكة ونطوف بالبيت سبعا، ونصلي ركعتين؟ فقلت: إني أعرف بمكة من الفرس الأبلق، وأنهم إن رأوني عرفوني، وأنا أعرف أهل مكة أنهم إذا أمسوا انفجعوا بأفنيتهم، فأبى أن يطيعني، فأتينا مكة فطفنا سبعا، وصلينا ركعتين، فلما خرجت لقيني معاوية بن أبي سفيان فعرفني وقال: عمرو بن أمية (وا حزناه) (2) فأخبر أباه فنيد بنا أهل مكة. فقالوا: ما جاء عمرو في خير - وكان عمرو رجلا فاتكا في الجاهلية - فحشد أهل مكة وتجمعوا، وهرب عمرو وسلمة. وخرجوا في طلبهما، واشتدوا في الجبل قال عمرو: فدخلت غارا، فتغيبت عنهم، حتى أصبحت، وباتوا يطلبون في الجبل، وعمى الله (سبحانه) عليهم طريق المدينة أن يهتدوا لراحلتنا. فلما كان الغد ضحوة أقبل عثمان بن مالك بن عبيد الله التيمي يختلي لفرسه حشيشا، فقلت لسلمة بن أسلم: إن أبصرنا أشعر بنا أهل مكة، وقد أقصروا عنا، فلم يزل يدنو من باب الغار حتى أشرف علينا وخرجت فطعنته طعنة تحت الثدي، فسقط وصاح، وأسمع أهل مكة فأقبلوا بعد تفرقهم، ودخلت الغار فقلت لصاحبي: لا تحرك وأقبلوا حتى أتوا عثمان بن مالك،
(هامش)
(1) الزيادة من البداية والنهاية. (2) الزيادة من البداية والنهاية. (*)
فقالوا: من قتلك؟ قال: عمرو بن أمية، قال أبو سفيان: قد علمنا أنه لم يأت بعمرو خير، ولم يستطع أن يخبرهم بمكاننا، كان بآخر رمق ومات، وشغلوا عن طلبنا بصاحبهم يحملونه (1).
محاولة صفوان بن أمية اغتيال النبي (صلى الله عليه وآله)
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن أهل البيت: لا يحبهم إلا سعيد الجد طيب المولد، ولا يبغضهم إلا شقي الجد ردئ الولادة (2). وهذا القول الإلهي يصدق فيمن حاول اغتيال رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته. واستمرت مؤامرات قريش ضد خاتم الأنبياء كما كان عليه الحال في مكة وكما كان الحال قبل حرب بدر، واشترك في تلك المؤامرات طغاة قريش جميعا. وقال ابن إسحاق: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير. قال: جلس عمير بن وهب الجمحي مع صفوان بن أمية بعد مصاب أهل بدر من قريش في الحجر بيسير. وكان عمير بن وهب شيطانا من شياطين قريش، وممن كان يؤذي
(هامش)
(1) دلائل النبوة، البيهقي 3 / 333 - 337 طبع دار الكتب العلمية، بيروت، تاريخ الطبري 2 / 217، طبع مؤسسة الأعلمي - بيروت، البداية والنهاية 4 / 79 - 81، طبع مؤسسة التاريخ العربي - بيروت. (2) مقتل الحسين 2 / 16. (*)
رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأصحابه، ويلقون منه عناء وهو بمكة، وكان ابنه وهب بن عمير في أسارى بدر. قال ابن هشام: أسره رفاعة بن رافع أحد بني زريق. فذكر (عمير) أصحاب القليب ومصابهم. فقال صفوان (1): والله لا خير في العيش بعدهم. قال له عمير: صدقت والله، أما والله لولا دين علي ليس له عندي قضاء، وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدي، لركبت إلى محمد حتى أقتله، فإن لي قبلهم علة، ابني أسير في أيديهم. قال: فاغتنمها صفوان وقال: علي دينك، أنا أقضيه عنك، وعيالك مع عيالي أواسيهم ما بقوا، لا يسعني شيء ويعجز عنهم. فقال له عمير: فاكتم (عني) شأني وشأنك، قال: أفعل. قال: ثم أمر عمير بسيفه، فشحذ له وسم، ثم انطلق حتى قدم المدينة. فدنا (من النبي (صلى الله عليه وآله)) ثم قال: أنعموا صباحا، وكانت تحية أهل الجاهلية بينهم. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك يا عمير، بالسلام تحية أهل الجنة. فقال: أما والله يا محمد إن كنت بها لحديث عهد.
(هامش)
(1) كان صفوان بن أمية من أعمدة الكفر في مكة وهو نظير أبي سفيان. (*)
قال (صلى الله عليه وآله): فما جاء بك يا عمير؟ قال: جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم فأحسنوا فيه. قال (صلى الله عليه وآله): فما بال السيف في عنقك؟ قال: قبحها الله من سيوف! وهل اغنت عنا شيئا! قال (صلى الله عليه وآله): أصدقني، ما الذي جئت له؟ قال: ما جئت إلا لذلك. قال (صلى الله عليه وآله): بل قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحجر، فذكرتما أصحاب القليب من قريش، ثم قلت: لولا دين علي وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمدا، فتحمل لك صفوان بدينك وعيالك، على أن تقتلني له، والله حائل بينك وبين ذلك. قال عمير: أشهد أنك رسول الله، قد كنا يا رسول الله نكذبك بما كنت تأتينا به من خبر السماء، وما ينزل عليك من الوحي، وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان، فوالله إني لا أعلم ما أتاك به إلا الله، فالحمد لله الذي هداني للإسلام، وساقني هذا المساق، ثم شهد شهادة الحق. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): فقهوا أخاكم في دينه، وأقرئوه القرآن، وأطلقوا له أسيره، ففعلوا. ثم قال: يا رسول الله، إني كنت جاهدا على إطفاء نور الله، شديد الأذى لمن كان على دين الله عز وجل، وأنا أحب أن تأذن، فأقدم مكة، فأدعوهم إلى الله تعالى، وإلى رسوله (صلى الله عليه وآله)، وإلى الإسلام، لعل الله يهديهم، وإلا آذيتهم في دينهم كما كنت أوذي أصحابك في دينهم.
قال: فأذن له رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلحق بمكة. وكان صفوان بن أمية - حين خرج عمير بن وهب - يقول: أبشروا بوقعة تأتيكم الآن في أيام، تنسيكم وقعة بدر، وكان صفوان يسأل عنه الركبان، حتى قدم راكب فأخبره عن إسلامه، فحلف أن لا يكلمه أبدا، ولا ينفعه بنفع أبدا. قال ابن إسحاق: فلما قدم عمير مكة، أقام بها يدعو إلى الإسلام، ويؤذي من خالفه أذى شديدا، فأسلم على يديه ناس كثير. قال ابن إسحاق: وعمير بن وهب، أو الحارث بن هشام، قد ذكر لي أحدهما، الذي رأى إبليس حين نكص على عقبيه يوم بدر، فقال: أين أي سراق؟ ومثل عدو الله فذهب، فأنزل الله تعالى فيه: { وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال: لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم } (1) فذكر استدراج إبليس إياهم، وتشبهه بسراقة بن مالك (2). وبقي صفوان بن أمية محاربا لله ولرسوله إلى أن أسلم كرها في فتح مكة مثل أبي سفيان ومعاوية وحكيم بن حزام وغيرهم. وقد سعى الأمويون إلى إضفاء الفضائل على قادة الحزب القرشي الكفرة وتفضيلهم على المسلمين المهاجرين فذكروا روايات عديدة في فضائلهم لا أساس لها من الصحة، وقد قال تعالى: { إن الله لا يهدي القوم
(هامش)
(1) الأنفال: 48. (2) سيرة ابن هشام 2 / 316 - 319، مطبعة الحلبي، التبيان في تفسير القرآن، الطوسي 3 / 463، حلية الأبرار، البحراني 1 / 113. (*)
الظالمين } (1). وهؤلاء أقدموا بعد إسلامهم على جر المسلمين إلى الهزيمة في معركة حنين! (2) محاولة أخرى لقتل النبي (صلى الله عليه وآله) جاء في القرآن الكريم: { وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما } (3). قال أبو بكر الأصم في سبب النزول: إن قوما اصطلحوا على كيد في حق الرسول (صلى الله عليه وآله)، ثم دخلوا عليه لأجل ذلك الغرض، فأتاه جبريل (عليه السلام) فأخبره به. فقال (صلى الله عليه وآله): إن قوما دخلوا يريدون أمرا لا ينالونه فليقوموا وليستغفروا الله حتى أستغفر لهم، فلم يقوموا. فقال (صلى الله عليه وآله): ألا تقومون، فلم يفعلوا. فقال (صلى الله عليه وآله): قم يا فلان، قم يا فلان حتى عد اثني عشر رجلا منهم. فقاموا وقالوا: كنا عزمنا على ما قلت، ونحن نتوب إلى الله من ظلمنا
(هامش)
(1) الأنعام: 144. (2) تاريخ اليعقوبي 2 / 62 ط. ليدن. (3) النساء: 64. (*)
أنفسنا فاستغفر لنا. فقال: الآن أخرجوا أنا كنت في بدء الأمر أقرب إلى الاستغفار: وكان الله أقرب إلى الإجابة، أخرجوا عني (1). الواضح من هذا النص أن الذين اشتركوا في محاولة قتل النبي (صلى الله عليه وآله) هنا من أعمدة الحزب القرشي، بحيث أبدل الراوي أو الناشر اسمهم إلى فلان وفلان. بدل اسم أبي بكر وعمر وعثمان. وهذه المجموعة قد كررت محاولاتها لقتل الرسول (صلى الله عليه وآله). محاولة شيبة بن عثمان اغتيال النبي (صلى الله عليه وآله) وفي معركة حنين أراد البعض من الطلقاء اغتيال النبي (صلى الله عليه وآله) فلم يفلحوا منهم شيبة بن عثمان بن أبي طلحة أخو بني عبد الدار، وكان أبوه قد قتله علي (عليه السلام) في معركة أحد (2). فقد كاد كفار قريش الإسلام مرة أخرى رغم إعلانهم الإسلام إذ قال اليعقوبي: وأبدى بعض قريش ما كان في نفسه. فقال أبو سفيان: لا تنتهي والله هزيمتهم دون البحر، وقال كلدة بن حنبل: اليوم بطل السحر، وقال شيبة بن عثمان: اليوم أقتل محمدا.
(هامش)
(1) تفسير الفخر الرازي 4 / 126، طبعة دار إحياء التراث العربي - بيروت. (2) تاريخ الخميس 2 / 103، 104، تهذيب الكمال، المزي 12 / 604، طبقات ابن سعد 5 / 448. (*)
فأراد رسول الله أن يقتله فأخذ الحربة منه فأشعرها فؤاده. فقال رسول الله للعباس: صح يا للأنصار، وصح يا أهل بيعة الرضوان، صح يا أصحاب سورة البقرة، يا أصحاب السمرة. ثم انفض الناس وفتح الله على نبيه وأيده بجنود من الملائكة، ومضى علي بن أبي طالب إلى صاحب راية هوازن فقتله، وكانت الهزيمة (1). والظاهر هنا أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد أخذ الراية من شيبة بن عثمان بالقوة وأن شيبة قد هجم عليه بالفعل، فاضطر النبي (صلى الله عليه وآله) إلى أخذها منه ثم خط بها قلبه. محاولة اليهود قتل الرسول (صلى الله عليه وآله) في الشام قال بحيرى لأبي طالب: أرجع بابن أخيك إلى بلده، واحذر عليه اليهود، فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ليبيغنه شرا، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم فأسرع به إلى بلاده. فخرج به عمه أبو طالب سريعا حتى أقدمه مكة حين فرغ من تجارته بالشام فزعموا فيما روى الناس. أن زريرا وتماما ودريسا، وهم نفر من أهل الكتاب قد كانوا رأوا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) مثلما رآه بحيرى في ذلك السفر الذي كان فيه مع عمه أبي طالب. فأرادوه فردهم عنه بحيرى وذكرهم الله وما يجدون في الكتاب من ذكره وصفته، وأنهم إن أجمعوا لما أرادوا به لم يخلصوا إليه.
(هامش)
(1) تاريخ اليعقوبي 2 / 62، 63، طبعة ليدن. (*)
ولم يزل بهم حتى عرفوا ما قال لهم، وصدقوه بما قال فتركوه وانصرفوا عنه (1). ينبهر الإنسان ويندهش عند سماعه بهذه المحاولات المختلفة والكثيرة لقتل رسول الله (صلى الله عليه وآله). أريد حياته ويريد قتلي * عذيرك من خليلك مراد وقال النبي (صلى الله عليه وآله): ما خلا يهودي بمسلم قط إلا هم بقتله (2). واهتم اليهود بعمليات الاغتيال اهتماما بالغا إلى درجة اتهامهم النبي موسى (عليه السلام) بقتل هارون بالسم (3). وإليك بعض هذه المحاولات:
محاولة يهود بني النضير قتل النبي (صلى الله عليه وآله)

عند وصول النبي محمد (صلى الله عليه وآله) إلى المدينة، حاولت طوائف اليهود المختلفة اغتياله، فخطط يهود بني النضير لإلقاء صخرة عليه أثناء زيارته لهم، فأخبره الله تعالى بذلك قبل الجريمة في السنة الرابعة للهجرة (4)، إذ جاء: خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى بني النضير يستعينهم في الدية، قالوا: نعم يا أبا
(هامش)
(1) سيرة ابن هشام 1 / 194 طبعة الحلبي - مصر. (2) البيان والتبيين، الجاحظ ص 231. (3) السيرة الحلبية 2 / 187، 3 / 122. (4) دلائل النبوة، البيهقي 3 / 354، طبعة دار الكتب العلمية، سنن البخاري، كتاب المغازي، باب حديث بني النضير، فتح الباري 7 / 329، وأخرجه مسلم في كتاب الجهاد والسير، باب إجلاء اليهود من الحجاز ص 1387 - 1388، ح 62. (*)
القاسم نعينك على ما أحببت، ثم خلا بعضهم ببعض فقالوا: إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى جانب جدار من بيوتهم قاعد. فقالوا: من رجل يعلو هذا البيت فيلقي عليه صخرة فيقتله بها فيريحنا منه، فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب فقال: أنا لذلك، فصعد ليلقي عليه صخرة كما قال ورسول الله (صلى الله عليه وآله) في نفر من أصحابه (فيهم): أبو بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم. فأتاه الخبر من السماء بما أراد القوم، فقام وقال لأصحابه: لا تبرحوا، فخرج راجعا إلى المدينة. فلما استبطأ النبي (صلى الله عليه وآله) أصحابه قاموا في طلبه، فلقوا رجلا مقبلا من المدينة فسألوه عنه فقال: رأيته داخلا المدينة. فأقبل أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى انتهوا إليه فأخبرهم الخبر بما أرادت يهود من الغدر، وأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بحربهم والسير إليهم، فسار بالناس حتى نزل بهم فتحصنوا منه في الحصون. وعن ابن عباس: كان النبي (صلى الله عليه وآله) قد حاصرهم حتى بلغ منهم كل مبلغ، فأعطوه ما أراد منهم فصالحهم على أن يحقن لهم دماءهم وأن يخرجهم من أرضيهم وأوطانهم، وأن يسيرهم إلى أذرعات الشام (1). وأنا استبعد أمر الرسول (صلى الله عليه وآله) بذلك وخروجهم إلى أذرعات لأنها كانت
(هامش)
(1) دلائل النبوة، البيهقي 3 / 354 - 359، طبعة دار الكتب العلمية - بيروت، تاريخ الطبري 2 / 223، 224 طبعة الأعلمي - بيروت. (*)
بيد الروم المعارضين لتواجد اليهود في الشام (1). وقد بدأت هجرة اليهود إلى الشام في زمن عمر بعد إسلام كعب الأحبار وطلبه ذلك (2).
محاولة يهود خيبر قتل النبي (صلى الله عليه وآله)

واستمر اليهود في محاولاتهم لقتل الرسول (صلى الله عليه وآله) إذ جاء: وفي السنة السابعة وبعد معركة خيبر أهدت زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم (3) للنبي (صلى الله عليه وآله) شاة مصلية وكانت قد سألت أي عضو من الشاة أحب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقيل لها الذراع فأكثرت فيها السم، وسمت سائر الشاة ثم جاءت بها، فلما وضعتها بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) تناول الذراع فأخذها فلاك منها مضغة فلم يسغها، ومعه بشر بن البراء بن معرور، وقد أخذ منها كما أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأما بشر فأساغها، وأما رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلفظها ثم قال: إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم (4)، ثم دعا بها فاعترفت... فمات بشر بن البراء من أكلته التي أكل في ذلك الزمن. أي أن بشر أكل السم. ولم يأكل رسول الله (صلى الله عليه وآله) من ذلك السم شيئا.
(هامش)
(1) راجع كتاب نظريات الخليفتين 2 / 383 - 400 للمؤلف. (2) راجع كتاب نظريات الخليفتين، المؤلف 2 / 387. (3) وكانت زينب بنت الحارث (أخي مرحب) قد عمدت إلى سم لا يطني، وقد شاورت يهود في سموم، فأجمعوا لها على هذا السم بعينه فسمت الشاة * الطبقات 2 / 201، 202. والمتخصص بالسموم كان لبيد بن الأعصم اليهودي، فهو أعلمهم بالسحر وبالسموم * الطبقات 2 / 197. (4) تاريخ الطبري 2 / 303، طبعة الأعلمي - بيروت. (*)
وقال البيهقي عن أبي هريرة: لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله (صلى الله عليه وآله) شاة فيها سم. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أجمعوا من كان ها هنا من اليهود، فجمعوا له. فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله): إني سائلكم عن شيء أنتم صادقي عنه؟ قالوا: نعم. يا أبا القاسم. فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) من أبوكم؟ قالوا: أبونا فلان، قال: كذبتم بل أبوكم فلان. قالوا: صدقت وبرزت. قال لهم: هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه قالوا: نعم يا أبا القاسم وإن كذبناك عرفت كذبنا كما عرفته في آبائنا. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أهل النار؟ فقالوا نكون فيها يسيرا ثم تخلفوننا فيها. فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) اخسئوا فيها أبدا. ثم قال: هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه؟ قالوا: نعم. قال: أجعلتم في هذه الشاة سما؟ قالوا: نعم. قال: فما حملكم على ذلك؟ قالوا: أردنا إن كنت كاذبا أن نستريح منك، وإن كنت نبيا لم يضرك .
ولفظ حديث شعيب رواه البخاري في الصحيح عن قتيبة وغيره (1).
(هامش)
(1) فتح الباري (7: 497) مختصرا لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله (صلى الله عليه وآله) شاة فيها سم كما أخرجه البخاري مطولا في: 58 - كتاب الجزية (7) باب إذا غدر المشركون بالمسلمين هل يعفى عنهم، فتح الباري (6: 272)، من حديث أبي هريرة (رضي الله عنه). قال البدر العيني: قوله أهديت للنبي (صلى الله عليه وآله) شاة وكان الذي أتى بها امرأة يهودية صرح بذلك في صحيح مسلم وقال النووي في شرح مسلم وهذه المرأة اليهودية الفاعلة للسم، اسمها زينب بنت الحارث أخت مرحب اليهودي قلت كذا رواه الواقدي عن الزهري، وأنه (صلى الله عليه وآله) قال لها ما حملك على هذا؟ قالت: قتلت أبي وعمي وزوجي وأخي، قال محمد: فسألت إبراهيم بن جعفر عن هذا فقال أبوها الحارث وعمها بشار وكان أجبن الناس وهو الذي أنزل من الرف وأخوها زبير وزوجها سلام بن مشكم. قال القاضي عياض: واختلفت الآثار والعلماء هل قتلها النبي (صلى الله عليه وآله) أم لا فوقع في مسلم أنهم قالوا ألا نقتلها؟ قال لا ومثله عن أبي هريرة وجابر وعن جابر من رواية أبي سلمة أنه (صلى الله عليه وآله) قتلها وفي رواية ابن عباس أنه (صلى الله عليه وآله) دفعها إلى أولياء بشر بن البراء بن معرور وكان أكل منها فمات بها فقتلوها وفي لفظ قتلها وصلتها وفي جامع معمر عن الزهري لما أسلمت تركها قال معمر كذا قال الزهري أسلمت والناس يقولون قتلها وأنها لم تسلم وقال السهيلي قيل إنه صفح عنها قال القاضي وجه الجمع بين هذه الروايات والأقاويل أنه لم يقتلها إلا حين اطلع على سحرها وقيل له اقتلها؟ فقال: لا فلما مات بشر بن البراء من ذلك سلمها لأوليائه فقتلوها قصاصا فصح قولهم لم يقتلها أي في الحال ويصح قولهم قتلها أي بعد ذلك والله أعلم وفيه أن الإمام مالكا احتج به على أن القتل بالسم كالقتل بالسلاح الذي يوجب القصاص وقال الكوفيون لا قصاص فيه وفيه الدية العاقلة قالوا ولو دسه في طعام وشراب لم يكن عليه شيء ولا على عاقلته وقال الشافعي: قولان في وجوب القود أصحهما لا. قال الدكتور قلعجي: وفي المجلة العربية السنة الثالثة العدد الثالث كشف رئيس تحرير المجلة العربية الغراء الأستاذ الدكتور منير العجلاني عن مخطوطة أرمنية قديمة تثبت أن تسميم النبي كان بقرار من رؤوساء اليهود. ظفر رئيس تحرير هذه المجلة - خلال مطالعته في دار الكتب الوطنية في باريس - بوثيقة - أرمنية، مخطوطة، قديمة جدا، تتحدث في ظهور النبي محمد (صلى الله عليه وآله) في جزيرة العرب، وما وقع من أحداث في عهده وأكثر ما جاء فيها يشبه الأساطير، ولا يعتد به ولكننا وجدنا في مطلع هذه الوثيقة - التي قام بترجمتها إلى الفرنسية مسيو ماكلر - إشارة إلى حادثة تسميم النبي، وهي من تدبير رؤوساء اليهود في المدينة وبقرار منهم! وليس ذلك بمستغرب منهم، فقد تآمروا على قتل الرسول وقتاله غير مرة. ترجمة مطلع الوثيقة: (يقال إن الأمة اليهودية تحسد أمة النصارى، ولما جاء محمد وعظم أمره اجتمع رؤساء اليهود وقالوا في أنفسهم. لنضمه إلينا، بأن نزوده بأحكام ديننا فينشرها بين الناس وبذلك نتغلب على النصارى وأناجيلهم. ولكن المسلمين الذين انتصروا على أعدائهم وفتحوا الفتوحات العظيمة لم يكترثوا لليهود ولم يقيموا لهم وزنا، بل اضطروا أحيانا إلى قتالهم! فعاد رؤوساء اليهود إلى الاجتماع والتفكير في أسلوب يتخلصون به من محمد... فاختاروا من نسائهم فتاة جميلة، وقالوا لها: يجب عليك أن تدعي محمدا إلى وليمة وتقتليه! ففعلت المرأة ما أمرها الرؤساء به). هذه الوثيقة تلقي أضواء جديدة على حادثة تسميم النبي فقد كان يظن أنها من صنع امرأة حمقاء أو مهووسة، فإذا هي بأمر من الرؤساء. ومن يدري... فقد يكون مقتل عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) صنع متآمرين لا صنع رجل واحد أيضا. (*)
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا [أبو] (1) العباس: محمد بن يعقوب، قال: حدثنا العباس بن محمد، قال: حدثنا سعيد بن سليمان، قال: حدثنا عباد هو ابن العوام، عن سفيان يعني ابن حسين، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة أن امرأة من اليهود أهدت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) شاة مسمومة، فقال لأصحابه: أمسكوا فإنها مسمومة، فقال: ما حملك على ما صنعت؟ قالت: أردت أن أعلم إن كنت نبيا فسيطلعك الله عليه، وإن كنت كاذبا أريح الناس منك، قال: فما عرض لها
(هامش)
(1) سقطت من (أ). (*)


يتبع


hyjdhg hgkfd lpl] w ,hgi lk lwh]v hig hgskm



رد مع اقتباس
قديم 2016/03/01, 07:17 PM   #2
الشيخ عباس محمد

موالي بلاتيني

معلومات إضافية
رقم العضوية : 3773
تاريخ التسجيل: 2015/04/07
المشاركات: 1,723
الشيخ عباس محمد غير متواجد حالياً
المستوى : الشيخ عباس محمد is on a distinguished road




عرض البوم صور الشيخ عباس محمد
افتراضي

رسول الله (صلى الله عليه وآله) (1). وحدثنا الإمام أبو الطيب سهل بن محمد بن سليمان - رحمه الله -، قال: أخبرنا أبو حامد أحمد بن الحسين الهمداني، قال: حدثنا محمد بن رزام المروزي، قال: حدثنا خلف بن عبد العزيز، قال: أخبرني أبي عبد العزيز بن عثمان، عن جدي: عثمان بن أبي جبلة، قال: كما أخبرني عبد الملك بن أبي نضرة، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله، أن يهودية أهدت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) إما شاة مسمومة، وإما برقا مسموطا مسموما، فلما قربته إليه وبسط القوم أيديهم، قال: أمسكوا، فإن عضوا من أعضائها يخبرني أنها مسمومة فدعا صاحبتها، فقال: أسممت هذا؟ قالت: نعم، قال: ما حملك عليه؟ قالت: أحببت إن كنت كاذبا أن أريح الناس منك، وإن كنت رسولا أنك ستطلع عليه، فلم يعاقبها (2). هذه الروايات تثبت أن الرسول (صلى الله عليه وآله) لم يأكل من ذلك الطعام المسموم، وكان الحادث في سنة 7 هجرية، والرسول (صلى الله عليه وآله) قتل في سنة 11 هجرية، إذن لم يمت الرسول (صلى الله عليه وآله) بفعل سم خيبر قطعا. ابن مسعود: لم يأكل النبي طعام خيبر المسموم ولقد جاءت عدة روايات في مسمومية رسول الله (صلى الله عليه وآله) منها: أحب العراق إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذراع، ذراع الشاة، وقد كان سم فيها
(هامش)
(1) نقله ابن كثير في تاريخه 4 / 209. (2) راجع الحاشية (2)، ونقله الصالحي في السيرة الشامية (5: 208). (*)
وكان يرى أن اليهود سموه (1). وجاء قول أبي هريرة: إن امرأة من اليهود أهدت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) شاة مسمومة، فقال لأصحابه: أمسكوا فإنها مسمومة (2). ولا علاقة لموت النبي (صلى الله عليه وآله) في سنة 11 هجرية بسم خيبر في سنة 7 هجرية، إذ الفارق الزمني كان طويلا، هذا أولا، وثانيا إن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يأكل الطعام المسموم. لأن الذراع المسمومة أخبرته بذلك. بينما حاول إعلام السلطة القاء المسؤولية في شهادة الرسول (صلى الله عليه وآله) على أكلة خيبر، إذ رووا عن النبي (صلى الله عليه وآله) حديثا كاذبا هو: ما زالت أكلة خيبر تعاودني كل عام (3). ومن طبيعة مفعول السموم قتلها للضحايا في أيام معدودة ولا تعطي فرصة أكثر من ذلك، وهذا مأخوذ من تجارب السموم في التاريخ، والعلم الحديث يؤيد ذلك. وجاء عن عبد الله بن مسعود قوله: لقد كنا نسمع تسبيح الطعام - يعني بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) - وكلمه ذراع الشاة المسمومة، وأعلمه بما فيه من
(هامش)
(1) أخرجه أبو داود ص 3781، في الأطعمة باب في أكل اللحم، شمائل الترمذي ص 163، باب ما جاء في صفة إدام رسول الله (صلى الله عليه وآله)، المصنف لابن أبي شيبة ص 13 رقم 15382، وطبقات خليفة ص 96، وتاريخه ص 71، 198، 239، 271، ومسند أحمد 3 / 2، والمحبر ص 291، 429. (2) تاريخ ابن كثير 4 / 209. (3) كنز العمال 11 / 32189. (*)
السم (1). إذن كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعلم بالطعام المسموم من قبل الله سبحانه وتعالى مثلما كلمه الذراع المسموم، فلم يأكل منه، ولم يمضغه، وهذا من دلائل النبوة. وإخبار الله سبحانه لنبيه (صلى الله عليه وآله) يستوجب عدم أكله من ذلك الطعام. فنفهم بأن الرواية الصحيحة من قبل عبد الله بن مسعود تقول بأنه (صلى الله عليه وآله) لم يأكل طعام خيبر المسموم، وذكر البخاري رواية صحيحة في عدم أكل النبي (صلى الله عليه وآله) من طعام خيبر (2).
الفتنة والغدر

حذر الرسول (صلى الله عليه وآله) من الفتنة وخطرها وأنذر الناس بذلك. وقد أخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بارتداد المسلمين قائلا: لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة، حتى لو أن أحدهم دخل جحر ضب لدخلتموه! قالوا: فاليهود والنصارى يا رسول الله؟ قال: فمن إذن؟! (3) وحذر الرسول (صلى الله عليه وآله) الناس بهذه الآية: { واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا
(هامش)
(1) البداية والنهاية، ابن كثير 6 / 317، 322. (2) صحيح البخاري 4 / 66 دار الفكر - بيروت. (3) الشافي، المرتضى 3 / 132، أضواء على السنة المحمدية، محمود أبو رية ص 38. (*)
منكم خاصة } (1). وقد ذكرت فاطمة (عليها السلام) هذه الآية الكريمة أمام الناس بعد سلب أبي بكر لفدك إذ قالت: { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا } (2). وقالت: إيها بني قيلة أأهضم تراث أبي وأنتم بمرأى مني ومسمع ومنتدى ومجمع (3). وقرأ الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) آية: { أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم } ثم قال عن نفسه وخاصته من المؤمنين والمؤمنات والله لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله، والله لئن مات، أو قتل لأقاتلن على ما قاتل عليه حتى أموت، والله إني لأخوه ووليه وابن عمه ووارثه، فمن أحق به مني (4). وجاء في حوار بين حذيفة وعمر قال حذيفة: أنا سمعته (صلى الله عليه وآله) يقول: فتنة الرجل في أهله وماله وجاره تكفرها الصلاة والصيام والصدقة. قال (عمر): ليس أسأل عن هذه إنما أسأل عن التي تموج كما يموج
(هامش)
(1) الأنفال: 25. (2) آل عمران: 144. (3) بلاغات النساء، ابن طيفور ص 12، شرح النهج، المعتزلي 16 / 212 - 213، النهاية في غريب الحديث، ابن الأثير 4 / 273، مروج الذهب، المسعودي 2 / 311، الشافي، المرتضى 4 / 69 - 72، الأمالي، المفيد 4 / 8. (4) تفسير ابن كثير 1 / 643. (*)
البحر؟ قال حذيفة: وإن دون ذلك بابا مغلقا. قال (عمر): فيفتح أو يكسر؟ قال (حذيفة): يكسر. قال (عمر): ذلك أجدر أن لا يغلق إلى يوم القيامة (1). وكانت عمليات الغدر في التاريخ كثيرة ومثيرة ولم يكتشف البشر من عمليات الغدر والقتل إلا القليل، إذ حاول القتلة الستر عليها وإخفاءها. وقد وقف الله تعالى موقفا معارضا من الغدر، وقد ذكر رسوله (صلى الله عليه وآله) ذلك. والغدر جزء من الفتنة وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم (2). وقال الرسول (صلى الله عليه وآله): من أمن رجلا على نفسه فقتله أعطي لواء غدر يوم القيامة، وقال (صلى الله عليه وآله): من إئتمنه رجل على دم فقتله، فأنا منه برئ، وإن كان المقتول كافرا (3). وأوصى النبي (صلى الله عليه وآله) جنوده في الحروب: لا تغلوا ولا تغدروا (4). وقال علي (عليه السلام): كل غادر فاجر وكل فاجر كافر (5).
(هامش)
(1) صحيح البخاري 4 / 46. (2) البدء والتاريخ 1 / 108. (3) أنساب الأشراف 5 / 233. (4) العقد الفريد 1 / 128. (5) شرح نهج البلاغة 10 / 211. (*)
وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): كل غدرة فجرة وكل فجرة كفرة (1). وقال علي (عليه السلام): لكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة (2). والغدر ارتداد عن الدين وانقلاب عن الحق إذ قال رجل من اليهود لعلي (عليه السلام): ما أتى عليكم بعد نبيكم إلا نيف وعشرون سنة حتى ضرب بعضكم بعضا بالسيف (أي غدرا وظلما). فقال (عليه السلام): فأنتم ما جفت أقدامكم من البحر حتى قلتم: { يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة } (3). وقال علي (عليه السلام) للأشتر: إياك والدماء وسفكها بغير حلها فإنه ليس شيء أدعى لنقمة ولا أعظم تبعة ولا أحرى بزوال نعمة وانقطاع مدة من سفك الدماء بغير حقها، فلا تقوين سلطانك بسفك دم حرام، فإن ذلك مما يضعفه ويوهنه، بل يزيله وينقله (4).
(هامش)
(1) نهج البلاغة، الخطبة 200. (2) نهج البلاغة، الخطبة 200. (3) الأعراف: 138. (4) نهاية الأرب 6 / 31. (*)
السم

السم: هو كل مادة إذا دخلت إلى الجسم الحيواني بمقادير قليلة قلبت نظامه أو أبطلت وظائفه الحيوية، ويعم هذا الاسم عددا عظيما من المعادن والنباتات والحيوانات، بعضها جامد والبعض الآخر منها سائل أو غازي. وسم الحيات يؤثر في المجموع العصبي فيجمد الدم. ويختلف تأثير السموم بحسب أحوال كثيرة فيزداد بارتفاع درجة الحرارة وقوة الحيوان المسمم. ويتسمم الجسم بالرصاص والزئبق والزرنيخ والأفيون (ومعتادو الأفيون يبتلعون منه جرعات كبيرة لو ابتلعها غير متعود عليه قتلته) والكبريت وسلفات النحاس، والزنجار (1). وإليك أنواع من السم ذكرها العلماء والمختصون في كتبهم وبعض أسماء من السم: سم ناقع: أي قاتل، والنقع موضع قرب مكة في جنبات الطائف (2). وقال الجاحظ: لو عمل بعض السم في العصب، وبعض في
(هامش)
(1) دائرة المعارف، بطرس البستاني 10 / 680. (2) معجم البلدان 5 / 300. (*)
الدم، وبعضه فيهما جميعا، ولو كان بعضه سم نجاز وبعضه سم جهاز (1). السلع: نبات، يقال: هو سم، قال العجاج: فظل يسقيها السمام إلا سلعا. أي السم الأشد (2). والعنقز: السم الذعاف الذي لا يناظر أي يقتل في ساعته (3). الضبح والضباح: لغة نبات من السم في الفارسي سعن (4). الهلهل: السم القاتل والهلال: الحية الذكر (5). وكأنه مأخوذ من الحية الذكر. الذيفان: السم القاتل (6).
(هامش)
(1) رسالة التربيع والتدوير، الجاحظ ص 48. (2) كتاب العين، الفراهيدي 1 / 335. (3) كتاب العين، الفراهيدي 3 / 293. (4) المصدر السابق 3 / 203. (5) كتاب العين 3 / 354. (6) الصحاح 4 / 362. (*)
الذعاف بالضم: السم ومنه طعام مذعوف (1). الضريع: نبت يقال له الشبرق تسميه أهل الحجاز الضريع إذا يبس هو سم (2). سم الذراريح: كما جاء في لسان العرب مادة ذرح. الذرحة: واحدة من الذراريح. ويقال ذريحة الواحدة، ويقال: طعام مذروح، وهو شيء أعظم من الذباب قليلا مجزع مبرقش بحمرة وسواد. لها جناحان تطير بهما، وسمها قاتل (3). ولم يسلم البشر قديما ولا حديثا من الموت بالسم ولم يسلم الأطباء ولا الزعماء منه فقد مات جالينوس الحكيم بالسم (4). تذريب السيف: أي ينقع في السم فإذا أنعم سقيه أخرج فشحذ (5).
(هامش)
(1) مجمع البحرين 2 / 94. (2) سنن البخاري 6 / 83. (3) كتاب العين، الفراهيدي 3 / 200. (4) تاريخ اليعقوبي 1 / 119. (5) العين 8 / 184. (*)
كتب السموم

وكتبوا في السموم كتبا كثيرة منها: منقذ المسموم، للحكيم جالينوس من الكتب الخطية في مكتبة السيد الگلبايگاني في مدينة قم (1). وكتاب السموم لجابر بن حيان، موجود في الخزانة التيمورية بالقاهرة كما في معجم البلدان 1513 سموئيل جانسون. وكتاب معرفة السموم لأبي علي سينا. وكتب محمد بن زكريا الرازي المتوفى سنة 311 هجرية في السموم. ووفق ما قرأنا نجد بأن الكثير من الحكماء والعلماء قد كتبوا عن السموم، ولم يكن ذلك إلا لمواجهة حالة القتل بالسم التي قادتها الحكومات السالفة للقضاء على معارضيها. وكيف لا يكتبون في هذا الموضوع وقد هزت تلك الموجة المجتمعات المختلفة وفي أزمان متعاقبة، وقد شجع الملوك العلماء على الكتابة في هذا الموضوع لأنهم أنفسهم أصبحوا ضحية للاغتيال بالسم. وكيف لا يهتم الملوك والعلماء والحكماء بالسم وقد ذهب رسول البشرية محمد (صلى الله عليه وآله) ضحية القتل بالسم، وكذلك أبو بكر! (2)
(هامش)
(1) كتاب المسموم، جالينوس 3 / 133. (2) راجع كتاب اغتيال الخليفة أبي بكر والسيدة عائشة، المؤلف. (*)
من حوادث الغدر

كثرت حوادث الغدر في التاريخ من قبل الظالمين فتعرض الكثير من الناس لعمليات الغدر تحت ظروف شتى وفي أماكن مختلفة. وكانت بعض تلك العمليات تحت عذر وبعضها لا عذر لها ولا عنوان! وفي زمن النبي داود (صلى الله عليه وآله) استعدى رجل على رجل، فادعى عليه أنه أخذ منه بقرا فأنكر المدعى عليه، فسأل داود (عليه السلام) المدعي البينة فلم يقمها فرأى داود في منامه أن الله عز وجل يأمره أن يقتل المدعى عليه، فتثبت داود (عليه السلام)، وقال: هو المنام، فأتاه الوحي بعد ذلك أن يقتله فأحضره ثم أعلمه أن الله يأمر بقتله، فقال المدعى عليه: إن الله ما أخذني بهذا الذنب، وإني قتلت أبا هذا غيلة، فقتله داود (1). وقد سم عمرو بن جفنة ملك العرب في الشام عثمان بن جفنة وقيل ألبسه قميصا مسموما فمات (2). وفي سنة 31 هجرية قتل ملك الفرس يزدجرد بن شهريار، وكان قد فر والتجأ إلى بيت نقار رحى، فطمع النقار فيما معه، وفي ثيابه، فقتله غيلة وهو نائم (3).
(هامش)
(1) لسان العرب، ابن منظور 3 / 233. (2) تاريخ ابن خلدون 3 / 327. (3) تاريخ ابن الأثير 3 / 119 - 123. (*)
واغتيال الخوارج الإمام علي (عليه السلام) وكان النبي (صلى الله عليه وآله) قد قال له: ستغدر بك الأمة من بعدي. وقتل معاوية أصحاب الإمام علي (عليه السلام) غيلة (1). ومن حوادث الغدر اغتيال أبي بكر وعمر لسعد بن عبادة واغتيال الحزب القرشي لأبي بكر. واغتيال عمر بن الخطاب، واغتيال عثمان بن عفان لعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن مسعود وأبي ذر وأبي بن كعب والمقداد بن الأسود. وغدر زياد بن أبيه بعمير بن قيس الكندي بعد أن أعطاه أمانا (2). وقتل الحجاج في معركة دير الجماجم ضد عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث أحد عشر ألفا غدرا بعد أن خدعهم بالأمان (3). وغدر عبد الملك بعمرو بن سعيد الأشدق (4)، وغدر عمرو بن العاص بمحمد بن حذيفة سنة 36 هجرية إذ أوهمه بأن في نيته مبايعة علي واتعد معه على الاجتماع بالعريش من أرض مصر، فقدم عليه وكان عمرو قد جعل له كمينا فأخذه وثلاثين من أصحابه فقتلهم (5). ولما قتل عمرو بن العاص مع معاوية بن حديج محمد بن أبي بكر
(هامش)
(1) العقد الفريد 3 / 234. (2) تاريخ الطبري 5 / 263، 264. (3) تاريخ الطبري 6 / 322 - 359. (4) الكامل في التاريخ 4 / 297. (5) تاريخ ابن الأثير 3 / 267، تاريخ الطبري 4 / 546. (*)
وأحرقاه بالنار وجئ برأس محمد إلى دار عثمان أعلن الأمويون في المدينة الفرح بذلك، فكان أول رأس حمل في الإسلام، وعندها أمرت أم حبيبة بنت أبي سفيان بكبش مشوي وبعثت به إلى عائشة تقول لها: هذا شوى أخيك، ولما قدم معاوية بن حديج المدينة قامت إليه نائلة (1) امرأة عثمان، وقبلت رجله وقالت له: بك أدركت ثاري من ابن الخثعمية تعني محمد بن أبي بكر (2). فقالت عائشة: قاتل الله ابنة العاهرة (3). وقد قتل معظم رجال الاغتيال إذ قتل سليمان بن عبد الملك أفراد عائلة الحجاج بعد أن عذبهم (4). واغتيل موسى بن نصير (فاتح الأندلس) سنة 97 هجرية (5).
(هامش)
(1) وكان معاوية بن حديج يهوديا ونائلة نصرانية! الكامل 3 / 357. (2) مروج الذهب 1 / 406، والولاة للكندي ص 30، 31، تاريخ ابن الأثير 3 / 357. (3) تذكرة خواص الأمة ص 144 ط. النجف، التمهيد والبيان ص 209. (4) ابن الأثير 4 / 588، والطبري 6 / 506. (5) تاريخ ابن الأثير 5 / 22، وكان الحجاج يطعم المسجونين في سجنه الشعير مخلوطا بالرماد، محاضرات الأدباء 3 / 195. ومن ظلم الغدرة: ودق المنصور الأوتاد في العيون، ودفن الناس وهم أحياء وسمر المعذبين في الحيطان، اليعقوبي 2 / 38. وهدم البيوت على المعارضين، الطبري 8 / 7 - 9، والعيون والحدائق 3 / 227. ونبش المتوكل القبور، مقاتل الطالبيين ص 597، تاريخ الخلفاء ص 347، الطبري 9 / 85، وفوات الوفاة 1 / 203. فقتل الناس وهلكوا في زمن العباسيين بينما ازداد عدد العباسيين ففي سنة 200 هجرية كان عدد العباسيين ثلاثة وثلاثين ألفا!، مروج الذهب 2 / 347، والعيون والحدائق 3 / 351. (*)
غضب الحزب القرشي لمدح النبي (صلى الله عليه وآله) عليا (عليه السلام) في الحديبية

غضبت عصبة قريش في الحديبية لقول النبي (صلى الله عليه وآله) في علي (عليه السلام): هذا أمير البررة، قاتل الفجرة منصور من نصره، مخذول من خذله (1). فعارض الحزب القرشي ذلك وحزنوا وغضبوا، فحاول عمر تحطيم معاهدة الحديبية بطلبه قتل سفير قريش سهيل بن عمرو بن عبد ود العامري. وفر عثمان من بيعة الحديبية (الرضوان) (2)، فلم يبايع النبي (صلى الله عليه وآله)، مما حدا بعبد الرحمن بن عوف إلى فضحه في أيام حكمه (3). وفي الطائف لما أطال الرسول (صلى الله عليه وآله) مناجاة علي (عليه السلام) رأى الكراهية في وجوه رجال، فقالوا: قد أطال مناجاته منذ اليوم (4). فقال (صلى الله عليه وآله): ما أنا بالذي انتجيته بل الله انتجاه.
(هامش)
(1) مختصر تاريخ دمشق، ابن عساكر 17 / 356. (2) السيرة الحلبية 2 / 19، السيرة النبوية، دحلان المرفقة بسيرة الحلبي 2 / 165 - 183، البداية والنهاية، ابن كثير 4 / 200، تفسير ابن كثير 1 / 657. (3) راجع المصدر السابق. (4) مختصر تاريخ دمشق، ابن عساكر 17 / 378، 379. (*)
استخلاف النبي (صلى الله عليه وآله) قبل وفاته

لقد ذكر النبي (صلى الله عليه وآله) في حجة الوداع وفي غدير خم في السنة الحادية عشرة موضوعين مهمين: الأول وفاته القريبة. والثاني خلافة علي بن أبي طالب (عليه السلام) له. ولقد ذكرنا في هذا الكتاب النصوص المؤيدة لقوله (صلى الله عليه وآله) في وفاته الوشيكة، وذكرنا الأدلة الصريحة في ولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) للخلافة مثل قوله (صلى الله عليه وآله): إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله، وعترتي أهل بيتي (1). وقوله (صلى الله عليه وآله): من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله (2). ونزلت قبل ذلك آية: { بلغ ما أنزل إليك من ربك، وإن لم تفعل فما بلغت رسالته } (3). كانت سورة المائدة آخر سورة في القرآن الكريم، إذ نزلت آية البلاغ في غدير خم بعد عودة الرسول (صلى الله عليه وآله) من حجة الوداع وقد أيد ذلك أحمد بن حنبل والترمذي وابن مردويه والبيهقي والحاكم.
(هامش)
(1) صحيح مسلم 4 / 1873 حديث 36 / 2408 طبع دار إحياء التراث العربي - بيروت، 5 / 22 ح 2408، مسند أحمد 5 / 492 ح 18780، كنز العمال 1 / 178 ح 898. (2) سنن الترمذي 2 / 298، سنن ابن ماجة 1 / 26 ح 94 - 116 طبع مكتب التربية لدول الخليج، مستدرك الصحيحين 3 / 109، 533. (3) المائدة: 67، الدر المنثور، السيوطي 2 / 252. (*)
ذكر البيهقي في سننه عن جبير بن نفير قائلا: حججت فدخلت على عائشة فقالت لي: يا جبير تقرأ المائدة؟ فقلت: نعم. فقالت: أما إنها آخر سورة نزلت فما وجدتم فيها من حلال فاستحلوه، وما وجدتم من حرام فحرموه (1). وقال ابن جرير عن الربيع بن أنس: نزلت سورة المائدة على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المسير في حجة الوداع وهو راكب على راحلته فبركت به راحلته من ثقلها (2). ونزلت بعد ذلك آية: { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } (3). وبعد عودته إلى المدينة دعا الصحابة للالتحاق بحملة أسامة بن زيد إلى الشام. وجعل في ذلك الجيش أبا بكر وعمر وابن الجراح وباقي رجال قريش والأنصار، واستثنى من ذلك البعث علي بن أبي طالب (عليه السلام) (4). وهنا طار صواب رجال الحزب القرشي لأن مسيرهم في حملة الشام الطويلة المسافة، يتزامن مع أمور:
(هامش)
(1) الدر المنثور في التفسير بالمأثور، السيوطي 2 / 352. (2) المصدر السابق 2 / 252. (3) المائدة: 3، تاريخ بغداد 8 / 289، مسند أحمد 4 / 281، الصواعق المحرقة ص 43. (4) الطبقات، ابن سعد 2 / 190. (*)
الأول: خبر النبي (صلى الله عليه وآله) بوفاته الوشيكة. الثاني: إعلانه في غدير خم عن خلافة علي (عليه السلام) له. الثالث: محاربة الروم، وكيف يحاربون الروم وقد هربوا في أحد وخيبر وحنين! فاعتقد رجال الحزب القرشي بأن ذهابهم في تلك الحملة يعني تحول الحكم إلى علي (عليه السلام) وهزيمة اطروحتهم المتمثلة في تناوب الخلافة بين قبائل قريش. واحتمال مقتلهم بيد الروم. فامتنعوا من المسير في تلك الحملة، وقتلوا النبي (صلى الله عليه وآله)، واغتصبوا الخلافة!
منزلته مثل هارون من موسى (عليه السلام)

لما خلف النبي (صلى الله عليه وآله) عليا (عليه السلام) على المدينة قال له علي (عليه السلام): أتخلفني في النساء والأطفال؟ فقال النبي (صلى الله عليه وآله): ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى. إلا أنه لا نبي من بعدي (1). وكان البعض يخاف أشد الخوف من وصول الإمام علي (عليه السلام) إلى خلافة النبي (صلى الله عليه وآله)، لأن ذلك يعني سيطرة بني هاشم على الحكم، وحرمان قريش من الخلافة، وعرفت خلافة علي (عليه السلام) الإلهية أكثر عندما تركه الرسول (صلى الله عليه وآله) على
(هامش)
(1) الكامل في التاريخ 2 / 278. (*)
المدينة المنورة خليفة له ليحفظها واصفا إياه بهارون من موسى. والملاحظ لحركة المنافقين يجد أن بعض المسلمين قد تحرك تحركا جديدا يختلف عن الأساليب السابقة متمثلا في إنشاء مسجد يكون قلعة لضرب الإسلام المحمدي. ولأول مرة في تاريخ المسلمين هدم رسول الله (صلى الله عليه وآله) مسجدا لأنه مسجد ضرار. وتحرك آخرون لقتل النبي (صلى الله عليه وآله) قبل انتقال الحكم إلى علي (عليه السلام). والذي يفهم تاريخ السيرة جيدا يجد أن المنافس القوي لبني هاشم على السلطة هم قريش وليس الأنصار. لذلك دعا النبي (صلى الله عليه وآله) في مكة على قريش ولم يدع على الأنصار بل دعا لهم. ودعا الإمام علي (عليه السلام) على قريش ودعا للأنصار. وهناك نتيجة مفادها: إن دهاة قريش قد فعلوا عدة أمور قد خفيت على كثير من العلماء والمحققين إلى يومنا هذا تبين حرصهم على السلطة منها: حرفوا حديث الخلفاء من بعدي اثنا عشر أولهم علي (عليه السلام) إلى صالحهم، فجعلوا الحكم إلى يوم القيامة في قبائل قريش. وأبعدوا الأنصار وغيرهم عن الخلافة بلا سند إلهي وعقلي. وأرادوا قتل النبي (صلى الله عليه وآله) في أثناء عودته من تبوك، يوم كان الإمام علي (عليه السلام)
في المدينة. ولم يكتفوا بذلك بل ألقوا بتبعة الأمر على الأنصار (1). وكانت عصبة قريش قد ألقت بتبعة لدهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) على العباس (2). فهم يتهمون الآخرين بعمليات الاغتيال التي يخططونها وينفذونها هم. وجاء عن نافع بن جبير بن مطعم: لم يخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأسماء المنافقين الذين بخسوا به ليلة العقبة بتبوك وهم اثنا عشر رجلا. وزادوا في الحديث قولهم: ليس فيهم قرشي وكلهم من الأنصار أو من حلفائهم! (3). وفي قضية السقيفة فعل رجال قريش نفس الشيء، فهم قد تركوا مراسم دفن النبي (صلى الله عليه وآله) وبايعوا أبا بكر في السقيفة، ولم يكتفوا بذلك، بل حاولوا القضاء على منافسيهم (الأنصار) قضاء تاما. وتمثل ذلك باتهام الأنصار بمحاولة بيعة سعد بن عبادة في السقيفة واغتصاب الحكم من قريش؟! في حين لم يجتمع الأنصار لمبايعة سعد، ولم يبايعوه، ولم يكن
(هامش)
(1) مختصر تاريخ دمشق 6 / 253. (2) معجم ما استعجم، عبد الله الأندلسي ص 142. (3) مختصر تاريخ دمشق لابن منظور 6 / 253. (*)
عندهم خطة لذلك، وما تلك الأخبار الكاذبة إلا هجمة لتحطيم الأنصار (1)، وإيجاد العذر اللازم لسقيفتهم. وقد جاء: لما رجع رسول الله قافلا من تبوك إلى المدينة، حتى إذا كان ببعض الطريق، مكر به ناس من أصحابه، وتآمروا أن يطرحوه في العقبة (2) وأرادوا أن يسلكوها معه لهذه الغاية، فأخبر رسول الله خبرهم، فقال لأصحابه من شاء منكم أن يأخذ بطن الوادي فإنه أوسع لكم. فأخذ النبي (صلى الله عليه وآله) العقبة، وأخذ الناس بطن الوادي إلا النفر الذين أرادوا المكر به، فقد استعدوا وتلثموا، وأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) حذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر فمشيا معه مشيا، وأمر عمارا أن يأخذ بزمام الناقة، وحذيفة يسوقها، فبينما هم يسيرون، إذ سمعوا وكزة القوم من ورائهم، قد غشوهم. فغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأمر حذيفة أن يراهم، ويتعرف عليهم، فرجع ومعه محجن، فاستقبل وجوه رواحلهم، وضربها بالمحجن، وأبصر القوم وهم متلثمون، فأرعبوا حين أبصروا حذيفة، وظنوا أن مكرهم قد ظهر، فاسرعوا حتى خالطوا الناس. وأقبل حذيفة حتى أدرك رسول الله، فلما أدركه، قال (صلى الله عليه وآله): اضرب الناقة يا حذيفة، وامش أنت يا عمار، فاسرعوا وخرجوا من العقبة، ينتظرون
(هامش)
(1) أنظر كتاب السقيفة، لعبد الفتاح، والسقيفة للمؤلف. (2) العقبة: مرقى صعب من الجبال، والطريق في أعلاها، والجمع عقاب وعقبات وواحدة العقب. أقرب الموارد 2 / 807. (*)
الناس. فقال النبي (صلى الله عليه وآله) يا حذيفة هل عرفت أحدا منهم؟ فقال: عرفت راحلة فلان وفلان، وكانت ظلمة الليل قد غشيتهم وهم متلثمون. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): هل عرفت ما شأنهم وما يريدون؟ قال: لا يا رسول الله. قال (صلى الله عليه وآله): فإنهم فكروا أن يسيروا معي، حتى إذا صرت في العقبة طرحوني فيها! فقال: أفلا ترأف بهم إذا جاءك الناس. قال: أكره أن يتحدث الناس، ويقولوا: إن محمدا قتل أصحابه، ثم سماهم بأسمائهم (1). وفي كتاب أبان بن عثمان بن عفان، قال الأعمش: وكانوا اثني عشر، سبعة من قريش. وقال أبو البختري، قال حذيفة: لو حدثتكم بحديث لكذبني ثلاثة أثلاثكم. فقال: ففطن له شاب، فقال: من يصدقك إذا كذبك ثلاثة أثلاثنا! فقال: إن أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) كانوا يسألون رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الخير، وكنت
(هامش)
(1) السيرة الحلبية 3 / 143 طبعة دار إحياء التراث العربي - بيروت، ودلائل النبوة لأبي بكر أحمد البيهقي * 5 / 260 - 262 طبع دار الكتب العلمية - بيروت، وأخرجه مسلم في ص 50 كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، كتاب أبان بن عثمان. (*)
أسأله عن الشر. قال: فقيل له: ما حملك على ذلك؟ فقال: إنه من اعترف بالشر، وقع في الخير (1). وقال الحسن بن علي (عليه السلام): يوم أوقفوا الرسول (صلى الله عليه وآله) في العقبة ليستنفروا ناقته كانوا اثني عشر رجلا منهم أبو سفيان (2). وذكر ابن عبد البر الأندلسي في كتابه الاستيعاب: كان أبو سفيان كهفا للمنافقين منذ أسلم (3). وجاء أيضا: لدى العودة تآمر 12 منافقا ثمانية منهم من قريش، والباقي من أهل المدينة، لاغتيال الرسول (صلى الله عليه وآله) في أثناء الطريق، وقبل أن يصل إلى المدينة، وذلك بتنفير ناقة النبي (صلى الله عليه وآله) في عقبة بين المدينة والشام، ليطرحوه في واد كان هناك. وعندما وصل الجيش الإسلامي إلى بداية تلك المنطقة (العقبة) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من شاء منكم أن يأخذ بطن الوادي، فإنه أوسع لكم. فأخذ الناس بطن الوادي. ولكن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخذ بطريق العقبة، فيما يسوق حذيفة بن اليمان ناقة النبي (صلى الله عليه وآله)، ويقودها عمار بن ياسر، فبينما هم يسيرون إذ التفت رسول
(هامش)
(1) مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر، ابن منظور 6 / 259. (2) كتاب المفاخرات، الزبير بن بكار، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 2 / 103 ط. دار الفكر 1388 ه‍. (3) الاستيعاب 2 / 690. (*)
الله (صلى الله عليه وآله) إلى خلفه، فرأى في ضوء ليلة مقمرة فرسانا متلثمين، لحقوا به من ورائه، لينفروا به ناقته، وهم يتخافتون، فغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصاح بهم، وأمر حذيفة أن يضرب وجوه رواحلهم. قائلا: اضرب وجوه رواحلهم. فأرعبهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بصياحه بهم إرعابا شديدا، وعرفوا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) علم بمكرهم ومؤامرتهم، فاسرعوا تاركين العقبة حتى خالطوا الناس. يقول حذيفة فعرفتهم برواحلهم وذكرتهم لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وقلت: يا رسول الله ألا تبعث إليهم لتقتلهم؟ فأجابه رسول الله في لحن ملؤه الحنان والعاطفة: إن الله أمرني أن أعرض عنهم، وأكره أن يقول الناس: إنه دعا أناسا من قومه وأصحابه إلى دينه، فاستجابوا له، فقاتل بهم، حتى ظهر على عدوه، ثم أقبل فقتلهم، ولكن دعهم يا حذيفة فإن الله لهم بالمرصاد (1). ولما جمعهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأخبرهم بما قالوه وأجمعوا له فحلفوا بالله ما قالوا. فأنزل الله تعالى: { يحلفون بالله ما قالوا، ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم
(هامش)
(1) المغازي النبوية 3 / 1042 - 1045، مجمع البيان 3 / 46، إمتاع الأسماع 1 / 477. (*)
ينالوا... } (1). وروى مسلم في صحيحه عن الوليد بن جميع عن أبي الطفيل: قال: كان بين رجل من أهل العقبة وبين حذيفة بعض ما يكون بين الناس، فقال: أنشدك بالله، كم كان أصحاب العقبة؟ قال: فقال له القوم أخبره إذ سألك؟ فقال: كنا نخبر أنهم أربعة عشر، فإن كنت منهم فقد كان القوم خمسة عشر (2). لقد أخفى مسلم ذكر اسم ذلك الرجل والظاهر أنه أبو موسى الأشعري، ولو كان من الأنصار لذكر اسمه! ووفق رواية حذيفة بن اليمان كان في هؤلاء الرجال أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة وسعد بن أبي وقاص (3).
روايات في محاولة اغتيال النبي (صلى الله عليه وآله) في العقبة

لقد حدثت غزوة تبوك في السنة التاسعة للهجرة. وقد ذكرها الواقدي
(هامش)
(1) التوبة: 74، تفسير ابن كثير 2 / 604، 605، طبع دار إحياء التراث العربي - بيروت. (2) تفسير ابن كثير 2 / 605. (3) المحلى، ابن حزم الأندلسي 11 / 225 طبع دار الفكر، وابن حزم قد توفي سنة 456 هجرية. (*)
في مغازيه (1) قائلا: إنما كانت أخبار الشام عند المسلمين كل يوم لكثرة من يقدم عليهم من الأنباط، فقدمت قادمة فذكروا أن الروم قد جمعت جموعا كثيرة بالشام، وأن هرقل قد رزق أصحابه لسنة، وأجلبت معه لخم وجذام وغسان وعاملة. وزحفوا وقدموا مقدماتهم إلى البلقاء وعسكروا بها، وتخلف هرقل بحمص. ولم يكن ذلك، إنما ذلك شيء قيل لهم فقالوه. ولم يكن عدو أخوف عند المسلمين منهم، وذلك لما عاينوا منهم (إذ كانوا يقدمون عليهم تجارا) من العدد والعدة والكراع. وكان رسول الله لا يغزو غزوة إلا ورى بغيرها، لئلا تذهب الأخبار بأنه يريد كذا وكذا، حتى كانت غزوة تبوك فغزاها رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حر شديد . وقال الجلاس بن سويد: والله لئن كان محمد صادقا لنحن شر من الحمير! والله لوددت أني أقاضي على أن يضرب كل رجل منا مائة جلدة وأنا ننفلت من أن ينزل فيها القرآن بمقالتكم. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعمار بن ياسر: أدرك القوم فإنهم قد احترقوا، فسلهم عما قالوا، فإن أنكروا فقل: بلى قلتم كذا وكذا. فذهب إليهم عمار فقال لهم. فأتوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعتذرون إليه..
(هامش)
(1) المغازي 2 / 989. (*)
فأنزل الله { ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب } إلى قوله { بأنهم كانوا مجرمين } (1). ولما أحتاج المسلمون إلى الماء في تلك الصحراء بصيفها الحار، دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسقط المطر. فقال أوس بن قيظي المنافق: سحابة مارة (2). وكانت غزوة تبوك بعد انتصار المسلمين على المشركين، وسيطرتهم على جزيرة العرب، فوجد المنافقون أن ملك المسلمين أصبح عظيما، وبلادهم واسعة، فسعوا لقتل النبي (صلى الله عليه وآله) للسيطرة على خلافته. وقد نزلت آيات كثيرة في تبوك في المنافقين وأفعالهم منها: { وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون } (3). و{ والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين } (4). وذكر البيهقي عن عروة، قال: ورجع رسول الله (صلى الله عليه وآله) قافلا من تبوك إلى المدينة، حتى إذا كان ببعض الطريق مكر برسول الله (صلى الله عليه وآله) ناس من أصحابه فتآمروا [عليه] (5) أن يطرحوه في عقبة في الطريق، فلما بلغوا العقبة أرادوا أن يسلكوها معه، فلما غشيهم
(هامش)
(1) سورة التوبة 65، 66. (2) المغازي للواقدي 2 / 1009. (3) التوبة 81، 82. (4) التوبة 107. (5) الزيادة من (أ) فقط. (*)
رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخبر خبرهم (1)، فقال: من شاء منكم أن يأخذ بطن الوادي فإنه أوسع لكم، وأخذ النبي (صلى الله عليه وآله) العقبة، وأخذ الناس بطن الوادي إلا النفر الذين مكروا برسول الله (صلى الله عليه وآله) لما سمعوا بذلك استعدوا وتلثموا، وقد هموا بأمر عظيم، وأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) حذيفة بن اليمان، وعمار بن ياسر، فمشيا معه مشيا، وأمر عمارا أن يأخذ بزمام الناقة، وأمر حذيفة أن يسوقها فبينا هم يسيرون إذ سمعوا بالقوم من ورائهم قد غشوهم فغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأمر حذيفة أن يردهم، وأبصر حذيفة غضب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فرجع ومعه محجن، فاستقبل وجوه رواحلهم، فضربها ضربا بالمحجن، وأبصر القوم وهم متلثمون، لا يشعر إنما ذلك فعل المسافر، فرعبهم الله عز وجل حين أبصروا حذيفة، وظنوا أن مكرهم قد ظهر عليه، فأسرعوا حتى خالطوا الناس، وأقبل حذيفة حتى أدرك رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلما أدركه، قال: اضرب الراحلة يا حذيفة، وامش أنت يا عمار، فأسرعوا حتى استوى بأعلاها فخرجوا من العقبة ينتظرون الناس، فقال النبي (صلى الله عليه وآله) لحذيفة: هل عرفت من هؤلاء الرهط أو الركب، أو أحدا منهم؟ قال حذيفة: عرفت راحلة فلان وفلان، وقال: كانت ظلمة الليل، وغشيتهم وهم متلثمون، فقال (صلى الله عليه وآله): هل علمتم ما كان شأن الركب وما أرادوا؟ قالوا: لا والله يا رسول الله، قال: فإنهم مكروا ليسيروا معي حتى إذا أظلمت في العقبة طرحوني منها، قالوا: أفلا
(هامش)
(1) في (ح): أخبرهم خبره . (*)
تأمر بهم يا رسول الله إذا جاءك الناس فتضرب أعناقهم؟ قال: أكره أن يتحدث الناس ويقولوا إن محمدا قد وضع يده في أصحابه، فسماهم لهما، وقال: اكتماهم (1). إذن كان حذيفة وعمار يعرفان أسماء المنافقين. وقد عودنا الناشرون وبعض الرواة على وضع كلمتي فلان بدل أبي بكر وعمر. وقد ذكر ابن أبي الحديد المعتزلي عمر وعثمان بدل فلان عند ذكر المنهزمين من معركة أحد (2). وأخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو العباس: محمد بن يعقوب، قال: حدثنا أحمد بن عبد الجبار، حدثنا يونس، عن ابن إسحاق، قال: فلما بلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله) الثنية نادى منادي رسول الله (صلى الله عليه وآله): أن خذوا بطن الوادي فهو أوسع عليكم، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أخذ الثنية، فذكر الحديث في مكر المنافقين بنحو مما ذكرنا في رواية عروة إلى قوله لحذيفة: هل عرفت من القوم أحدا؟ فقال: لا ولكني أعرف رواحلهم، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الله قد أخبرني بأسمائهم وأسماء آبائهم، وسأخبرك بهم إن شاء الله عند وجه الصبح، فانطلق إذا أصبحت فأجمعهم، فلما أصبح، قال: ادع عبد الله أظنه
(هامش)
(1) نقله الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (5: 19)، عن المصنف، وقد روى الخبر الإمام أحمد عن أبي الطفيل، وابن سعد عن جبير بن مطعم. دلائل النبوة، البيهقي 5 / 256، 257 طبعة دار الكتب العلمية - بيروت. (2) نظريات الخليفتين، المؤلف 2 / 266، شرح النهج، المعتزلي 3 / 390 طبع دار الكتب العلمية - مصر. (*)
ابن سعد بن أبي سرح (1)، وفي الأصل عبد الله بن أبي، وسعد بن أبي سرح إلا أن ابن إسحاق ذكر قبل هذا أن ابن أبي تخلف في غزوة تبوك ولا أدري كيف هذا (2). وأخبرنا أبو علي: الحسين بن محمد الروذباري، أخبرنا أبو العباس: عبد الله بن عبد الرحمن بن حماد العسكري [ببغداد]، قالا: حدثنا أحمد بن الوليد الفحام، أخبرنا شاذان، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أبي نضرة، عن قيس بن عباد، قال: قلت لعمار: أرأيتم صنيعكم هذا فيما كان من أمر علي، أرأيا رأيتموه أو شيئا عهده إليكم رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ فقال: ما عهد إلينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) شيئا لم يعهده إلى الناس كافة، ولكن حذيفة أخبرني عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: في أصحابي اثنا عشر منافقا، منهم ثمانية لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط (3). رواه مسلم في الصحيح عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن الأسود بن عامر شاذان (4). أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ [قال]: حدثنا أبو الفضل بن إبراهيم، قال: حدثنا أحمد بن سلمة، [قال]: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن
(هامش)
(1) وقال ابن قيم الجوزية في زاد المعاد: عبد الله بن أبي سعد بن أبي سرح، ولم يعرف له إسلام . (2) دلائل النبوة، البيهقي 5 / 257، 258، طبعة دار الكتب العلمية - بيروت. (3) المصدر السابق. (4) أخرجه مسلم في: 50 - كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، الحديث (9)، ص (4: 2143) عن أبي بكر بن أبي شيبة. (*)
جعفر، حدثنا شعبة، قال: سمعت قتادة يحدث عن أبي نضرة عن قيس بن عباد، قال: قلنا لعمار بن ياسر أرأيت قتالكم هذا أرأيا رأيتموه، فإن الرأي يخطئ ويصيب، أم عهدا عهده إليكم رسول الله (صلى الله عليه وآله) - شيئا لم يعهده في الناس كافة - وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن في أمتي ، قال شعبة: وأحسبه قال حدثني حذيفة أنه قال إن في أمتي اثني عشر منافقا لا يدخلون الجنة ولا يجدون ريحها حتى يلج الجمل في سم الخياط، ثمانية منهم تكفيهم الدبيلة شراج من النار تظهر بين أكتافهم حتى تنجم من صدورهم. رواه مسلم في الصحيح عن محمد بن بشار (1). وروينا عن حذيفة أنهم كانوا أربعة عشر، أو خمسة عشر، وأشهد بالله أن اثني عشر منهم حرب لله ورسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، وعذر ثلاثة، قالوا: ما سمعنا المنادي، ولا علمنا ما أراد القوم (2). رواية حذيفة في كتاب المحلى ذكر حذيفة بن اليمان العبسي (صاحب سر النبي (صلى الله عليه وآله) كما وصفه الخليفة عمر) (3) محاولة بعض الصحابة قتل النبي (صلى الله عليه وآله) في غزوة تبوك،
(هامش)
(1) أخرجه مسلم في الموضع السابق، الحديث (10) عن محمد بن بشار، ومحمد بن المثنى. (2) دلائل النبوة، البيهقي 5 / 257، 258 طبعة دار الكتب العلمية - بيروت. (3) أسد الغابة، ابن الأثير، ترجمة حذيفة 1 / 468، طبعة دار إحياء التراث العربي - بيروت. (*)
وذلك بإلقائه من العقبة (1) في الوادي. وقد ذكر ابن حزم الأندلسي المتوفى سنة 456 ه‍ هذه الحادثة في كتابه المحلى قائلا: وأما حديث حذيفة فساقط، لأنه من طريق الوليد بن جميع، وهو هالك، ولا نراه يعلم من وضع الحديث، فإنه قد روى أخبارا فيها أن أبا بكر وعمر وعثمان وطلحة وسعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه) أرادوا قتل النبي (صلى الله عليه وآله)، وإلقائه من العقبة في تبوك، ولو صحت لكانت بلا شك على ما بينا من أنهم صح نفاقهم، وعاذوا بالتوبة، ولم يقطع حذيفة ولا غيره على باطن أمرهم، فتورع عن الصلاة عليهم (2). والوليد بن جميع هو الوليد بن عبد الله بن جميع. جاء في كتاب ميزان الاعتدال للذهبي (3): الوليد بن جميع وثقه ابن معين، والعجلي، وقال أحمد، وأبو زرعة ليس به بأس، وقال أبو حاتم: صالح الحديث. وجاء في كتاب الجرح والتعديل للرازي (4): عن إسحاق بن منصور، عن يحيى بن معين، أنه قال: الوليد بن جميع ثقة.
(هامش)
(1) العقبة: الجبل الطويل يعرض للطريق فيأخذ فيه وهو طويل صعب شديد، لسان العرب لابن منظور 1 / 621. (2) المحلى، ابن حزم الأندلسي 11 / 225. (3) ميزان الاعتدال 4 / 337 رقم 9362 طبع دار المعرفة - بيروت. (4) الجرح والتعديل ج 9 / 8 طبع دار الكتب العلمية - بيروت. (*)


يتبع


رد مع اقتباس
قديم 2016/03/01, 07:18 PM   #3
الشيخ عباس محمد

موالي بلاتيني

معلومات إضافية
رقم العضوية : 3773
تاريخ التسجيل: 2015/04/07
المشاركات: 1,723
الشيخ عباس محمد غير متواجد حالياً
المستوى : الشيخ عباس محمد is on a distinguished road




عرض البوم صور الشيخ عباس محمد
افتراضي

وذكره ابن حجر العسقلاني في الإصابة في جملة رواته (1). وذكره ابن كثير في جملة رواته الثقات (2). وذكره مسلم في صحيحه في جملة رواته (3). ولما كان الحاكم قد اطلع على حديث حذيفة المذكور بواسطة الوليد بن عبد الله بن جميع، فقد قال: لو لم يذكره مسلم في صحيحه لكان أولى (4). وهذا يعني أن الوليد بن جميع ثقة في نظر الحاكم ولكنه منزعج منه لذكره الحديث المذكور. فالحاكم يريد منه أن يذكر بعض الأحاديث ويكتم البعض الآخر! إذن وفق رأي مسلم، والذهبي، وابن معين، والعجلي، وأبي زرعة، وأبي حاتم، والرازي وابن حجر يكون سند الحديث صحيحا، فهؤلاء يوثقون حذيفة بن اليمان، والوليد بن جميع. وقطع ابن حزم الأندلسي بعدم صلاة حذيفة على أبي بكر وعمر وعثمان إذ قال: ولم يقطع حذيفة ولا غيره على باطن أمرهم فتورع عن الصلاة
(هامش)
(1) الإصابة ج 1 / 454. (2) البداية والنهاية 4 / 362، 5 / 310، 6 / 225. (3) صحيح مسلم 3 / 1414 حديث 98 - 1787 طبعة دار إحياء التراث العربي - بيروت. (4) المحلى لابن حزم 11 / 225. (*)
عليهم (1). وكما ذكرنا أن حذيفة صاحب سر النبي (صلى الله عليه وآله)، وكان عمر يسأل عن حذيفة إذا مات ميت، فإن حضر الصلاة عليه صلى عليه عمر، وإن لم يحضر حذيفة الصلاة عليه لم يحضر عمر (2). لتحريم الصلاة على المنافقين { ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره } (3). ويذكر أن الذي مات في زمن عمر وحذيفة هو أبو بكر. وقطع ابن حزم الأندلسي بعدم صلاة حذيفة عليه. ثم ذكر ابن عساكر صاحب تاريخ دمشق أيضا، أن حذيفة لم يصل على فلان (4) أي أبي بكر. وهذه عادة معروفة مع الشيخين أبي بكر وعمر. فقد تقدم عمر نفسه إلى حذيفة بطلب الصلاة عليه، فلما رأى عدم صلاة حذيفة عليه اندهش وتقدمت عيناه، ثم سأل حذيفة: أمن القوم أنا؟ يعني المنافقين؟ (5) وقد صرح النبي (صلى الله عليه وآله) (6) وعلي (عليه السلام) وعمر (7) بمعرفة حذيفة بن اليمان
(هامش)
(1) المحلى، ابن حزم الأندلسي 11 / 255. (2) الاستيعاب، ابن عبد البر 1 / 278 بهامش الإصابة وأسد الغابة، ابن الأثير 1 / 468، السيرة الحلبية 3 / 143، 144. (3) التوبة: 84. (4) مختصر تاريخ دمشق، ابن عساكر 6 / 253، طبعة دار الفكر الأولى - دمشق. (5) مختصر تاريخ دمشق 6 / 253، فلم يخبره حذيفة خوفا من القتل، ولقد أراد عمر أن يفهم هل عرفه حذيفة في ليلة العقبة أم لا؟ (6) مختصر تاريخ دمشق 6 / 253، المستدرك، الحاكم 3 / 381. (7) المصدر السابق. (*)
بأسماء المنافقين، فقد قال علي (عليه السلام): ذاك امرؤ علم المعضلات والمفصلات، وعلم أسماء المنافقين، إن تسألوه عنها تجدوه بها عالما (1). وحذيفة لم يخبر أحدا بأسماء المنافقين، لكنه لم يصل عليهم! والمقصود بهم هنا مجموعة المهاجمين له (صلى الله عليه وآله) في العقبة. قال حذيفة: مر بي عمر بن الخطاب وأنا جالس في المسجد فقال لي: يا حذيفة إن فلانا (2) قد مات فاشهده. قال: ثم مضى، إذ كاد أن يخرج من المسجد، التفت إلي فرآني وأنا جالس فعرف، فرجع إلي فقال: يا حذيفة أنشدك الله أمن القوم أنا؟ قال: قلت: اللهم لا ولن أبرئ أحدا بعدك. قال: فرأيت عيني عمر جاءتا (3). أي عرف عمر عدم رغبة حذيفة بالصلاة على جثمان أبي بكر. وروى ابن عساكر: دخل عبد الرحمن على أم سلمة رضي الله عنها، فقالت: سمعت النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: إن من أصحابي لمن لا يراني بعد أن أموت
(هامش)
(1) مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر، ابن منظور 6 / 252، أسد الغابة، ابن الأثير ترجمة حذيفة 1 / 468 طبعة دار إحياء التراث العربي - بيروت، تاريخ دول الإسلام، شمس الدين الذهبي ص 22. (2) أي أبا بكر. (3) مختصر تاريخ ابن عساكر 6 / 253، طبعة دار الفكر الأولى 1404 ه‍ - 1984 م، وكان عمر إذا مات ميت سأل عن حذيفة، فإن حضر الصلاة عليه صلى عليه عمر، وإن لم يحضر حذيفة الصلاة عليه لم يحضر عمر، الاستيعاب، ابن عبد البر الأندلسي 1 / 278 بهامش الإصابة، أسد الغابة، ابن الأثير 1 / 468، السيرة الحلبية 3 / 143. (*)
أبدا، فخرج عبد الرحمن من عندها مذعورا، حتى دخل على عمر، فقال له: اسمع ما تقول أمك. فقام عمر حتى دخل عليها، فسألها، ثم قال أنشدك الله أمنهم أنا؟ قالت: لا ولن أبرئ بعدك أحدا (1). وكان ابن عوف وعمر من رجال العقبة (2). والظاهر أن عمر كان خائفا جدا من هذا الموضوع بحيث سأل عنه حذيفة وأم سلمة! ولقد وقع حذيفة وأم سلمة في حرج شديد من سؤال عمر الخطير لهما وبان هذا الحرج من قولهما: لن أبرئ بعدك أحدا. وقال نافع بن جبير بن مطعم: لم يخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأسماء المنافقين، الذين بخسوا به ليلة العقبة بتبوك غير حذيفة، وهم اثنا عشر رجلا (3). ولقد أضافوا إلى حديث ابن عساكر شيئا لم يكن موجودا في أصله، وهو: ليس فيهم قرشي، وكلهم من الأنصار أو من حلفائهم؟! ليبعدوا الشبهة عن قريش، ويضعوها على عاتق الأنصار، كما فعلوا ذلك في حوادث عديدة! ومنها السقيفة! إذ اتهموا زورا سعد بن عبادة بمحاولة اغتصاب السلطة، وادعوا قيام العباس بن أبي طالب بسقي النبي (صلى الله عليه وآله) شرابا، في حين قاموا هم باغتصاب السلطة وسقي النبي (صلى الله عليه وآله) الشراب القاتل (4).
(هامش)
(1) مختصر تاريخ دمشق 19 / 334. (2) منتخب التواريخ ص 63. (3) مختصر تاريخ ابن عساكر 6 / 253، المستدرك الحاكم 3 / 381. (4) صحيح البخاري 7 / 17، صحيح مسلم 7 / 24، 198، معجم ما استعجم، عبد الله الأندلسي ص 142. (*)
وقال حذيفة: لو كنت على شاطئ نهر، وقد مددت يدي لأغرف، فحدثتكم بكل ما أعلم، ما وصلت يدي إلى فمي، حتى أقتل (1). أي لو أخبر حذيفة بأسماء المنافقين الأحياء منهم والأموات، لقتلوه بسرعة، لذلك لم يخبر بأسمائهم في زمن حكم أبي بكر وعمر ولكنه كان لا يصلي عليهم وهذه إشارة ذلك، وفي زمن حكم عثمان وعلي (عليه السلام) صرح بأسمائهم فقتلوه، كما توقع هو! وعن حذيفة أنه قال: خذوا عنا فإنا لكم ثقة، ثم خذوا عن الذين يأخذون عنا، فأنهم لكم ثقة، ولا تأخذوا عن الذين يلونهم. قالوا: لم؟ قال: لأنهم يأخذون حلو الحديث ويدعون مره، ولا يصلح حلوه إلا بمره (2). وقال حذيفة: لقد حدثني رسول الله (صلى الله عليه وآله) بما يكون حتى تقوم الساعة، غير أني لم أسأله ما يخرج أهل المدينة منها (3). هل كان أبو موسى الأشعري من المنافقين؟ كانت سيرة أبي موسى الأشعري غير مرضية بالعمل والقول وقد
(هامش)
(1) مختصر تاريخ ابن عساكر 6 / 259. (2) مختصر تاريخ ابن عساكر 6 / 259. (3) مختصر تاريخ ابن عساكر 6 / 249. (*)
اتهمه أعاظم الصحابة بالنفاق. فقد ذكره حذيفة في جملة منافقي ليلة العقبة: إذ جاء في الرواية: أن عمارا سئل عن أبي موسى فقال: سمعت فيه من حذيفة قولا عظيما، سمعته يقول: صاحب البرنس (1) الأسود، ثم كلح كلوحا علمت منه أنه كان ليلة العقبة بين ذلك الرهط. جاء في مسند حذيفة بن اليمان عن أبي الطفيل قال: كان بين حذيفة، وبين رجل من أهل العقبة بعض ما يكون بين الناس فقال (حذيفة): أنشدك الله كم كان أصحاب العقبة؟ فقال أبو موسى الأشعري: قد كنا نخبر أنهم أربعة عشر. فقال حذيفة: فإن كنت فيهم فقد كانوا خمسة عشر، أشهد بالله أن اثني عشر منهم حرب لله ورسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد (2). وفي كل كتب السيرة ذكروا بأن المنافقين المذكورين كانوا حربا لله ورسوله (3). ولكن أحد الناشرين امتعض من ذلك وذكر بأنهم حزب الله ورسوله!! وأخرج ابن عدي في الكامل وابن عساكر في التاريخ على ما في منتخب كنز العمال بالإسناد عن أبي نجاء حكيم قال: كنت جالسا مع عمار فجاء أبو موسى فقال: ما لي ولك؟ ألست أخاك؟
(هامش)
(1) البرنس: قلنسوة طويلة وكان النساك يلبسونها في صدر الإسلام قال الجوهري: هو كل ثوب رأسه منه ملتزق به من دراعة أو جبة * المختار 37 ب. (2) كنز العمال، المتقي الهندي المتوفى سنة 975 هجرية 14 / 86 طبع مؤسسة الرسالة - بيروت. (3) تفسير ابن كثير 2 / 605 طبعة دار إحياء التراث العربي - بيروت. (*)
قال (عمار): فما أدري ولكن سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يلعنك ليلة الجبل (العقبة). قال: إنه استغفر لي. قال عمار: قد شهدت اللعن ولم أشهد الاستغفار (1). وذكر حذيفة بن اليمان أبا موسى الأشعري في جملة المنافقين في رواية أخرى، إذ كتب العالم الأندلسي ابن عبد البر في الاستيعاب قائلا: فقد روي فيه لحذيفة كلام، كرهت ذكره، والله يغفر له (2). وفي رواية أخرى: روى جرير بن عبد الحميد الضبي عن الأعمش عن شقيق أبي وائل قال: قال حذيفة بن اليمان: والله ما في أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحد أعرف بالمنافقين مني، وأنا أشهد أن أبا موسى الأشعري منافق (3). وقد سمع عبد الله بن عمر ذلك لكنه قال لأبي بردة بن أبي موسى الأشعري: إن أباك كان خيرا من أبي (4). وقال حذيفة والأشتر عن أبي موسى الأشعري: إنه من المنافقين (5).
(هامش)
(1) منتخب كنز العمال 5 / 234. (2) الاستيعاب بهامش الإصابة، ابن عبد البر الأندلسي ص 372 طبعة دار إحياء التراث العربي - بيروت. (3) الإيضاح، الفضل بن شاذان ص 30 مؤسسة الأعلمي - بيروت. (4) رواه في المشكاة ص 458، وقال: رواه البخاري وأخرجه ابن الأثير في الجامع 9 / 363 عن البخاري، صحيح البخاري باب مناقب الأنصار ص 45. (5) الاستيعاب بهامش الإصابة، ابن عبد البر ص 372، تاريخ الطبري 3 / 501، العقد الفريد، ابن عبد ربة الأندلسي 4 / 325. (*)
أي من المهاجمين للنبي (صلى الله عليه وآله) ليلة العقبة! وعن شقيق كنا مع حذيفة جلوسا فدخل عبد الله (بن عباس) وأبو موسى المسجد فقال: أحدهما منافق ثم قال: إن أشبه الناس هديا وذلا وسمتا برسول الله (صلى الله عليه وآله) عبد الله (بن عباس) (1). وقال عقيل بن أبي طالب عالم الأنساب عنه: ابن المراقة (أي ابن زنا) (2). وقد مات الأشعري في سنة اثنتين وأربعين (3). فيكون من جملة المهاجمين للرسول (صلى الله عليه وآله) في العقبة أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة وسعد بن أبي وقاص وأبو سفيان وأبو موسى الأشعري. وأضاف إليهم صاحب كتاب منتخب التواريخ ابن عوف وابن الجراح ومعاوية وابن العاص والمغيرة وأوس بن حدثان وأبا هريرة وأبا طلحة الأنصاري (4). وكان أبو موسى الأشعري من جناح عمر في الحزب القرشي لذلك أوصى به عمر كثيرا إذ جاء عن مجاهد عن الشعبي: كتب عمر في وصيته: لا يقر لي عامل أكثر من سنة، وأقر الأشعري على البصرة
(هامش)
(1) أعلام النبلاء، الذهبي 2 / 394، تاريخ الفسوي 2 / 771 واقتبسه ابن عساكر ص 538. (2) شرح نهج البلاغة، المعتزلي 2 / 125. (3) الطبقات 6 / 16، أعلام النبلاء 2 / 38. (4) منتخب التواريخ، محمد هاشم خراساني ص 63. (*)
أربع سنين (1). ومقابل ذلك استمر أبو موسى الأشعري في دعم عمر وأولاده، ومعاديا لأهل البيت (عليهم السلام) ففي معركة الجمل ثبط الناس عن الحرب مع علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وفي قضية التحكيم في معركة صفين خلع علي بن أبي طالب (عليه السلام) من الخلافة ودعا لخلافة عبد الله بن عمر! وقد جاء في الحديث الصحيح: يا علي لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق (2). ولأنه من جناح عمر بن الخطاب لم يوله أبو بكر منصبا من المناصب، ولأجل ذلك عزلة عثمان بن عفان من ولاية البصرة وولاها عبد الله بن عامر بن كريز الأموي (3).
محاولة قتل النبي في عقبة الهريش

ذكر في كتاب الديلمي بأن الرسول (صلى الله عليه وآله) أخبر عائشة بانقضاء عمره وقرب تنصيبه عليا (عليه السلام) خليفة للمسلمين. ووقعت هذه الحادثة قبل حادثة الغدير وجاء: فلم تلبث أن أخبرت حفصة، وأخبرت كل واحدة منها أباها، فاجتمعا
(هامش)
(1) الإصابة، ابن حجر 2 / 360 طبعة دار إحياء التراث - بيروت، الطبقات، ابن سعد 5 / 45. (2) صحيح مسلم، كتاب الإيمان 1 / 120. (3) الاستيعاب بهامش الإصابة، ابن عبد البر 1 / 278 طبعة دار إحياء التراث العربي - بيروت. (*)
فأرسلا إلى جماعة الطلقاء والمنافقين فخبراهم بالأمر فأقبل بعضهم على بعض وقالوا: إن محمدا يريد أن يجعل هذا الأمر في أهل بيته كسنة كسرى وقيصر إلى آخر الدهر، لا والله ما لكم في الحياة من حظ إن أفضي هذا الأمر إلى علي بن أبي طالب، وأن محمدا عاملكم على ظاهركم، وأن عليا يعاملكم على ما يجد في نفسه منكم، فأحسنوا النظر لأنفسكم في ذلك وقدموا آراءكم فيه. ودار الكلام فيما بينهم وأعادوا الخطاب وأجالوا الرأي فاتفقوا على أن ينفروا بالنبي (صلى الله عليه وآله) ناقته على عقبة الهريش، وقد كانوا صنعوا مثل ذلك في غزاة تبوك، فصرف الله الشر عن نبيه (صلى الله عليه وآله) فاجتمعوا في أمر رسول الله من القتل والاغتيال واستقاء السم على غير وجه، وقد كان اجتمع أعداء رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الطلقاء من قريش والمنافقين من الأنصار، ومن كان في قلبه الارتداد من العرب في المدينة وما حولها، فتعاقدوا وتحالفوا على أن ينفروا به ناقته، وكانوا أربعة عشر رجلا، وكان من عزم رسول الله أن يقيم عليا (عليه السلام) وينصبه للناس بالمدينة إذا أقدم، فسار رسول الله يومين وليلتين، فلما كان في اليوم الثالث أتاه جبرائيل (عليه السلام) بآخر سورة الحجر فقال: إقرأ ولنسألهم أجمعين عما كانوا يعملون، فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزئين. قال: ورحل رسول الله وأغدق السير مسرعا على دخول المدينة لينصب عليا (عليه السلام) علما للناس، فلما كانت الليلة الرابعة هبط جبرائيل (عليه السلام) في آخر الليل فقرأ عليه:
{ يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين } (1)، فقال (صلى الله عليه وآله): أما تراني يا جبرائيل أغدق السير مجدا فيه لأدخل المدينة فأعرض ولاية علي على الشاهد والغائب. فقال له جبرائيل (عليه السلام): الله يأمرك أن تفرض ولاية علي غدا إذا نزلت منزلك. فقال رسول الله: نعم يا جبرائيل غدا أفعل ذلك إن شاء الله، وأمر رسول الله بالرحيل من وقته، وسار الناس معه حتى نزل بغدير خم، وصلى بالناس وأمرهم أن يجتمعوا إليه، ودعا عليا (عليه السلام) ورفع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يد علي اليسرى بيده اليمنى ورفع صوته بالولاء لعلي على الناس أجمعين، وفرض طاعته عليهم، وأمرهم أن لا يختلفوا عليه بعده، وخبرهم أن ذلك عن الله عز وجل، وقال لهم: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم. قالوا: بلى يا رسول الله. قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله، ثم أمر الناس أن يبايعوه فبايعه الناس جميعا ولم يتكلم منهم أحد. وقد كان أبو بكر وعمر تقدما إلى الجحفة فبعث وردهما، ثم قال لهما النبي (صلى الله عليه وآله) متهجما: يا بن أبي قحافة ويا عمر بايعا عليا
(هامش)
(1) المائدة: 67. (*)
بالولاية من بعدي فقالا: أمر من الله ورسوله. فقال: وهل يكون مثل هذا من غير أمر الله ومن رسوله، نعم أمر من الله ومن رسوله فبايعا ثم انصرفا، وسايرا رسول الله (صلى الله عليه وآله) باقي يومه وليلته، حتى إذا دنوا من العقبة تقدمه القوم فتواروا في ثنية العقبة، وقد حملوا معهم دبابا (1) وطرحوا فيها الحصى. قال حذيفة: ودعاني رسول الله ودعا عمار بن ياسر وأمره أن يسوقها وأنا أقودها، حتى إذا صرنا في رأس العقبة ثار القوم من ورائنا، ودحرجوا الدباب بين قوائم الناقة فذعرت وكادت أن تنفر برسول الله، فصاح بها النبي: أن اسكني وليس عليك بأس، فأنطقها الله تعالى بقول عربي فصيح، فقالت: والله يا رسول الله ما أزلت يدا عن مستقر يد ولا رجل عن موضع رجل وأنت على ظهري، فتقدم القوم إلى الناقة ليدفعوها، فأقبلت أنا وعمار نضرب وجوههم بأسيافنا، وكانت ليلة مظلمة فزالوا عنا وأيسوا مما ظنوا ودبروا، فقلت: يا رسول الله من هؤلاء القوم وما يريدون، فقال: يا حذيفة هؤلاء المنافقون في الدنيا والآخرة، فقلت: ألا تبعث إليهم يا رسول الله رهطا فيأتوا برؤوسهم. فقال (صلى الله عليه وآله): إن الله أمرني أن أعرض عنهم وأكره أن يقول الناس إنه دعا أناسا من قومه وأصحابه إلى دينه فاستجابوا له فقاتل بهم حتى ظهر على عدوه، ثم أقبل عليهم فقتلهم، ولكن دعهم يا حذيفة فإن الله لهم بالمرصاد
(هامش)
(1) الدبة: التي يجعل فيها الزيت والبزر والدهن والجمع دباب، لسان العرب مادة دبب. (*)
وسيمهلهم قليلا ثم يضطرهم إلى عذاب غليظ، فقلت ومن هؤلاء المنافقون يا رسول الله أمن المهاجرين أمن من الأنصار؟ فسماهم لي رجلا رجلا حتى فرغ منهم وقد كان فيهم أناس أكره أن يكونوا منهم فأمسكت عن ذلك. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا حذيفة كأنك شاك في بعض من سميت لك ارفع رأسك إليهم، فرفعت طرفي إلى القوم وهم وقوف على الثنية، فبرقت برقة فأضاءت جميع ما حولنا وثبتت البرقة حتى خلتها شمسا طالعة، فنظرت والله إلى القوم فعرفتهم رجلا رجلا وإذا هم كما قال رسول الله، وعدد القوم أربعة عشر رجلا، تسعة من قريش، وخمسة من سائر الناس، فقال له سمهم لنا يرحمك الله فقال حذيفة: هم والله أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وأبو عبيدة بن الجراح ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص، هؤلاء من قريش وأما الخمسة فأبو موسى الأشعري والمغيرة بن شعبة الثقفي وأوس بن الحدثان البصري وأبو هريرة وأبو طلحة الأنصاري. قال حذيفة ثم انحدرنا من العقبة وقد طلع الفجر، فنزل رسول الله (صلى الله عليه وآله) فتوضأ وانتظر أصحابه حتى انحدروا من العقبة واجتمعوا فرأيت القوم بأجمعهم، وقد دخلوا مع الناس، وصلوا خلف رسول الله، فلما انصرف من صلاته (صلى الله عليه وآله) التفت فنظر إلى أبي بكر وعمر وأبي عبيدة يتناجون فأمر مناديا فنادى في الناس: لا يجتمع ثلاثة نفر من الناس يتناجون فيما بينهم بسر. وارتحل رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالناس من منزل العقبة فلما نزل المنزل الآخر
رأى سالم مولى أبي حذيفة أبا بكر وعمر وأبا عبيدة يسار بعضهم بعضا فوقف عليهم وقال: أليس قد أمر رسول الله أن لا يجتمع ثلاثة نفر من الناس على سر، والله لتخبروني عما أنتم وإلا أتيت رسول الله حتى أخبره بذلك منكم، فقال أبو بكر يا سالم عليك عهد الله وميثاقه ولئن نحن خبرناك بالذي نحن فيه وإنما اجتمعنا له فأن أحببت أن تدخل معنا فيه دخلت وكنت رجلا منا وإن كرهت ذلك كتمته علينا، فقال سالم: ذلك لكم مني وأعطاهم بذلك عهده وميثاقه وكان سالم شديد البغض والعداوة لعلي بن أبي طالب (عليه السلام)، وعرفوا ذلك منه فقالوا له: إنا قد اجتمعنا على أن نتحالف ونتعاقد على أن لا نطيع محمدا فيما فرض علينا من ولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) بعده. فقال لهم سالم: عليكم عهد الله وميثاقه، إن في هذا الأمر كنتم تخوضون وتتناجون. قالوا: أجل علينا عهد الله وميثاقه إنما كان في هذا الأمر بعينه لا في شيء سواه. قال سالم: وأنا والله أول من يعاقدكم على هذا الأمر ولا يخالفكم عليه، إنه والله ما طلعت الشمس على أهل بيت أبغض إلي من بني هاشم، ولا في بني هاشم أبغض إلي ولا أمقت من علي بن أبي طالب (عليه السلام) فاصنعوا في هذا الأمر ما بدا لكم، فإني واحد منكم، فتعاقدوا من وقتهم على هذا الأمر ثم تفرقوا (1).
(هامش)
(1) إرشاد القلوب، الديلمي ص 330 - 333، منشورات الشريف الرضي. (*)
هل أخبر النبي (صلى الله عليه وآله) بوفاته الوشيكة

لقد أخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بموته الوشيك في سنة 11 هجرية، وإليك أدلة ذلك: 1 - نعى رسول الله (صلى الله عليه وآله) نفسه قبل موته بشهر (1). 2 - دخل أبو سفيان على النبي (صلى الله عليه وآله) يوما فقال: يا رسول الله أريد أن أسألك عن شيء. فقال (صلى الله عليه وآله): إن شئت أخبرتك قبل أن تسألني. قال: افعل، قال (صلى الله عليه وآله): أردت أن تسأل عن مبلغ عمري. فقال: نعم يا رسول الله. فقال (صلى الله عليه وآله): إني أعيش ثلاثا وستين سنة. فقال: أشهد أنك صادق. فقال (صلى الله عليه وآله): بلسانك دون قلبك (2). 3 - وصعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) المنبر مودعا أهل الدين والدنيا مناديا: ألا من كانت له مظلمة قبل محمد (صلى الله عليه وآله) إلا قام فليقتص منه (3). 4 - وقال الرسول (صلى الله عليه وآله) قبل موته بليلة لأبي مويهبة: إني قد أوتيت
(هامش)
(1) لسان الميزان، ابن حجر العسقلاني 1 / 456. (2) قصص الأنبياء، البحار 22 / 504. (3) تاريخ الطبري، حوادث سنة 11 هجرية 2 / 433، 434. (*)
مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة، فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة... لا والله يا أبا مويهبة لقد اخترت لقاء ربي (1). 5 - وقال (صلى الله عليه وآله) في حجة الوداع أمام مسلمي ذلك الزمان: إن جبريل كان يعارضني بالقرآن في كل سنة مرة، وإنه عارضني هذا العام مرتين، وما أراه إلا قد حضر أجلي (2). 6 - وقال الرسول (صلى الله عليه وآله) أمام ملأ المسلمين في غدير خم: أيها الناس يوشك أن أدعى فأجيب، وأني مسؤول وأنكم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟ (3) 7 - وقد رأى العباس ذات ليلة في منامه أن القمر قد رفع من الأرض إلى السماء. فقال النبي (صلى الله عليه وآله) له: هو ابن أخيك. وقال العباس: عرفنا أن بقاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) فينا قليل (4). 8 - وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أتزعمون أني من آخركم وفاة، ألا وإني من أولكم وفاة (5). إذا المسلمون وخاصة في المدينة المنورة عالمون بوفاة النبي (صلى الله عليه وآله)
(هامش)
(1) دلائل النبوة، البيهقي 7 / 162، البداية والنهاية، ابن كثير 5 / 224. (2) صحيح البخاري باب كان جبريل يعرض القرآن على النبي (صلى الله عليه وآله)، الطبقات 2 / 194. (3) سنن الترمذي 2 / 298، سنن ابن ماجة ص 12، الطبقات 2 / 194. (4) الطبقات 2 / 193. (5) الطبقات، ابن سعد 2 / 193. (*)
القريبة، وهذه النقطة يجب أن لا ينساها من يقرأ أو يفكر في أحداث السقيفة وما قبلها وما بعدها. 9 - وأخبر (صلى الله عليه وآله) عائشة بوفاته القريبة قائلا: ولا تؤذوني بباكية ولا برنة ولا بصيحة (1). 10 - وذكر عبد الله بن مسعود قائلا: نعى إلينا نبينا وحبيبنا نفسه قبل موته بشهر، فلما دنا الفراق جمعنا في بيت أمنا عائشة، فنظر إلينا وشدد فدمعت عينه وقال: مرحبا بكم رحمكم الله آواكم الله حفظكم الله، رفعكم الله، نفعكم الله، وفقكم الله، نصركم الله، سلمكم الله، قبلكم الله، أوصيكم بتقوى الله، وأوصي الله بكم، واستخلفه عليكم، وأؤديكم إليه إني لكم نذير وبشير، لا تعلوا على الله في عباده وبلاده، فإنه قال لي ولكم: { تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين } (2). وقال { أليس في جهنم مثوى للمتكبرين } (3). فقلنا متى أجلك؟ قال (صلى الله عليه وآله): قد دنا الفراق والمنقلب إلى الله وإلى سدرة المنتهى. قلنا: فمن يغسلك يا نبي الله؟
(هامش)
(1) مختصر تاريخ ابن عساكر 2 / 371. (2) القصص: 28. (3) الزمر: 60. (*)
قال (صلى الله عليه وآله): أهلي الأدنى فالأدنى. قلنا: ففيم نكفنك يا نبي الله؟ قال (صلى الله عليه وآله): في ثيابي هذه إن شئتم، أو في بياض مصر أو حلة يمانية. قلنا: فمن يصلي عليك يا نبي الله؟ قال (صلى الله عليه وآله): مهلا غفر الله لكم وجزاكم عن نبيكم خيرا. فبكينا وبكى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال: إذا غسلتموني وكفنتموني فضعوني على سريري في بيتي هذا على شفير قبري ثم اخرجوا عني ساعة، فإن أول من يصلي علي جليسي وخليلي جبريل ثم ميكائيل ثم إسرافيل ثم ملك الموت مع جنود كثيرة من الملائكة بأجمعها، ثم ادخلوا علي فوجا فوجا فصلوا علي وسلموا تسليما، ولا تؤذوني بباكية ولا برنة ولا صيحة، وليبدأ بالصلاة علي رجال أهل بيتي ثم نساؤهم ثم أنتم... (1). 11 - وأخبر (صلى الله عليه وآله) فاطمة (عليها السلام) بوفاته في وجعه (2). وجاء في القرآن الكريم آيات تؤيد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) منها: { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم.. } (3). { كل نفس ذائقة الموت } (4).
(هامش)
(1) تاريخ الطبري 2 / 435، القصص: 83، الزمر: 60، الكامل في التاريخ 2 / 320. (2) صحيح البخاري، باب منقبة فاطمة (عليها السلام) 5 / 65، صحيح مسلم، فضائل فاطمة، الطبقات 2 / 193. (3) آل عمران: 144. (4) آل عمران: 144، 185. (*)
{ إنك ميت وإنهم ميتون } (1). فهل يمكن بعد كل هذه الأدلة القرآنية والحديثية أن ينفي عمر بن الخطاب وعثمان الموت عن النبي محمد (صلى الله عليه وآله)؟!
انتداب عصبة قريش لحملة أسامة

بعد عودة الرسول (صلى الله عليه وآله) من حجة الوداع وصل إلى غدير خم وهناك أوصى لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) بالخلافة، وعينه إماما للأمة فبايعوه وفي المدينة دعا الناس للتوجه لحرب الروم، وفي ذلك الجيش معظم الصحابة. وذكرت أمهات الكتب الحديثية والتاريخية وجود أبي بكر وعمر وعثمان وابن الجراح فيمن انتدب إلى حملة الشام، فقد ذكر ابن سعد: فلما أصبح يوم الخميس عقد لأسامة لواءا بيده ثم قال: اغز بسم الله وفي سبيل الله، فقاتل من كفر بالله، فخرج وعسكر بالجرف، فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين والأنصار إلا انتدب في تلك الغزوة، فيهم أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وغيره (2).
(هامش)
(1) الزمر: 30. (2) البداية والنهاية 8 / 73، الطبقات الكبرى، ابن سعد 2 / 249، عيون الأثر، ابن سيد الناس 2 / 281، السيرة النبوية بهامش السيرة الحلبية، أحمد زيني دحلان 2 / 339، شرح نهج البلاغة، المعتزلي 6 / 52، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد بن حنبل 4 / 180، الكامل في التاريخ 4 / 66. (*)
وبعد موت رسول الله طلب أبو بكر من أسامة الإذن لعمر بن الخطاب بالبقاء في المدينة والرخصة في عدم الذهاب في حملته إلى الشام (1). ولم يذهب أيضا باقي زعماء الحزب القرشي. إذن ثبت بالدليل القاطع والنص المتواتر وجود أبي بكر وعمر وعثمان وأبي عبيدة بن الجراح في جيش أسامة.
معارضة عصبة قريش لحملة أسامة

بعد أن أثبتنا انتداب عصبة قريش في حملة أسامة بن زيد، وفيهم أبو بكر وعمر وعثمان وأبو عبيدة بن الجراح، نبين هنا عصيان هؤلاء لهذه الحملة، ومعارضتهم لها، وامتناعهم عن الانضواء تحت لوائها في زمن حياة النبي (صلى الله عليه وآله) وفي زمن خلافة أبي بكر. وإثبات هذا الأمر يبين أن عصبة قريش كانت تتمنى موت رسول الله (صلى الله عليه وآله) سريعا لرفضها الذهاب في حملة أسامة إلى الشام، فهي تخاف الذهاب إلى حرب الروم في الشام وتخشى انتقال الخلافة إلى علي (عليه السلام).
(هامش)
(1) عيون الأثر، ابن سيد الناس 2 / 282، تاريخ اليعقوبي 2 / 127، تاريخ الطبري 2 / 462، الكامل في التاريخ، ابن الأثير 2 / 335، مختصر تاريخ ابن عساكر 4 / 251، 152، الخلفاء ص 11، الطبقات 2 / 191. (*)
وذكريات معركة مؤتة ما زالت عالقة في أذهانهم حيث استشهد فيها جعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة. وقد استدعى الرسول (صلى الله عليه وآله) أبا بكر وعمر وجماعة ممن حضر المسجد من المسلمين (يوم الاثنين) ثم قال (صلى الله عليه وآله): ألم آمر أن تنفذوا جيش أسامة؟ فقالوا: بلى يا رسول الله. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): فلم تأخرتم عن أمري؟ قال أبو بكر: إني خرجت ثم رجعت لأجدد بك عهدا. وقال عمر: يا رسول الله إني لم أخرج لأنني لم أحب أن أسأل عنك الركب. فقال النبي (صلى الله عليه وآله): انفذوا جيش أسامة يكررها ثلاثا (1). واستمر عمر في معارضة حملة أسامة في زمن خلافة أبي بكر إذ قال لأبي بكر: إن الأنصار أمروني أن أبلغك، وأنهم يطلبون إليك أن تولي رجلا أقدم سنا من أسامة. فوثب أبو بكر وكان جالسا فأخذ بلحية عمر فقال له: ثكلتك أمك يا بن الخطاب، استعمله رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتأمرني أن أنزعه (2). واستمر عمر في مخالفته للحملة بالرغم مما قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله) ممتنعا
(هامش)
(1) كتاب الإرشاد ص 96. (2) تاريخ الطبري 2 / 462، تاريخ أبي الفداء 1 / 220. (*)
عن الذهاب في حملة أسامة فأخذ أبو بكر له إذنا من أسامة بالبقاء في المدينة إذ جاء: أمر أبو بكر أسامة بن زيد أن ينفذ في جيشه وسأله أن يترك له عمر يستعين به على أمره، فقال أسامة: فما تقول في نفسك؟ (أبو بكر ما زال اسما جنديا في تلك الحملة) فقال أبو بكر: يا بن أخي فعل الناس ما ترى فدع لي عمر وأنفذ لوجهك، فخرج أسامة بالناس (1). وهكذا امتنع أبو بكر وعمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وغيرهم من الذهاب في حملة أسامة في زمن حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفي زمن حكم أبي بكر. وهذا يبين إصرار عصبة قريش على عصيان أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وخوفهم من مقابلة الروم في حرب دامية. ومن صفات أفراد الحزب القرشي في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفي زمن الخلفاء الامتناع عن المشاركة في الحروب والهروب منها بشتى الوسائل المتاحة (2).
أعمال عصبة قريش الخطيرة ضد الرسول (صلى الله عليه وآله) قبل وبعد شهادته

بعد عودة النبي (صلى الله عليه وآله) من الحج ووصيته إلى علي (عليه السلام) في خطبة الوداع
(هامش)
(1) البداية والنهاية 8 / 73. (2) راجع كتاب نظريات الخليفتين، للمؤلف 1 / 255 - 293. (*)
وفي خطبة الغدير أمر عصبة قريش بالانخراط في حملة أسامة، وعندها اشتدت الخصومة بين رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبين المتحفزين للسيطرة على الحكم الذين لم يتحملوا وصية النبي (صلى الله عليه وآله) إلى علي (عليه السلام). فبرزت الخصومة واضحة بين رسول الله (صلى الله عليه وآله) من جهة وأبي بكر وعمر وعائشة وحفصة من جهة أخرى. فكانت آراء وأقوال وأعمال هؤلاء المعارضة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) متمثلة بما يلي: 1 - رفضت عصبة قريش الانضمام إلى صفوف جيش أسامة وعلى رأس هؤلاء أبو بكر وعمر، فذهب أبو بكر إلى السنح بعد أن سم الرسول (صلى الله عليه وآله)، فبقي بجانب زوجته هناك، ولم يعد إلا بعد مقتل النبي (صلى الله عليه وآله) بالسم (1). واستمر عصيان أبي بكر لحملة أسامة بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلم يذهب فيها لا قائدا ولا مأمورا رغم مطالبة أسامة له بذلك. وقد رفض عمر الانضمام إلى حملة أسامة في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) وفي زمن أبي بكر رغم الأمر النبوي له بذلك. بل إنه طالب أبا بكر بإقالة أسامة من منصبه وعصيان الأمر الإلهي في تعيينه. لكنه استمر بمناداة أسامة بالأمير في زمن خلافة أبي بكر: إذ أخرج ابن كثير: كان عمر إذا لقيه (أسامة بن زيد) يقول: السلام عليك أيها الأمير (2).
(هامش)
(1) إذ أخبره بذلك مبعوث عمر إليه وهو سالم بن عبيد * كنز العمال 7 / 232 ط. مؤسسة الرسالة. (2) التحفة اللطيفة، السخاوي، البداية والنهاية، ابن كثير 8 / 73، طبع مؤسسة التاريخ العربي - بيروت. (*)

2 - قال عمر وعصبة قريش لرسول الله (صلى الله عليه وآله) في تلك الأيام إنه يهجر (1) وردوا نظريته (صلى الله عليه وآله) المصرح بها: كتاب الله وعترتي أهل بيتي (عليهم السلام) وطرحوا نظريتهم: حسبنا كتاب الله (2). 3 - طالبت نساء النبي (صلى الله عليه وآله) في يوم الخميس بإعطاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) ورقة ودواة فقال عمر لهن: اسكتن (3). 4 - أمرت عائشة أباها على لسان النبي (صلى الله عليه وآله) بالصلاة في صبيحة يوم الاثنين فغضب الرسول (صلى الله عليه وآله) وجاء إلى الصلاة متكئا على علي (عليه السلام) وقثم بن العباس فصلى بالناس جماعة (4). 5 - منعت عصبة قريش الناس من دفن النبي (صلى الله عليه وآله) يومي الاثنين والثلاثاء بانتظار مجيء أبي بكر من السنح. فقال العباس بن عبد المطلب في ذلك: عن جثمان النبي إنه (صلى الله عليه وآله) يأسن (5). 6 - وبرز حقد وغضب عصبة قريش على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في امتناعها عن حضور مراسم غسله وتكفينه، وذهابها إلى السقيفة لإجراء مراسم البيعة لأبي بكر (6).
(هامش)
(1) وعصبة قريش هم أبو بكر وعمر وابن الجراح وابن عوف وعائشة وحفصة وعثمان وابن أبي وقاص وابن العاص، مسند أحمد بن حنبل 1 / 325، سنن مسلم آخر الوصايا، أوائل الجزء الثاني. (2) الملل والنحل، الشهرستاني 1 / 22. (3) منتخب كنز العمال، المتقي الهندي 3 / 114. (4) البداية والنهاية، ابن كثير 5 / 253، تاريخ الطبري 2 / 439، سيرة ابن هشام 4 / 301. (5) تاريخ الطبري 2 / 443، أنساب الأشراف 1 / 568، ولم يأسن جثمان الرسول (صلى الله عليه وآله) رغم طول المدة. (6) مسند أحمد بن حنبل 1 / 55، سنن البخاري 4 / 111، تاريخ الطبري 2 / 446. (*)
7 - وامتنع أبو عبيدة بن الجراح حفار قبور المهاجرين في المدينة من حفر قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وذهب لإجراء مراسم السقيفة، فاضطر أهل البيت (عليهم السلام) لدعوة أبي طلحة حفار قبور الأنصار ليحفر قبرا للنبي محمد (صلى الله عليه وآله)! (1) وقد جاء عن النبي (صلى الله عليه وآله): بينما أنا قائم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلم فقلت: أين؟ قال: إلى النار والله. قلت: وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقري. ثم إذا زمرة، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال: هلم قلت: أين؟ قال: إلى النار والله. قلت: ما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقري، فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم (2).
(هامش)
(1) تاريخ الطبري 2 / 452، أسد الغابة، ابن الأثير 2 / 333، الطبقات الكبرى، ابن سعد 2 / 294، 298. (2) صحيح البخاري 8 / 150، قال في لسان العرب 11 / 710 وفي حديث الحوض: فلا يخلص منهم إلا مثل همل النعم الهمل: ضوال الإبل واحدها هامل، أي أن الناجي منهم قليل في قلة النعم الضالة ، صحيح مسلم 1 / 217 - 218 كتاب الطهارة، باب استحباب إطالة الغرة، صحيح الترمذي 5 / 321، كتاب تفسير القرآن، باب تفسير سورة الأنبياء ص 22، صحيح النسائي 2 / 133، كتاب الافتتاح، باب قراءة بسم الله الرحمن الرحيم ص 21. (*)
8 - وبعدما دفن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ليلة الأربعاء، هجمت عصبة قريش على بيت فاطمة الزهراء (عليها السلام) بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في يوم الأربعاء بعد مراسم بيعة أبي بكر العامة تسببت في مقتل فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله) مع ابنها محسن (1). وبذلك يتوضح اشتداد الصراع بين النبي (صلى الله عليه وآله) وبين الحزب القرشي إلى درجة يتوقع أن تنتهي بحمام دم. وفعلا انتهت باغتيالهم له (صلى الله عليه وآله).
غضب النبي (صلى الله عليه وآله) على عصبة قريش وأقواله فيهم

بعد اشتداد حدة الصراع بين النبي (صلى الله عليه وآله) وبين حزب قريش رد رسول الله (صلى الله عليه وآله) على أقوال وأعمال عصبة قريش وعلى رأسهم أبو بكر وعمر وعائشة وحفصة بشدة بما يلي: 1 - لعن العاصين لحملة أسامة بن زيد إلى الشام (2). 2 - رد رسول الله (صلى الله عليه وآله) على قولهم يهجر (في يوم الخميس) ورفضهم
(هامش)
(1) العقد الفريد 4 / 259، تاريخ أبي الفداء 1 / 156، تاريخ الطبري 3 / 198. (2) شرح نهج البلاغة، المعتزلي 6 / 52. (*)
نظريته: كتاب الله وعترتي أهل بيتي بقوله لهم: إنهن (نساء النبي (صلى الله عليه وآله) وفاطمة (عليها السلام) أفضل منكم (1) وذلك بعدما قال عمر لهن: اسكتن (2). 3 - أخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) عمر وأصحابه من منزله في يوم الخميس قائلا لهم: قوموا (3). 4 - قال الرسول (صلى الله عليه وآله) لعائشة وحفصة في صبيحة يوم الاثنين (يوم وفاته) ردا على دعوتهما أبويهما لإمامة الصلاة في المسجد النبوي: إنكن لصواحب يوسف (4). 5 - تمنى النبي (صلى الله عليه وآله) موت عائشة السريع قبل وفاته (صلى الله عليه وآله) إذ قالت عائشة: فتمنى رسول الله (صلى الله عليه وآله) موتي قائلا: وددت أن ذلك يكون وأنا حي فأصلي عليك وأدفنك (5). أي تمنى النبي (صلى الله عليه وآله) موت عائشة السريع قبل مشاركتها في قتله ودخولها في فتنة عمياء، ومسيرها لمحاربة علي (عليه السلام) في البصرة. 6 - وقال النبي (صلى الله عليه وآله) عن مسكن عائشة: هاهنا الفتنة، هاهنا الفتنة، هاهنا الفتنة، من حيث يخرج قرن الشيطان (6).
(هامش)
(1) كنز العمال، المتقي الهندي 3 / 138. (2) منتخب كنز العمال، المتقي الهندي 3 / 114. (3) مسند أحمد بن حنبل 1 / 325، صحيح مسلم في آخر الوصايا 1 / 232، السقيفة والخلافة، أبو بكر الجوهري، صحيح البخاري، باب جوائز الوفد من كتاب الجهاد والسير 2 / 118. (4) تاريخ الطبري 2 / 439، سيرة ابن هشام 4 / 301. (5) الطبقات الكبرى، ابن سعد 2 / 206. (6) صحيح البخاري 4 / 92، 174، 5 / 20، 8 / 95، صحيح مسلم 8 / 172، سنن الترمذي 2 / 257. (*)
7 - وبعدما سقوه وصف عملهم بالعمل الشيطاني (1). 8 - وبعد مسمومية النبي (صلى الله عليه وآله) وقبل وفاته قالت عائشة: ذهب رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى البقيع ثم التفت إلي فقال: ويحها لو تستطيع ما فعلت! (2) وهذا النص واضح في إقدام عائشة على ارتكاب فعل خطير مشابه لفعلها في معركة الجمل، وذلك الفعل ما هو إلا إقدامها على سم رسول الله (صلى الله عليه وآله) لصالح أبيها وعصبته. وفسر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذلك بعدم سيطرتها على أهوائها. وإقدامها على جريمة عظيمة. وأخرج مالك بن أنس ما يبين حادثة منكرة لأبي بكر قائلا: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لشهداء أحد: هؤلاء أشهد عليهم، فقال أبو بكر: ألسنا يا رسول الله إخوانهم، أسلمنا كما أسلموا، وجاهدنا كما جاهدوا؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): بلى ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي. فبكى أبو بكر ثم بكى، ثم قال: أإنا لكائنون بعدك؟ (3) وهذا من دلائل النبوة إذ أخبر الرسول (صلى الله عليه وآله) أبا بكر وعائشة بجريمتهم قبل وبعد سمهما له.
(هامش)
(1) البداية والنهاية، ابن كثير 5 / 245. (2) الطبقات، ابن سعد 2 / 203 طبعة دار صادر، بيروت. (3) الموطأ، مالك بن أنس ص 236، كتاب الجهاد، باب الشهداء في سبيل الله حديث 995. (*)
هل قتلت عصبة قريش أحدا من المسلمين؟

لقد قتل رجال الحزب القرشي الكثير من الناس بوسائل مختلفة وعلى رأس تلك الوسائل الاغتيال، فقد هجم عمر وأتباعه بأمر أبي بكر على بيت فاطمة (عليها السلام)، بعد يوم واحد على دفن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فضغط عمر باب فاطمة (عليها السلام) على فاطمة (عليها السلام) المتسترة خلف الباب، ودخلوا بيتها عنوة ودون إذنها (1). فاغتالوا فاطمة (عليها السلام) بعد اغتيالهم لأبيها (صلى الله عليه وآله) إذ ماتت بعد فترة وجيزة من ذلك الحادث قال اليعقوبي: إنها عاشت بعد أبيها ثلاثين، أو خمسة وثلاثين يوما، وهذا أقل ما قيل في مدة بقائها بعد أبيها (2). وقول آخر أربعون يوما، وقول ثالث خمسة وسبعون يوما وهو الأشهر. والرابع خمسة وتسعون يوما وهو الأقوى (3). وقال الإمام الصادق: إنها قبضت في جمادي الآخرة يوم الثلاثاء لثلاث خلون منه سنة إحدى عشرة من الهجرة (4). وامتنعت سيدة نساء العالمين من التحدث إلى أبي بكر وعمر وعائشة
(هامش)
(1) أنساب الأشراف 1 / 586، أعلام النساء 4 / 114، مروج الذهب، المسعودي 3 / 77 طبع دار الهجرة. (2) تاريخ اليعقوبي 2 / 115. (3) المصدر السابق. (4) دلائل النبوة، الطبري ص 45. (*)
وحفصة من يوم قتل أبوها إلى أن ماتت (1). وتسببت عصبة قريش في مقتل الكثير من الصحابة لاحقا، من أمثال سعد بن عبادة وخالد بن سعيد بن العاص وأبي ذر وعبد الله بن مسعود (2)، دون سبب موجب لذلك، مثل ردة بعد إسلام، وزنا بعد إحصان، وقتل نفس مؤمنة. وبعد اغتيال الحزب القرشي لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وابنته فاطمة (عليها السلام) تقدموا لقتل بقية أهل البيت (عليهم السلام) وحذف السنة النبوية من النواحي التراثية والسياسية والعلمية بقولهم: حسبنا كتاب الله، فمنعوا تدوين السنة النبوية وتفسير القرآن، بينما سمحوا لكعب الأحبار وتميم الداري بالوعظ الديني في مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله) (3). ثم تحرك رجال الحزب القرشي لاغتيال بعضهم البعض في سبيل الاستحواذ على السلطة والاستمرار فيها، فقتلوا أبا بكر وصاحبه عتاب بن
(هامش)
(1) صحيح البخاري، باب فرض الخمس 5 / 177، تاريخ الطبري 3 / 202، الإمامة والسياسة 1 / 14، أعلام النساء 3 / 314، صحيح مسلم ص 1259. (2) أنساب الأشراف، العقد الفريد، ابن عبد ربة 4 / 247، السقيفة والخلافة، عبد الفتاح عبد المقصود ص 13، تاريخ أبي زرعة ص 111، أسد الغابة 1 / 359، تاريخ دمشق، ترجمة أبي ذر، تاريخ أبي الفداء 1 / 333. (3) مجمع الزوائد عن الإمام أحمد ص 190، تاريخ أبي زرعة ص 335 ح 1915، الطبقات، ابن سعد 5 / 140، تاريخ ابن كثير 8 / 107، تاريخ المدينة المنورة، عمر بن شبة 1 / 12. (*)
أسيد الأموي، وطبيب العرب ابن كلدة الذي فضح الاغتيال (1). وقتل معاوية أشراف قريش دون استثناء منه لرجال بني أمية. فاغتال في هذا الطريق عبد الرحمن بن أبي بكر وعائشة وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد وسعد بن أبي وقاص والحسن بن علي (عليه السلام)، وزياد بن أبيه (2).
زوجتا النبي (صلى الله عليه وآله) عائشة وحفصة

من المستحسن ذكر بعض أعمال عائشة وحفصة للتعرف على شخصيتهما: لقد ذكر البخاري اعتزال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لنسائه (3) أي طلاق النبي (صلى الله عليه وآله) لعائشة وحفصة. وأيد مسلم نزول هذه الآية في تلك الحادثة { عسى ربه طلقكن أن يبدله
(هامش)
(1) اغتيال الخليفة أبي بكر والسيدة عائشة، المؤلف. (2) نظريات الخليفتين، المؤلف 2 / 129 - 151، العقد الفريد، ابن عبد ربه 4 / 247، 250، طبقات ابن سعد 3 / 198، مروج الذهب، المسعودي 2 / 301، 410، السقيفة والخلافة، عبد الفتاح عبد المقصود ص 13، سنن البيهقي 9 / 128، مختصر تاريخ دمشق، ابن عساكر 8 / 26، 24 / 24، الكامل في التاريخ 3 / 204، 353، البداية والنهاية، ابن كثير 8 / 92، 95، تاريخ الطبري، أحداث معركة بدر، تاريخ اليعقوبي 2 / 139، الاستيعاب 2 / 393، الإصابة 3 / 306، مقاتل الطالبيين ص 47، 48، مستدرك الحاكم 3 / 476، أنساب الأشراف، البلاذري 3 / 58 - 60. (3) صحيح البخاري 6 / 70، طبعة دار الفكر - بيروت. (*)
أزواجا خيرا منكن، مسلمات مؤمنات } (1). وكان النبي (صلى الله عليه وآله) قد طلق عائشة وحفصة ثم راجعهما (2). مما يبين سوء أخلاقهما معه وعدم حبهما له وإغضابهما له. وكانت حفصة وعائشة قد تظاهرتا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) (3). فنزلت الآية المباركة: { إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه... } (4). وكانت عائشة وحفصة تؤذيان رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى يظل يومه غضبان (5). فقال عمر بن الخطاب لحفصة: لقد علمت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يحبك (6). واعتراف البخاري بذلك، يعني أن خبر أذاهما لرسول الله (صلى الله عليه وآله) قد انتشر بين الناس وتواتر الخبر. وهما اللتان صورتا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالشيطان نعوذ بالله من ذلك، يوم قالتا لمليكة (زوجته الجديدة): قولي لرسول الله (صلى الله عليه وآله): أعوذ بالله منك، فإنه يحب ذلك.
(هامش)
(1) التحريم: 5، صحيح مسلم 4 / 188، ط. دار الفكر - بيروت. (2) المستدرك، الحاكم 4 / 16 ح 6753، 6754، 2351، 2352 طبع دار الكتب العلمية - بيروت. (3) صحيح البخاري 6 / 69، طبعة دار الفكر - بيروت. (4) التحريم: 66 / 4، 5، تفسير الثعلبي، الآية، تفسير ابن كثير 4 / 634، صحيح البخاري 3 / 136. (5) صحيح البخاري 6 / 69، طبقات ابن سعد، المتوفى سنة 230 ه‍، 8 / 56. (6) صحيح مسلم 4 / 188. (*)
فقالت المسكينة ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فطلقها (1). ثم ماتت المسكينة كمدا، وكانت المتعوذة بالله سبحانه من الرسول (صلى الله عليه وآله) بتعليم عائشة وحفصة أكثر من واحدة. وشككت عائشة في نسب إبراهيم ابن الرسول (صلى الله عليه وآله) (2). وخالفت عائشة وحفصة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مرضه وأرادت كل واحدة منهما أن تدعوا أباها لإمامة صلاة الجماعة فقال لهن رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنكن صواحب يوسف (3). وخالفت عائشة قول الله سبحانه وتعالى: { قرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى } (4). وأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الامتناع عن محاربة علي بن أبي طالب (عليه السلام) فحاربته في معركة الجمل، وأرادت حفصة الاشتراك في ذلك فمنعها أخوها عبد الله (5). وكانت زبيدة زوجة هارون الرشيد أفضل من عائشة إذ جاء: لما قتل محمد الأمين دخل إلى السيدة زبيدة أمه بعض خدمها، وقالوا
(هامش)
(1) طبقات ابن سعد 8 / 145، المحبر ص 94 - 95، المستدرك، الحاكم 4 / 37، الاستيعاب 2 / 703، الإصابة 3 / 530 في ترجمة نعمان بن أبي الجون، تاريخ اليعقوبي باب أزواج النبي (صلى الله عليه وآله). (2) المستدرك، الحاكم 4 / 42، طبعة دار الكتب العلمية - بيروت. (3) تاريخ الطبري 2 / 439، سيرة ابن هشام 4 / 301. (4) الأحزاب: 33. (5) شرح نهج البلاغة، المعتزلي 2 / 80، تاريخ الطبري 3 / 477، معجم البلدان 2 / 362، 2 / 78 - 79، الروض المعطار ص 206، تطهير الجنان، ابن حجر، بهامش الصواعق المحرقة ص 108. (*)
لها: ما يجلسك وقد قتل أمير المؤمنين؟ فقالت: ويلك ماذا أصنع؟ قال: تخرجين فتطلبين بثأره، كما خرجت عائشة تطلب بدم عثمان. فقالت: اخسأ لا أم لك، ما للنساء وطلب الثأر ومنازلة الرجال؟ ثم أمرت بثيابها فسودت، ولبست مسحا من شعر (1). وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعائشة يوما: أفأخذك شيطانك (2). وقال الرسول (صلى الله عليه وآله) عن دار عائشة: ها هنا الفتنة، ها هنا الفتنة، ها هنا الفتنة ثلاثا من حيث يطلع قرن الشيطان (3). وقال الرسول (صلى الله عليه وآله) لمن سقاه الدواء (السم) في بيت عائشة: إنها من الشيطان (4). واستمرت عائشة في مخالفتها رسول الله (صلى الله عليه وآله) فبينما قال الرسول: الولد للفراش وللعاهر الحجر كتبت عائشة لزياد بن أبيه: زياد بن أبي سفيان! (5) وفرحت عائشة وحفصة بمقتل أمير المؤمنين علي (عليه السلام) (6).
(هامش)
(1) مروج الذهب 2 / 327. (2) مسند أحمد 6 / 221. (3) صحيح البخاري 4 / 46، طبعة دار الفكر - بيروت. (4) البداية والنهاية، ابن كثير 5 / 245. (5) مختصر تاريخ دمشق، ابن عساكر 9 / 78. (6) مقاتل الطالبيين، أبو الفرج الأصفهاني ص 43. (*)
وبينما قال الرسول (صلى الله عليه وآله): الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة (1). منعت عائشة مع مروان بن الحكم من دفن الحسن (عليه السلام) مع جده (صلى الله عليه وآله) (2). فتكون عائشة وحفصة قد أغضبتا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخالفتاه فطلقهما وصورتا خاتم الأنبياء بالشيطان - نعوذ بالله من ذلك -، وكذبتا عليه في الحديث، وتسببت عائشة في قتل أعداد كثيرة من المسلمين بفتواها وبيديها وقيادتها للجيوش. وأمرت في البصرة بقتل سبعين مسلما هم حراس بيت المال هناك للسيطرة على الأموال الموجودة في الخزينة العامة (3). ومن يفعل هذه الأفعال يكون من السهل عليه ارتكاب جريمة أخرى، وهذا ما يؤيد إقدامها على قتل رسول البشرية (صلى الله عليه وآله) لتهيئة الأرضية لحكومة أبيها. ويدعم ذلك الروايات الصحيحة في اشتراكها في قتل رسول الله (صلى الله عليه وآله) (4). ومثلما أغتيل رجال الاغتيال كمحمد بن مسلمة (5)، فقد اغتيلت
(هامش)
(1) الكامل في التاريخ، ابن الأثير 2 / 10، سنن الترمذي 2 / 306، مسند أحمد 3 / 3، 62، 82، الحلية، أبو نعيم 5 / 71، تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي 9 / 231، 232. (2) مختصر تاريخ دمشق، ابن عساكر 7 / 45، تاريخ أبي الفداء 2 / 255، تاريخ اليعقوبي 2 / 225. (3) تاريخ الطبري 3 / 486، 487. (4) تفسير العياشي 1 / 200، البحار، المجلسي 22 / 516، 28 / 21. (5) الإصابة، ابن حجر 3 / 384. (*)
عائشة بيد معاوية بن أبي سفيان (1). وأفعال حفصة أيضا تؤيد الروايات الصحيحة في اشتراكها في قتل رسول الله (صلى الله عليه وآله) (2). وبينما تمتعت عائشة وحفصة في ظل خلافة أبويهما بأفضل معيشة دنيوية، في ظل خيرات البلدان المفتوحة، لم تحصل فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله) إلا على الحزن والحرمان والاغتيال. إذ قالت: صبت علي مصائب لو أنها * صبت على الأيام صرن لياليا (3) وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد هيأها لاستقبال المعضلات والمظالم وهو من علائم النبوة له (صلى الله عليه وآله) إذ قال لها: يا فاطمة اصبري على مرارة الدنيا لنعيم الآخرة غدا، فنزلت الآية الكريمة: { ولسوف يعطيك ربك فترضى } (4).
من قتل على يد أم المؤمنين؟

تختلف عائشة عن خديجة اختلافا منهجيا إذ كانت شديدة، وكانت
(هامش)
(1) الصراط المستقيم 3 باب 12 / 46. (2) المصدر السابق. (3) ذكره النابلسي في ثلاثيات مسند أحمد 2 / 489، والديار بكري في تاريخ الخميس 2 / 173، والعلامة ابن سيد الناس في عيون الأثر 2 / 340، والسمهودي في وفاء الوفا 2 / 443، والنبهاني في الأنوار المحمدية ص 593. (4) كنز العمال 12 / 422. (*)
تحاول الاستفادة من شدتها في حل القضايا المعضلة عندها. في رواية عن أم سلمة قالت: استيقظ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات ليلة وهو يقول: لا إله إلا الله ما فتح الليلة من الخزائن؟ لا إله إلا الله ما أنزل الليلة من الفتن؟ من يوقظ صواحب الحجر، يريد به أزواجه... يا رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة (1). وروى البخاري: قام النبي (صلى الله عليه وآله) خطيبا فأشار نحو مسكن عائشة فقال: ها هنا الفتنة، ها هنا الفتنة، ها هنا الفتنة. من حيث يطلع قرن الشيطان (2).
حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) هنا عام في الفتنة، وأن منبعها مسكن عائشة، فهل يقصد في ذلك اشتراكها في قتله (صلى الله عليه وآله)، كما جاء في الرواية أم يقصد اشتراكها في دعم مشروع السقيفة واغتصاب الخلافة، أم تحركها الواسع لرفض الثقل الثاني بعد القرآن أي أهل البيت (عليهم السلام)، أم افتعالها معركة الجمل للمطالبة بدم عثمان وهي التي قتلته، أم أنه (صلى الله عليه وآله) يقصد بحديثه المذكور مجموع تلك الفتن وغيرها التي دخلتها أم المؤمنين عائشة. وكانت حفصة وعائشة لهما منزلة مشهودة في الشدة والقسوة في التعامل مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقد نزل في حقهما آيات قرآنية تشهد على ذلك،
(هامش)
(1) صحيح البخاري، كتاب اللباس 4 / 33، صحيح الترمذي (الجامع 4 / 488)، ومسند أحمد (الفتح 32 / 34). (2) فتح الباري في شرح صحيح البخاري 6 / 243 حديث 3104، ط. دار الريان، صحيح البخاري 4 / 92، 174، 5 / 20، 8 / 95، صحيح مسلم 8 / 172، سنن الترمذي 2 / 257. (*)
كما ذكرنا في هذا الموضوع إلا أن منزلة عائشة أم المؤمنين كانت أشد بحيث أشار رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى منزلها بأنه دار الفتنة ثلاث مرات. ولم تؤثر طول مدة الرفقة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في عائشة والبالغة عقدا من الزمان، إذ بقيت شديدة قاسية لا ترحم من تبغض ولا تتوانى في الدفاع عمن تحب. وكان منطق العربي في الجاهلية كما قال الشاعر: لا يسألون أخاهم حين يندبهم * في النائبات على ما قال برهانا فالجاهلي كان يحب ويبغض طبقا لعصبيته، ويثأر لها بكل السبل المتاحة، ولا يتوانى عن حمل السلاح وطي المسافات الطويلة في سبيل غاياته وغايات قبيلته. طبعا كان ذلك من أعمال وصفات الرجال دون النساء إلا ما شذ وندر، ولقد فعلت أم المؤمنين عائشة ما عجزت عنه النساء في الجاهلية والإسلام. ولما طلبوا من زبيدة زوجة هارون الرشيد الثأر لمقتل ابنها الأمين بيد المأمون كما فعلت عائشة، رفضت ذلك وصدته طاعة لله سبحانه وتعالى. إذ قال تعالى في كتابه الشريف: { وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى... } (1).
(هامش)
(1) الأحزاب: 33. (*)
وأشارت المصادر إلى اشتراك أم المؤمنين عائشة في اغتيال رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأصدرت فتوى بقتل عثمان بن عفان وسعت لقتل الخليفة علي بن أبي طالب (عليه السلام) في معركة الجمل. وتسببت في مقتل عشرين ألف مسلم في معركة الجمل. وقتلت رجلا من المسلمين، وفرحت عائشة بمقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأعلنت السرور وقالت: فألقت عصاها واستقر بها النوى * كما قر عينا بالإياب المسافر وسجدت شكرا لله تعالى (1). وسمت خادمها باسم عبد الرحمن، حبا وكرامة لعبد الرحمن بن ملجم الخارجي، الذي قتل الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام). إذ روي عن مسروق أنه قال: دخلت على عائشة فجلست إليها فحدثتني واستدعت غلاما لها أسود يقال له عبد الرحمن، فجاء حتى وقف، فقالت: يا مسروق أتدري لم سميته عبد الرحمن؟ فقلت: لا. قالت: حبا مني لعبد الرحمن بن ملجم (2). هذا في الوقت الذي روت فيه عائشة في أواخر أيام حياتها في الدنيا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال:
(هامش)
(1) مقاتل الطالبيين، أبو الفرج الأصفهاني ص 43. (2) كتاب الشافي 4 / 158، الجمل، المفيد ص 84. (*)
أنا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب (1). أي أنها كانت تعرف ذلك وتكتمه من الناس لمعارضتها الخليفة علي بن أبي طالب (عليه السلام). وقد امتنع الإمام علي (عليه السلام) عن إثارة حفيظتها وإغضابها في أيام خلافته، إذ لبى طلبها في عدم قتل المشاركين لها في حرب الجمل، والمختفين في بيتها في البصرة، ثم أكرمها وأعزها وأرجعها إلى بيتها في المدينة المنورة، بصحبة أخيها محمد بن أبي بكر، احتراما منه لرسول الله (صلى الله عليه وآله). وقد كانت العلاقة بين رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبين زوجتيه عائشة وحفصة غير جيدة لمخالفتهما له، واشتدت حالة الخصام بينهما وبين النبي (صلى الله عليه وآله)، فقال الرسول (صلى الله عليه وآله): إنكن لصويحبات يوسف (2). واستمرت حالة العداوة بينهما وبين رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال الله سبحانه وتعالى: { إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير عسى ربه إن طلقكن } (3). وقد سأل ابن عباس من عمر بن الخطاب عن المقصود بالآية فقال: عائشة وحفصة.
(هامش)
(1) مستدرك الصحيحين، الحاكم 3 / 124، كنز العمال 6 / 400، الرياض النضرة 2 / 177، 193، ذخائر العقبى ص 77، حلية الأولياء 1 / 63، تاريخ بغداد 11 / 89، مجمع الزوائد 9 / 131. (2) تاريخ الطبري 2 / 439، الكامل في التاريخ، ابن الأثير 2 / 322، صحيح البخاري 1 / 172 ب 46، صحيح مسلم 1 / 313، 94، 95، 101، دلائل النبوة، البيهقي 7 / 186. (3) التحريم 66 / 4، 5، صحيح البخاري 3 / 136، وجاء في تفسير الثعلبي وتفسير الكشاف أن صالح المؤمنين هو علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الطرائف ص 24. (*)
وقد روت عائشة أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد طلب من نسائه أثناء مرضه العلاج في بيتها، إلا أنها كذبت ذلك لاحقا بقولها: ثم رجع إلى بيت ميمونة، فاشتد وجعه (1). وكانت عائشة قد تمارضت عندما شكى رسول الله (صلى الله عليه وآله) من مرضه، إذ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): وارأساه فقالت: وارأساه. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): بل أنا وارأساه. قالت عائشة: فتمنى رسول الله (صلى الله عليه وآله) موتي قائلا: وددت أن ذلك يكون وأنا حي فأصلي عليك وأدفنك (2). وتوجهات عائشة في حياتها تبين شدة طبعها، وخشونة أخلاقها، وحدة ميولها. فلقد طلقت زوجة من زوجات الرسول (صلى الله عليه وآله) بالاحتيال عن طريق دفعها للقول للرسول (صلى الله عليه وآله): أعوذ بالله منك. فقالت أسماء بنت النعمان للنبي (صلى الله عليه وآله): أعوذ بالله منك. فقال: أمن عائذ بالله، الحقي بأهلك (3). ورفعت صوتها على صوت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فضربها أبوها. وكسرت إناء أم سلمة الذي قدمت فيه طعاما لرسول الله (صلى الله عليه وآله) (4).
(هامش)
(1) الطبقات، ابن سعد 2 / 206. (2) الطبقات، ابن سعد 2 / 206. (3) الطبقات، ابن سعد 8 / 145، المحبر ص 94 - 95. (4) صحيح النسائي باب الغيرة 2 / 159. (*)
وتحركت عائشة مع جيش من الناكثين لقتل علي (عليه السلام) وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، بينما منع عبد الله بن عمر حفصة من الالتحاق بها، وكانت رغبتها في المشاركة في حرب الجمل أكيدة (1). فتسببت عائشة في مقتل عشرين ألف مسلم يشهد شهادة لا إله إلا الله، محمد رسول الله (2). ثم منعت عائشة مع مروان من دفن سبط النبي (صلى الله عليه وآله) الحسن بن علي (عليه السلام) مع جده رسول الله (صلى الله عليه وآله)، بعد أن سمته جعدة بنت الأشعث. ويعجب الإنسان من موقف عائشة من زوجها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن وصيه وسبطه! وعن الفتنة قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): سألت ربي ثلاثا فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة، سألت ربي أن لا يهلك أمتي بسنة فأعطانيها، وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرور فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها - وفي رواية - وسألته أن لا يلبسهم شيعا فأبى علي (3). وروى أسامة بن زيد: أشرف النبي (صلى الله عليه وآله) على أطم (4). من أطام المدينة ثم قال:
(هامش)
(1) شرح نهج البلاغة 2 / 80. (2) مروج الذهب، المسعودي 2 / 371. (3) صحيح مسلم، كتاب الفتن 14 / 18، ومسند أحمد (الفتح 23 / 215) وكنز العمال 11 / 121، 11 / 122. (4) الأطم: القصر أو الحصن. (*)
هل ترون ما أرى؟ إني لأرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر (1).
مقتل جني بيد زوجة النبي (صلى الله عليه وآله)

كانت أم المؤمنين عائشة تتوسل بالقوة لحل المعضلات وتضرب بيد من حديد كل من يخالف منهجها وأهدافها كائنا من كان. لذلك تصادمت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومع علي (عليه السلام) ومع فاطمة (عليها السلام) ومع غيرهم فرحموها استنادا إلى منهجهم في إدارة الأحداث، إذ لم تكن عائشة تتصور بأن عليا (عليه السلام) سيتعامل معها بلطف عال بعد معركة الجمل، رغم سجلها الخطير في معارضة أهل البيت (عليهم السلام) ومحاولاتها في تحطيهم أطروحاتهم. ففي رواية كان جان يطلع على عائشة، فحرجت عليه مرة بعد مرة فأبى إلا أن يظهر، فعدت عليه بحديدة فقتلته. فأتيت في منامها، فقيل لها: أقتلت فلانا وقد شهد بدرا، وكان لا يطلع عليك لا حاسرا ولا متجردة، إلا أنه كان يسمع حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأخذ منها ما تقدم وما تأخر، فذكرت ذلك لأبيها. فقال: تصدقي باثني عشر ألف ديته (2). بعد قراءتنا لهذه الرواية نفهم بأن عائشة قد قتلت شخصا مسلما، قد اشترك في معركة بدر إلى جنب رسول الله (صلى الله عليه وآله).
(هامش)
(1) صحيح البخاري، كتاب الحج 1 / 322، صحيح مسلم 7 / 18. (2) سير أعلام النبلاء، الذهبي 2 / 196، 2 / 198، تذكرة الحفاظ، الذهبي 1 / 29. (*)
ولكن يد السياسة قد حرفت الخبر فقد نسخته جانا بعد أن كان أنسيا، إذ لا يعقل قتل عائشة لفرد من الجن بيديها الضعيفتين! وهل يمكن قتل الجان؟ وكان الحزب القرشي قد تعود منذ الجاهلية على القاء مسؤولية الأحداث على الجن، للهروب من تبعات الأمور ومخاطرها. فقد قتل كفار قريش طالب بن أبي طالب في معركة بدر لمخالفته المشاركة في قتال رسول الله (صلى الله عليه وآله). ولما خافوا عشيرته ادعوا اختطاف الجن له! (1) ولما قتل محمد بن مسلمة (مأمور عمر الخاص) سعد بن عبادة في الشام سارعت السلطة لاتهام الجن بذلك. وأقدمت عائشة على تسطير شعر تأييدا لذلك! (2) والسؤال المفروض هو: من هو الصحابي الذي قتلته عائشة بيديها؟ لقد كان منزل عائشة بجانب المسجد النبوي والحادثة وقعت في ذلك المكان، والمسلمون يزورون المسجد النبوي للصلاة فيه ليلا ونهارا، لكننا لا نعلم هوية الصحابي المقتول! وقد يكون الحباب بن المنذر المعارض لأبيها الذي مات في ظروف مشكوكة في ذلك التاريخ. ورغم تصدقها عن دية الصحابي المقتول لكنها لم تتصدق عمن
(هامش)
(1) السيرة الحلبية 1 / 268 طبع دار إحياء التراث العربي. (2) تاريخ الإسلام، الذهبي 3 / 149، أنساب الأشراف، البلاذري، العقد الفريد، ابن عبد ربه 4 / 247. (*)
تسببت في قتلتهم في معركة الجمل، وكان المغيرة بن شعبة قد قال لها: أنت قتلت عثمان (1).
النبي (صلى الله عليه وآله) يتمنى موت زوجته السريع

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن منزل عائشة: ها هنا الفتنة، ها هنا الفتنة من حيث يطلع قرن الشيطان (2). وجاء في رواية عن عائشة قولها: دخل علي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يصدع، وأنا أشتكي رأسي فقلت وا رأساه، فقال: بل أنا والله يا عائشة وارأساه. ثم قال: وما عليك لو مت قبلي فوليت أمرك، وصليت عليك وواريتك؟ فقلت: والله إني لأحسب لو كان ذلك لقد خلوت ببعض نسائك في بيتي من آخر النهار، فضحك رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم تمادى به وجعه فاستعز به (3). وفي رواية أخرى عن القاسم بن محمد عن عائشة: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ذاك (موتك) لو كان وأنا حي فأستغفر لك وأدعو لك. فقالت: وا ثكلياه! والله إني لأظنك تحب موتي، ولو كان ذلك لظللت
(هامش)
(1) العقد الفريد، ابن عبد ربه الأندلسي 4 / 277. (2) صحيح البخاري، كتاب اللباس 4 / 33. (3) السيرة النبوية، ابن كثير الدمشقي 4 / 446، البداية والنهاية، ابن كثير 5 / 244. (*)
آخر يومك معرسا ببعض أزواجك (1). لقد أدركت وعرفت عائشة من قول الرسول (صلى الله عليه وآله) المذكور حبه لموتها العاجل والسريع فدهشت وصرخت. ولقد تمنى النبي (صلى الله عليه وآله) موتها لمعرفته بالفتن التي ستخوضها من بعده والفتن التي تصنعها. ولم تصغ عائشة لقوله ولم تتمن ما تمناه لها، بل رفضت عرضه ودعاءه وأمنيته. وشككت في نواياه (صلى الله عليه وآله) فجعلتها نوايا دنيوية هدفها الرغبة في الزواج بنساء أخر وفي غرفتها! وكان الأجدر بها أن توافق على رغبته (صلى الله عليه وآله) لتنال شفاعته في الآخرة ودعاءه بالمغفرة في الدنيا.
حقائق غيرت

لقد غير الرواة الأمويون والقصاصون كلما استطاعوا عليه ومن ذلك لون الصحابة واصلهم وعبوديتهم. فقد كان عمر بن الخطاب عبدا حبشيا من عبيد الوليد بن المغيرة المخزومي فجعلوه حرا ومن ولد إسماعيل (عليه السلام) وأبيض اللون!! وهذه الزيف المتعمد يفقد القارئ الثقة بأولئك الكتاب والرواة. وكانت صهاك جدة عمر زنجية وكان نفيل زنجيا من الحبشة، وكانا من
(هامش)
(1) صحيح البخاري، كتاب الأحكام رقم 5 ج 9 / 190. (*)
عبيد عبد المطلب بن هاشم، وكانت حنتمة أم عمر ممن عثر عليها هشام بن المغيرة المخزومي ورباها (1). وجاء بأن عمر بن الخطاب كان عسيفا (عبدا) للوليد بن المغيرة المخزومي (2). وقال ابن حجر العسقلاني عن عمر بن الخطاب: كان أعسر يسرا طويلا آدم شديد الأدمة (3). وقال سفيان الثوري: كان عمر رجلا آدم (4). لكن أتباع الخط القرشي الكارهين للون الأسود قالوا: كان عمر أبيض (5). لكن الواقدي أقر بزنجيته قائلا: إن سمرته إنما جاءت من أكل الزيت عام الرمادة (6). فأراد الواقدي أن يبعد أصله الحبشي الزنجي عن أذهان الناس، لكن الواقدي لم يعذر بلال الحبشي بأنه أصبح أسود اللون من أكله الزيت في عام الرمادة!
(هامش)
(1) راجع شرح نهج البلاغة، المعتزلي 3 / 102، تهذيب اللغة 8 / 122، تاج العروس، الزبيدي 13 / 188، النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير 3 / 338، مثالب العرب، الكلبي ص 103. (2) أقرب الموارد، مادة عسف. (3) تهذيب التهذيب، ابن حجر 7 / 386. (4) المصدر السابق. (5) المصدر السابق. (6) المصدر السابق. (*)
وكان أبو بكر وأبوه أبو قحافة من العبيد، وكان اسمه عتيق لأنه أعتق من العبودية. وكان أسود اللون إذ ذكروه في جملة السودان فقال ابن الجوزي في كتاب عيون الأثر: بأن السودان: أسامة بن زيد وأبو بكر وسالم مولى أبي حذيفة وبلال بن رباح (1). وسمي عتيق لأنه أعتق من العبودية، فجاء: قال جبير بن مطعم بن عدي لعبده وحشي: إن أنت قتلت حمزة عم محمد بعمي طعيمة بن عدي فأنت عتيق (2)، فعتيق هو كل من يعتق. وكان أولاد أبي قحافة هم: عتيق وعتيق ومعتق، وهذه أسماء المعتقين من العبودية. وقال الشاعر عمير بن الإلب الضبي عن حربه مع عائشة مع معركة الجمل: أطعنا بني تيم بن مرة شقوة * وهل تيم إلا أعبد وإماء (3) لذلك قال أبو سفيان عن حكم أبي بكر: ما بال هذا الأمر في أقل قريش مكانة وأذلها ذلة (4).
(هامش)
(1) سورة الضحى: 5، عيون الأثر، ابن سيد الناس ص 449، وقد حذف الناشرون ذلك في الطبعات الجديدة. (2) السيرة الحلبية، الحلبي 2 / 217. (3) تاريخ الطبري 3 / 531. (4) أخرجه الحاكم وصححه الذهبي، تاريخ الخلفاء، السيوطي ص 66. (*)
وقال عمر: والهفاه على ضئيل بني تيم (1). وكان أبو قحافة من عبيد عبد الله بن جدعان التيمي وعمله النداء على طعام ابن جدعان، فجاء في حق ابن جدعان من الشعر: له داع بمكة مشمعل * وآخر فوق دارته ينادي فالمشمعل هو سفيان بن عبد الأسد والآخر هو أبو قحافة والاثنان من عبيد عبد الله بن جدعان، قال هشام بن الكلبي: كانت أم سفيان بن عبد الأسد أمة لابن جدعان (2). وكان ابن جدعان أكبر تاجر للعبيد والإماء في مكة وصاحب أكبر دار لتوليد وبيع الأطفال، إذ كان يملك العشرات من الإماء اللواتي يعرضهن على الرجال فيحملن منهم ثم يبيع الأطفال من آبائهم أو من الغرباء (3). وبعد ذكرنا لتلك النصوص نفهم بأن أبا بكر كان من العبيد السود، والعبيد السود جاءوا إلى مكة من الحبشة، ولأنه أعتق في بني تيم فقد أصبح أبو بكر التيمي. وغير رجال البلاط وأتباع الهوى لونه فأصبح أبو بكر أبيض وعربي وهو أسود وحبشي. متناسين نظرة الإسلام إلى اللون والقومية في عدم الفرق عنده!
(هامش)
(1) شرح النهج، المعتزلي 2 / 31 - 34. (2) مثالب العرب، هشام بن الكلبي ص 139، طبعة دار الهدى للتراث - بيروت، معجم البلدان، الحموي 2 / 424، 5 / 185، السيرة النبوية، ابن كثير 1 / 117. (3) المصدر السابق. (*)
بقوله تعالى: { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } (1) ولم يقل أبيضكم وقريشيكم. وكان لقمان الحكيم من السودان (2). وكانت عائشة أيضا سوداء اللون مثل أبيها، لكن الرواة المنصفون! جعلوها بيضاء اللون بل شقراء! جاء في مصنفات الشيخ المفيد (3): وفي تاريخ يحيى بن معين 3 / 509 قال: سمعت يحيى يقول: قال عباد: قلنا لسهيل بن ذكوان: هل رأيت عائشة أم المؤمنين؟ قال: نعم قلنا: صفها قال: كانت سوداء (4). وقال ابن حجر العسقلاني: إنها كانت أدماء (أي سوداء) (5). وقال البخاري صاحب كتاب صحيح البخاري أيضا عن سهيل بن
(هامش)
(1) الحجرات: 13. (2) أعلام النبلاء، الذهبي 1 / 355. (3) مصنفات الشيخ المفيد 1 / 369 في الحاشية. (4) مصنفات الشيخ المفيد 1 / 369، تاريخ يحيى بن معين 3 / 509. (5) لسان الميزان، ابن حجر العسقلاني 3 / 124، 3 / 125، 4 / 125 طبعة مجلس دائرة المعارف النظامية في الهند. (*)
ذكوان قوله: كانت أدماء (1). وجاء في كتاب المجروحين: حدثتنا عائشة وكانت سوداء (2). وقال ابن حجر العسقلاني: بوجهها أثر جدري (3). فتكون عائشة سوداء في وجهها أثر جدري. وسميت بالحميراء في حديث الحوأب لأنها كانت سوداء مشربة بالحمرة، مثلما جاء في وصف الشريان: هو شجر عضاه الجبال تعمل منه القسي، وقوسه جيدة سوداء مشربة بالحمرة (4). وسمي الهنود السود في قارة أمريكا الشمالية بالهنود الحمر. ويتأسف المسلم للتغيرات الحاصلة في كتب السيرة والحديث بحيث تصبح السوداء شقراء ويصبح الكذاب موثق وبالعكس. ولأن بلال الحبشي الأسود من المعارضين للنظام فقد أبقوه على صفته أسود وحبشي، بينما أصبح الآخرون من البيض والعرب! وعن رحلة أبي بكر مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى غار حراء جاء: أخرج الشيخ ابن الصباغ المالكي وهو من أعاظم علماء المالكية في كتاب النور والبرهان عن حسان بن ثابت أنه قال: ذهبت إلى مكة للعمرة قبل هجرة النبي (صلى الله عليه وآله) فرأيت قريشا يسبون
(هامش)
(1) التاريخ الكبير، البخاري 4 / 104. (2) المجروحين، محمد بن حبان التميمي 1 / 353، ميزان الاعتدال، شمس الدين الذهبي 2 / 242، 243. (3) لسان الميزان، ابن حجر العسقلاني 4 / 136، طبعة حيدر آباد - الهند. (4) تاريخ المدينة المنورة، ابن شبة 4 / 1232. (*)

يتبع


رد مع اقتباس
قديم 2016/03/01, 07:20 PM   #4
الشيخ عباس محمد

موالي بلاتيني

معلومات إضافية
رقم العضوية : 3773
تاريخ التسجيل: 2015/04/07
المشاركات: 1,723
الشيخ عباس محمد غير متواجد حالياً
المستوى : الشيخ عباس محمد is on a distinguished road




عرض البوم صور الشيخ عباس محمد
افتراضي

أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)،... عليا فنام في فراشه (1)، وخشى من ابن أبي قحافة أن يدلهم عليه، فأخذه معه (2). وقالت فاطمة (عليها السلام) سيدة نساء العالمين لأبي بكر الآمر بالحملة على بيتها: والله لأدعون الله عليك في كل صلاة أصليها (3). وكان النبي (صلى الله عليه وآله) قد قال: فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذى الله تعالى، ومن أغضبها فقد أغضب الله تعالى (4). ولأن أبا بكر الحاكم الأول للمسلمين فقد حوله الأمويين إلى أبيض وعربي، وأول من أسلم، وأقرب رجل للنبي (صلى الله عليه وآله)، وجعلوا عائشة أقرب امرأة للنبي (صلى الله عليه وآله)!، ولأن عمر أصبح الحاكم الثاني، فقد منحوه مرتبة المقرب الثاني عند النبي (صلى الله عليه وآله) وهكذا!!
أحاديث المناقب

قد يندهش القارئ من أمرين: الأول: صحة ما جاء في هذا الكتاب. والثاني: كثرة أحاديث المناقب في حق قتلة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فنقول:
(هامش)
(1) في الأصل المطبوع بكراچي جاء ذلك، والصحيح: فنام علي (عليه السلام) على فراشه . (2) كتاب النور والبرهان، ابن الصباغ المالكي. (3) الإمامة والسياسة، ابن قتيبة 2 / 20، طبعة مؤسسة الحلبي، مصر. (4) المستدرك على الصحيحين 3 / 167 ح 4730، أسد الغابة 7 / 224. (*)
إن أحاديث المناقب الموجودة في كتب الحديث والسيرة لمدح أفراد الحزب القرشي ليس لها أصل، بل وضعها الأمويون لصالح رفاقهم وكرها لأهل البيت (عليهم السلام). إذ قال ابن أبي الحديد: فظهر حديث كثير موضوع وبهتان منتشر (1). وقال الجاحظ والسيوطي بأن الأحاديث الواردة في مدح أبي بكر من الموضوعات (2). وكتب معاوية بن أبي سفيان إلى الأمصار لتدوين الأحاديث الموضوعة في فضل عثمان بن عفان قائلا: أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه وأهل بيته، والذين يروون فضائله ومناقبه فادنوا مجالسهم وقربوهم وأكرموهم . ثم كتب معاوية إلى عماله أن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر وفي كل وجه وناحية فإذا جاءكم كتابي هذا فادعو الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين، ولا تتركوا خبرا من المسلمين في أبي تراب إلا وائتوني بمناقض له في الصحابة، فإن هذا أحب إلي وأقر لعيني، وادحض لحجة أبي تراب وشيعته، وأشد عليهم من مناقب عثمان (3). فكثرت الأحاديث الموضوعة في فضل أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية وغيرهم من أفراد الحزب القرشي حسدا لأهل البيت (عليهم السلام).
(هامش)
(1) شرح النهج، المعتزلي 3 / 15. (2) العثمانية، الجاحظ، المتوفى سنة 255 ه‍، ص 23، اللآلئ، السيوطي 1 / 286 - 304. (3) النصائح الكافية ص 72، 73 عن المدائني. (*)
نادي الخمر الشهير

ذكرت كتب الحديث المعتبرة شيئا عن نادي الخمر وأفصحت عن أسماء أعضائه قائلة: كان أبو بكر وعمر من أعضاء نادي الخمر الشهير، بينما كان أنس بن مالك ساقي القوم في ذلك النادي الذي يضم أيضا أبا عبيدة بن الجراح وأبا طلحة زيد بن سهل صاحب النادي وسهيل بن بيضاء وأبي بن كعب وأبا دجانة سماك بن خرشة وأبا أيوب الأنصاري وأبا بكر بن شغوب، ومعاذ بن جبل (1). وكانت هذه الحادثة في سنة فتح مكة الموافقة للسنة الثامنة للهجرة. وكان المعروف عن أبي بكر لعب القمار وشرب الخمر في الجاهلية، وبعد معركة بدر شربها مع عمر، وقالا هذا الشعر في رثاء قتلى المشركين: وكائن بالقليب قليب بدر * من الفتيان والعرب الكرام أيوعدنا ابن كبشة أن سنحيا * وكيف حياة أصداء وهام أيعجز أن يرد الموت عني * وينشرني إذا بليت عظامي فقل لله يمنعني شرابي * وقل لله يمنعني طعامي (2)
(هامش)
(1) فتح الباري على صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني 10 / 30، صحيح مسلم 6 / 88. (2) أسباب النزول، الواحدي وأخرجه الطبري في تفسيرهما لآية لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى 203، 211، ربيع الأبرار، الزمخشري. (*)
ثم شربها أبو بكر وعمر وأصحابهما في نادي الخمر قبل وبعد فتح مكة كما ذكرنا، ثم شربها أبو بكر في شهر رمضان بعد التحريم وقال شعرا منه: ذريني اصطبح يا أم بكر * فإن الموت نقب عن هشام ونقب عن أبيك وكان قرما * رحيب الباع شريب المدام ألا من مبلغ الرحمن عني * بأني تارك شهر الصيام وتارك كلما يوحي إلينا * محمد من أساطير الكلام ولكن الحكيم رأى حميرا * فألجمها فتاهت باللجام (1) وكان سن أبي بكر عند شربه الخمر في ذلك النادي 58 سنة، وكان سن عمر 45 سنة وسن أبي عبيدة بن الجراح 48 سنة، وكان سن أنس بن مالك 18 سنة. وقد حرم الله سبحانه الخمر في السنة الرابعة للهجرة وقيل في السنة السابعة (2). وعظم على الطبري ذلك فأبدل اسم أبي بكر برجل وأبدل اسم أم بكر
(هامش)
(1) الأنوار العلوية ص 217، مجمع الزوائد 5 / 51، نواد الأصول، الحكيم الترمذي، الإصابة، ابن حجر، عمدة القارئ، العيني 10 / 82، المستطرف، شهاب الدين الابشيهي 2 / 291، سنن أبي داود 2 / 128، مسند أحمد 2 / 53، رسائل الجاحظ ص 34، كتاب مكة، الفاكهي، سنن النسائي 8 / 287، المستدرك، الحاكم 2 / 278، تفسير القرطبي 5 / 200، تفسير ابن كثير 1 / 255، تفسير الخازن 1 / 513، تفسير الرازي 3 / 458، تهذيب التهذيب 8 / 216، الحلية، أبو نعيم في ترجمة شعبة، عمدة القارئ، العيني 20 / 84، تفسير ابن مردويه، وفتح الباري على صحيح البخاري 10 / 30. (2) الامتاع، المقريزي، سيرة ابن هشام 2 / 192، عيون الأثر 2 / 48، عمدة القارئ 10 / 82. (*)
ص 125
بأم عمرو، وأم عمرو كنية عائشة. لكن الرواة والكتاب الآخرين أيدوا صحة سند الرواية: واستمر عمر في شربها في أيام حكمه (1).
الهدف من دخول البعض في الإسلام

لقد دخل بعض الصحابة في الإسلام رغبة في المال والسلطة، وكان كفار قريش يعرفون هذا البعض، ولأنهم أعلنوا الشهادة فقد أصبحوا من المنافقين. وهذا واضح في أفعال ذلك البعض ومنها:: مخالفتهم رسول الله (صلى الله عليه وآله).: مخالفتهم النصوص الدينية.: فرارهم من ساحات القتال.: محاولاتهم المتكررة لقتل رسول الله (صلى الله عليه وآله).: عدم قتل كفار قريش لعمر بن الخطاب في أرض المعركة في حادثتين، بعد أن تمكنوا من قتله: 1 - في معركة أحد تمكن خالد بن الوليد مع سريته من قتل عمر يوم
(هامش)
(1) العقد الفريد 3 / 416، السنن الكبرى، البيهقي 8 / 299، كنز العمال 3 / 109، طب 6 / 156، محاضرات الراغب 1 / 319، جامع مسانيد أبي حنيفة 2 / 192، سنن النسائي 8 / 326، الآثار، القاضي أبو يوسف ص 226، سنن الدارمي 2 / 113. (*)
كان وحده فلم يقتله، إذ جاء عن خالد: رأيت عمر بن الخطاب رحمه الله، حين جالوا وانهزموا يوم أحد، وما معه أحد، وإني لفي كتيبة خشناء، فما عرفه منهم أحد غيري، فنكبت عنه، وخشيت إن أغريت به من معي أن يصمدوا له (1). 2 - وتمكن ضرار من قتل عمر في معركة أحد فلم يقتله (2). 3 - وفي معركة الخندق تمكن ضرار بن الخطاب الفهري من قتل عمر بن الخطاب فلم يقتله، إذ جاء: وحمل ضرار بن الخطاب الفهري على عمر بن الخطاب بالرمح، حتى إذا وجد عمر مس الرمح رفعه عنه، وقال: هذه نعمة مشكورة فاحفظها يا بن الخطاب (3). هذه النصوص توضح بأن كفار قريش لا يرغبون في قتل عمر بن الخطاب، ويريدون الحفاظ على حياته. وهذا خطير جدا معناه معرفتهم بواقع عمر. والأمر يستلزم بالمقابل عدم إقدام عمر على قتل رجال قريش، وفعلا حدث هذا، إذ فر عمر في كل حروب الرسول (صلى الله عليه وآله) مع الكفار ومع اليهود (4).
(هامش)
(1) مغازي الواقدي 1 / 237. (2) السيرة الحلبية، الحلبي الشافعي 2 / 321. (3) مغازي الواقدي 1 / 471، مختصر تاريخ دمشق، ابن عساكر 11 / 156، 157، طبقات الشعراء ص 63، البداية والنهاية 3 / 107. (4) مفاتيح الغيب 9 / 52، تفسير الفخر الرازي 3 / 398، السيرة الحلبية 2 / 227، تلخيص المستدرك 3 / 37، المستدرك، الحاكم 3 / 37. (*)
وقد عير عمرو بن سعيد بن العاص الأموي عمر بن الخطاب لامتناعه من الالتحاق بحملة أسامة في زمن أبي بكر (1). فلم يستخدم عمر سيفه في قتل أي كافر أو يهودي إذ جاء عن عبد الله بن عمر: كان سيف عمر فيه فضة أربع مائة درهم، وقد أخذ معاوية سيف عمر، ولم يستعمله أيضا (2). بينما قتل ضرار بن الخطاب الفهري وخالد بن الوليد الكثير من المسلمين في معاركهم ضد الإسلام (3). وبعد دخولهم في الإسلام استمرا في قتل المؤمنين، إذ أمر خالد بن الوليد بقتل مالك بن نويرة، فقطع ضرار بن الخطاب الفهري رأسه! (4) وبينما لم يقتل أبو بكر وعمر وعثمان كفار قريش، قتلوا الكثير من المؤمنين مثل سعد بن عبادة والحباب بن المنذر وأبا ذر وعبد الله بن مسعود. ومن الطبيعي امتناع كفار قريش عن قتل عمر بن الخطاب لمعرفتهم الجيدة به، فهو الذي مدح قتلى المشركين في بدر قائلا: وكائن بالقليب قليب بدر * من الفتيان والعرب الكرام
(هامش)
(1) تاريخ اليعقوبي 2 / 133 طبعة ليدن - هولندا. (2) كنز العمال 6 / 694 ح 17448، راجع كتاب نظريات الخليفتين، نجاح الطائي 1 / 293 - 300. (3) الإصابة، ابن حجر 2 / 209، تاريخ أبي الفداء 1 / 221، 222، تاريخ الطبري، باب معركة أحد. (4) تاريخ أبي الفداء، عماد الدين أبي الفداء 1 / 221، 222. (*)
أيوعدني ابن كبشة (1) أن سنحيا * وكيف حياة أصداء وهام أيعجز أن يرد الموت عني * وينشرني إذا بليت عظامي ألا من مبلغ الرحمن عني * بأني تارك شهر الصيام (2) وفعلا كان عمر بن الخطاب وابنته حفصة وأبو بكر وابنته وعائشة عند حسن ظن كفار قريش، إذ أقدموا على اغتيال رسول الله (صلى الله عليه وآله) وابنته فاطمة (عليها السلام) وقبضوا على سلطة المسلمين. وكان لعبد الرحمن بن عوف (أحد رجال العقبة) رسائل سرية مع أمية بن خلف (أحد طغاة مكة) (3). ولقد حاول ابن عوف الحفاظ على حياة أمية بن خلف في معركة بدر (4). بينما شارك في محاولة اغتيال النبي (صلى الله عليه وآله) في العقبة (5). وشارك في الهجوم على بيت فاطمة (عليها السلام). وشارك في محاولة اغتيال فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله) (6) وبعد مقتل عمر بن الخطاب خير علي بن أبي طالب (عليه السلام) يوم الشورى بين مبايعة عثمان وبين القتل (7).
(هامش)
(1) كان كفار قريش يكنون النبي (صلى الله عليه وآله) ابن كبشة. (2) المستطرف 2 / 260، جامع البيان 2 / 211. (3) مختصر تاريخ دمشق، ابن عساكر 4 / 76 طبعة دار الفكر - دمشق. (4) مختصر تاريخ دمشق 4 / 76، البداية والنهاية، ابن كثير 3 / 350 طبعة دار إحياء التراث - بيروت. (5) منتخب التواريخ، محمد هاشم الخراساني ص 63، إرشاد القلوب، الديلمي ص 332. (6) شرح نهج البلاغة، المعتزلي 6 / 48، البداية والنهاية 5 / 250، 5 / 270، سير أعلام النبلاء ص 26. (7) الكامل في التاريخ 3 / 71. (*)
وسار ضرار بن الخطاب الفهري على خطى سلفه من أفراد حزب قريش، فدخل في الإسلام كذبا، واستمر في معاصيه وجرائمه وبقي شاربا للخمر محلا لها حتى مماته محتجا بهذه الآية: { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا، إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات } (1). وأسلم أبو سفيان لكنه انهزم بطلقاء مكة في معركة حنين، متسببا في هزيمة عظمى لجيوش المسلمين، ففرح وقال: لا تنتهي هزيمتهم دون البحر (2). وشارك في محاولة اغتيال النبي (صلى الله عليه وآله) في العقبة (3). وقال قبل مماته في زمن خلافة عثمان بن عفان الأموي: والذي يحلف به أبو سفيان ما من جنة ولا نار (4). وقد لعن النبي (صلى الله عليه وآله) أبا سفيان في سبعة مواطن (5). والذي يريد أن يفهم نظرة أفراد الحزب القرشي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فليعرف نظرة الأمويين له، لأن الأمويين هم قلب الحزب القرشي: كتب الحجاج إلى عبد الملك بن مروان: إن خليفة الرجل في أهله أكرم عليه من رسوله إليهم، وكذلك الخلفاء يا أمير المؤمنين أعلى منزلة
(هامش)
(1) السيرة الحلبية، الحلبي 2 / 331، المائدة: 93. (2) الكامل في التاريخ، ابن الأثير 2 / 263. (3) شرح النهج، المعتزلي 2 / 103، منتخب التواريخ ص 63، نظريات الخليفتين، نجاح الطائي 2 / 133. (4) مروج الذهب، المسعودي 1 / 440، العثمانية، الجاحظ ص 23. (5) شرح نهج البلاغة، المعتزلي 2 / 102، 3 / 79، أسد الغابة 3 / 116. (*)
من المرسلين (1). وقال: إن خبر السماء لم ينقطع عن الخليفة (2). ففرح عبد الملك بن مروان بهذا الخطاب فتغاضى عن مساوئ الحجاج وولاه الحجاز، وهكذا يفعل الزعماء مع مادحيهم والمغالين في تعظيمهم! وقال خالد القسري: والله لأمير المؤمنين أكرم على الله من أنبيائه (عليهم السلام) (3). فسار ملوك بني أمية وبني العباس على تلك الخطى، وتبعهم ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب الذي قال: عصاي هذه خير من محمد لأنه ينتفع بها في قتل الحية والعقرب ونحوها، ومحمد قد مات ولم يبق فيه نفع، وإنما هو طارش (4).
متى سم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولماذا؟

معرفة زمن اغتيال النبي (صلى الله عليه وآله) مهم جدا، للاطلاع على حقيقة الأحداث وتتابعها.
(هامش)
(1) العقد الفريد 2 / 354، 5 / 51 - 52، تهذيب تاريخ دمشق 4 / 72، البداية والنهاية 19 / 131، نهج الصباغة 5 / 317. (2) تهذيب تاريخ دمشق 4 / 72. (3) الأغاني 19 / 60، تهذيب تاريخ دمشق 5 / 82. (4) كشف الارتياب ص 139 عن خلاصة الكلام ص 230. (*)
روى الواقدي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أمر بالحملة إلى الشام بقيادة أسامة بن زيد في تاريخ ثلاث بقين من صفر، وتوفي يوم الاثنين لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول، فيكون عصيان حملة أسامة قد استمر أسبوعين من الزمن (1). ولقد قال صاحب الطبقات الكبرى: عقد (صلى الله عليه وآله) لأسامة لواءا بيده ثم قال: اغز بسم الله في سبيل الله، فقاتل من كفر بالله، فخرج وعسكر بالجرف، فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين الأولين والأنصار إلا انتدب في تلك الغزوة، فيهم أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وغيره (2). فعندما أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بحملة أسامة، وحدد وقتا لعقد لواء الحرب، وعين المأمورين فيها، وفيهم وجوه قريش سموه! قال ابن سعد: لما كان يوم الأربعاء بدأ برسول الله (صلى الله عليه وآله) المرض فحم وصدع، فلما أصبح يوم الخميس عقد لأسامة لواءا بيده (3). أي أنهم سموه بعد أمره بحملة أسامة في الزمن الواقع بين أمره بالحملة، وحركة الجيش إلى الشام! وكان الرسول (صلى الله عليه وآله) قد أمر بحملة أسامة إلى الشام يوم الاثنين وسم يوم الأربعاء (4)، وعقد اللواء لأسامة
(هامش)
(1) المغازي، الواقدي 1 / 126. (2) الطبقات الكبرى، ابن سعد 2 / 249. (3) الطبقات الكبرى، ابن سعد 2 / 249. (4) الطبقات الكبرى، ابن سعد 2 / 190، 200، 205، 272. (*)
يوم الخميس. فبقي أسبوعين يصر على إرسال حملة أسامة، واستمر مرضه ثلاث عشرة ليلة (1). وقال ابن سيد الناس: أمر النبي (صلى الله عليه وآله) بحملة أسامة يوم الاثنين، فلما كان يوم الأربعاء بدأ برسول الله (صلى الله عليه وآله) وجعه فحم وصدع (2). إن الحزب القرشي قد عرف هدف الرسول (صلى الله عليه وآله) من تلك الحملة، التي وضع فيها وجوه عصبة قريش وهم أبو بكر وعمر وعثمان وابن الجراح وابن عوف ومعاوية وابن العاص وخالد بن الوليد وأبو سفيان وسعد بن أبي وقاص وطلحة، هذا أولا. وثانيا: كان مقصد الحملة بلاد الشام وهي بلاد بعيدة عن المدينة تحتاج إلى فترة طويلة للذهاب والعودة. وثالثا: كان المطلوب من رجال الحملة محاربة الروم في بلاد الشام، وكان العرب يتخوفون من محاربة تلك القوة العظمى في ذلك الزمن. فلقد خافوا محاربة الروم في معركة تبوك والنبي (صلى الله عليه وآله) معهم. ورابعا: كان النبي (صلى الله عليه وآله) قد عين عليا (عليه السلام) وصيا له في الغدير أي في تلك الفترة الزمنية. وخامسا: لقد أخبر الرسول (صلى الله عليه وآله) عن وفاته القريبة وهذا يعني
(هامش)
(1) أنساب الأشراف 1 / 568، سيرة ابن هشام ص 1020، الطبقات الكبرى، ابن سعد 2 / 206. (2) عيون الأثر، ابن سيد الناس 2 / 281. (*)
ذهاب الخلافة إلى علي بن أبي طالب 7 الذي بايعه النبي 9 في غدير خم. لهذه الأسباب خططت قريش للتخلص من الرسول (صلى الله عليه وآله) بشكل سري لئلا يفتضحوا.
من أيد موت النبي (صلى الله عليه وآله) بالسم

لقد أيدت كتب الحديث والسيرة موت رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالسم، وذكرت ذلك بأحاديث متواترة: قال ابن سعد: جاء في رواية: ومات مسموما وله ثلاث وستون سنة. هذا قول ابن عبدة (1). وقال الشيخ المفيد: وقبض (صلى الله عليه وآله) بالمدينة مسموما يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر سنة عشر من هجرته، وهو ابن ثلاث وستين سنة (2). وذكر العلامة الحلي شهادة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالسم (3). وجاء في كتاب جامع الرواة: وقبض (صلى الله عليه وآله) بالمدينة مسموما (4). وقال الشيخ الطوسي: قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) مسموما لليلتين بقيتا من
(هامش)
(1) المجدي في الأنساب، محمد بن محمد العلوي ص 6. (2) المقنعة، الشيخ المفيد ص 456، منتهى المطلب، الحلي 2 / 887. (3) منتهى المطلب، الحلي 2 / 887. (4) جامع الرواة، محمد علي الأردبيلي 2 / 463. (*)
صفر سنة عشر من الهجرة (1). وقال المجلسي: سنة إحدى عشرة. ومن أدلة شهادته (صلى الله عليه وآله): دخل في قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) علي بن أبي طالب (عليه السلام) والفضل وأسامة فقال رجل من الأنصار يقال له ابن خولي: قد علمتم أني كنت أدخل قبور الشهداء، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) أفضل الشهداء فأدخل معهم؟ (2) وقال البيهقي: أنبأنا الحاكم، أنبأنا الأصم، أنبأنا أحمد بن عبد الجبار عن أبي معن عن الأعمش عن عبد الله بن نمرة عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود قال: لئن أحلف تسعا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قتل قتلا أحب إلي من أن أحلف واحدة أنه لم يقتل، وذلك إن الله اتخذه نبيا واتخذه شهيدا (3). وأيد الحاكم في كتابه المستدرك على الصحيحين مقتل الرسول (صلى الله عليه وآله) ومقتل أبي بكر بالسم. إذ جاء: قال الشعبي: والله لقد سم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسم أبو بكر الصديق وقتل عمر بن الخطاب صبرا وقتل عثمان بن عفان صبرا وقتل علي بن أبي طالب صبرا وسم الحسن بن علي وقتل الحسين (4).
(هامش)
(1) تهذيب الأحكام 6 / 1، البحار، المجلسي 22 / 514. (2) أنساب الأشراف 1 / 576. (3) السيرة النبوية، ابن كثير الدمشقي 4 / 449. (4) مستدرك الحاكم 3 / 60، ح 4395 / 99 باب المغازي والسرايا، طبعة دار الكتب العلمية - بيروت. (*)
لقد أقسم الشعبي بالله العظيم لإثبات اغتيال النبي (صلى الله عليه وآله) وأبي بكر. وقسمه المذكور فيه معنى! وقال الرسول (صلى الله عليه وآله): ما من نبي أو وصي إلا شهيد (1). وقال (صلى الله عليه وآله): ما منا إلا مسموم أو مقتول (2). وبعدما ثبت اغتيال رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالسم بعد تعيينه عليا (عليه السلام) خليفة وتجنيده أفراد حزب قريش لحرب الروم حاولت السلطات ذر الرماد في العيون وإبعاد الأنظار عن مشاركتها في قتله، وذلك بإرجاع سبب قتله إلى سم خيبر! ولا يعتقد عاقل بهذه الحجة الواهية لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قتل في سنة 11 هجرية وحادثة خيبر في سنة 7 هجرية. من قتل رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ جاء في روايتي البخاري ومسلم عن عائشة: لددنا (3) رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مرضه، فجعل يشير إلينا أن لا تلدوني.
(هامش)
(1) بصائر الدرجات ص 148، بحار الأنوار 17 / 405، 40 / 139. (2) كفاية الأثر، الخزاز القمي ص 162، وسائل الشيعة 14 / 2، 14 / 18، البحار، المجلسي 45 / 1، من لا يحضره الفقيه 4 / 17. (3) راجع صفحة 89 هامش 1. (*)
قلنا: كراهية المريض الدواء. فقال (صلى الله عليه وآله): لا يبقى في البيت أحد إلا لد، وأنا أنظر إلا عمي العباس فإنه لم يشهدكم (1). وجاء عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام): لا يقتل الأنبياء وأولاد الأنبياء إلا أولاد الزنا (2). وجاء عن عبد الصمد بن بشير عن أبي عبد الله (الصادق) (عليه السلام) قال: تدرون مات النبي (صلى الله عليه وآله) أو قتل إن الله يقول: { أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم } (3). فسم قبل الموت إنهما سقتاه (4). وتشير هذه الرواية إلى أن عائشة وحفصة سقتاه السم وقتلتاه. وجاء في رواية: عائشة وحفصة سقتاه (سما) (5). وقال المجلسي: يحتمل أن يكون كلا السمين دخيلين في شهادته (6). ويقصد المجلسي بالسمين سم خيبر والسم الثاني الذي سقوه في
(هامش)
(1) سنن البخاري 7 / 17، 8 / 40، سنن مسلم 7 / 24، 194. (2) العلل ص 31، البحار، المجلسي 27 / 240، كامل الزيارة ص 78، قصص الأنبياء (مخطوط). (3) النساء: 144. (4) تفسير العياشي 1 / 200، البحار، المجلسي 22 / 516، 28 / 21. (5) البحار، المجلسي 22 / 516. (6) البحار، المجلسي 22 / 516، وقد ذكرنا بأن سم خيبر كان قديما قبل خمس سنوات، وكان النبي (صلى الله عليه وآله) لم يأكل طعام خيبر. (*)
أواخر أيامه في الدنيا. وقد ذكرنا بأن السم الثاني هو الذي قتله، ولا أثر للسم الأول في ذلك لأن السم الأول كان في سنة 7 هجرية في فتح خيبر بينما قتل الرسول (صلى الله عليه وآله) في سنة 11 هجرية. وثانيا أن النبي (صلى الله عليه وآله) عرف بمسمومية الطعام بواسطة جبريل فلم يأكله. وفي الحادثة الثانية جرعوا النبي (صلى الله عليه وآله) السم كرها، فدخل في جوفه وقتله! وذكرت عائشة بعد سم النبي أنه (صلى الله عليه وآله) قال لها: ويحها لو تستطيع ما فعلت (1). وهذا اعتراف من عائشة بارتكابها فعلا شنيعا بحق رسول الله (صلى الله عليه وآله) بذلك. وجاء في رواية في البحار باجتماع الأربعة على سمه (2).
عدة روايات في لد النبي (صلى الله عليه وآله)

جاء عن عائشة: لددنا (3) رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مرضه.
(هامش)
(1) الطبقات، ابن سعد 2 / 203 طبعة دار صادر، بيروت. (2) البحار، المجلسي 22 / 239، 246 طبعة دار إحياء التراث العربي، ويقصد بالأربعة أبي بكر وعمر وعائشة وحفصة. (3) قال أبو عبيد عن الأصمعي: اللدود ما يسقى الإنسان في أحد شقي الفم، الطب النبوي، ابن القيم الجوزي 1 / 66. ولدد: اللدود: هو بالفتح من الأدوية ما يسقاه المريض * كنز العمال، المتقي الهندي 7 / 268. اللد: فعلك باللدود حين تلد به، وهو الدواء يوجر في أحد شقي الفم، وتقول: لددته ألده لدا والجمع الدة * كتاب العين، الخليل الفراهيدي 8 / 9. (*)
فقال (صلى الله عليه وآله): لا تلدوني. فقلنا: كراهية المريض الدواء. فلما أفاق (صلى الله عليه وآله) قال: لا يبقى منكم أحد إلا لد غير العباس فإنه لم يشهدكم (1). وعن عائشة: قالت: لددنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مرضه فجعل يشير إلينا أن لا تلدوني. قلنا: كراهية المريض الدواء. فقال: لا يبقى أحد في البيت إلا لد، وأنا أنظر إلا العباس فإنه لم يشهدكم (2). قال البخاري: ورواه ابن أبي الزناد عن هشام عن أبيه عن عائشة (3). وقال السندي في شرح البخاري: معنى قوله: لا يبقى في البيت أحد إلا لد عقوبة لهم بتركهم امتثال نهيه عن ذلك (4).
(هامش)
(1) تاريخ الطبري 2 / 438. (2) تاريخ الطبري 2 / 438. (3) السيرة النبوية، ابن كثير الدمشقي 4 / 449، مسند أحمد 6 / 53، صحيح البخاري 7 / 17، 8 / 40، صحيح مسلم 7 / 24، 198. (4) كتاب صحيح البخاري، شرح السندي 3 / 95. (*)
وجاء: فلدوه وهو مغمور (1)، فلما أفاق (صلى الله عليه وآله) قال: من فعل بي هذا، هذا من عمل نساء جئن من ها هنا، وأشار بيده إلى أرض الحبشة (2). وهذا اعتراف من رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأنه سقي سما بالطريقة التي تسقي بها نساء الحبشة رجالها. وسم الحبشة مشهور ومعروف. وكان البعض فيها مختص في السحر والشعوذة والسموم، وانتقامهم من سفير قريش عمارة بن الوليد بن المغيرة الذي خان ملك الحبشة في زوجته يبين ذلك. إذ نفخوا في إحليله وتركوه هائما مع الحيوانات الوحشية هناك (3). وجاء: إنا لنرى برسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات الجنب فهلموا فلنلده، فلدوه. فأفاق رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: من فعل هذا؟ فقالوا: عمك العباس تخوف أن يكون بك ذات الجنب. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنها من الشيطان، وما كان الله ليسلطه علي، لا يبقى في البيت أحد إلا لددتموه إلا عمي العباس، فلد أهل البيت كلهم (4). أي أنكر الرسول (صلى الله عليه وآله) اشتراك العباس في ذلك، هذا أولا. وثانيا: وصف ذلك الفعل بالشيطاني.
(هامش)
(1) المغمور: المقهور، أقرب الموارد 2 / 886. (2) الطب النبوي، ابن الجوزي 1 / 66. (3) نسب قريش ص 322. (4) معجم ما استعجم، عبد الله الأندلسي ص 142. (*)
تحذير النبي (صلى الله عليه وآله) الحاضرين من لده

لقد منع رسول الله (صلى الله عليه وآله) الحاضرين في منزله من لده إذ روت عائشة عنه أنه (صلى الله عليه وآله) قال: لا تلدوني (1). وكان أمره (صلى الله عليه وآله) بعدم لده قبل سقيهم له ثم قال (صلى الله عليه وآله) بعد ذلك لهم: ألم أنهكم أن لا تلدوني (2). فالنهي النبوي بعدم سقيه دواء واضح لا لبس فيه، ولأنه (صلى الله عليه وآله) عالم بأنهم يريدون أن يفعلوا فعلا ظالما وخطيرا. وبعدما سقوه ما أرادوا أن يسقوه، رغما عليه (صلى الله عليه وآله) وبخهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) على فعلهم. إن مخالفة الجماعة لأوامره ونواهيه (صلى الله عليه وآله) لا يختلف عليها اثنان، فهم الذين خالفوا أوامره ونواهيه وخاصة في الأسبوعين الأخيرين من حياته (صلى الله عليه وآله) في هذه الدنيا. وتجسدت معارضتهم له في مخالفتهم لأمره بانضمامهم في حملة أسامة بن زيد. وتجسد أيضا في مخالفتهم لأوامره (صلى الله عليه وآله) بالمجئ بصحيفة ودواة لكتابة وصيته الشريفة.
(هامش)
(1) سنن البخاري 7 / 17، 8 / 40، سنن مسلم 7 / 24، 198، تاريخ الطبري 2 / 438، مسند أحمد 6 / 53. (2) الطب النبوي، ابن القيم الجوزي 1 / 66. (*)
وتثبت أيضا في اتهامهم له بأنه (صلى الله عليه وآله) يهجر. واغتصابهم للسلطة. ومجموع تلك المخالفات من قبل الحزب القرشي ومن اتبعهم يثبت إصرارهم وتخطيطهم لقتل رسول الله (صلى الله عليه وآله) والاستحواذ على السلطة. وقد وصل إلى هذه النتيجة العلماء والمحققون.
كيف اغتيل النبي (صلى الله عليه وآله)

هناك شواهد وأدلة تشير إلى أن الحاضرين قد لدوا النبي (صلى الله عليه وآله) أثناء نومه، إذ قالت عائشة: لددنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مرضه، فجعل يشير إلينا أن لا تلدوني (1). وهناك رواية أخرى من طريق عائشة يشير إلى منعه (صلى الله عليه وآله) إياهم من سقيه بالإشارة (2). أي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) منعهم من سقيه شرابا بالقول (صلى الله عليه وآله)، ولما سقوه رغما عنه، أعاد عليهم تكرار نهيه بالإشارة (باليد)، لعدم تمكنه من النطق؟! ولكن لم ينفع معهم ذلك!
(هامش)
(1) صحيح البخاري 7 / 17، 8 / 40، صحيح مسلم 4 / 1733 طبع دار التراث العربي - بيروت، السيرة النبوية، ابن كثير الدمشقي 4 / 449، مسند أحمد بن حنبل 6 / 53. واللد هو: سقي المريض دواءا. (2) السيرة النبوية، ابن كثير الدمشقي 4 / 449، مسند أحمد بن حنبل 6 / 53، سنن مسلم 7 / 24، 198. (*)
والظاهر من رواية لدهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونهيه عن ذلك بالإشارة، أنهم لدوه أثناء نومه، وبواسطة عصبة من الناس، ولما استيقظ في أثناء ذلك - وكانوا قد سقوه الدواء - لم يتمكن من دفعهم. فاكتفى بالإشارة إلى ذلك كما جاء في الرواية. وكان النبي (صلى الله عليه وآله) قد منع من لده، فسمع الحاضرون ذلك، فامتنعوا من لده في يقظته انتظارا لنومه. ولما نام رسول الله (صلى الله عليه وآله) سقوه ما أرادوا أثناء نومه رغما عنه إذ جاء: فلما أفاق (صلى الله عليه وآله) (1). وجاء: فلدوه وهو مغمور، فلما أفاق (صلى الله عليه وآله) قال:... (2). فهل كان رسول البشرية وخاتم الأنبياء لا يعرف فائدة الدواء، وتلك المجموعة تعرف ذلك؟ وهل كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يتحسس مصلحته والآخرون يتحسسون ذلك؟ طبعا كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أدرك لمصلحته ومصلحة أمته من غيره، وأكثر علما بفائدة الدواء من غيره، ولكنه عالم بأن تلك العصبة لا تريد حياته، فذكريات حملة أولئك عليه في العقبة (3) ما زالت عالقة في ذهنه. فهل يعقل أنهم خططوا لاغتياله في سنة 9 هجرية ويريدون اليوم
(هامش)
(1) تاريخ الطبري 2 / 438، الطب النبوي، ابن القيم الجوزي 1 / 66. (2) الطب النبوي، ابن القيم الجوزي 1 / 66. (3) المحلى، ابن حزم الأندلسي 11 / 225. (*)
إطالة عمره! وقد قالوا له في ذلك التاريخ: إنه يهجر (1). الأقرب للذهن السليم أن جماعة العقبة لم تكن لتلده وتسقيه إلا سما قاتلا ينهي حياته، ويمكنها من إنجاز مخططها في الوصول إلى سدة الرئاسة. وكذلك انحرف النصارى عن عيسى (عليه السلام) إذ جاء: لما أراد الله تعالى أن يرفع عيسى إلى السماء خرج على أصحابه وفي البيت اثنا عشر رجلا من الحواريين، فخرج عليهم من عين في البيت يقطر ماءا، فقال: إن منكم من يكفر بي اثنتي عشرة مرة، بعد أن آمن بي. ثم قال: أيكم يلقى عليه شبهي فيقتل مكاني ويكون معي في درجتي؟ فقام شاب من أحدثهم سنا فقال له: اجلس. ثم أعاد عليهم، فقام ذلك الشاب فقال: أنا. فقال: اجلس، ثم أعاد عليهم، فقام الشاب فقال: أنا. فقال: هو أنت ذاك فألقى عليه شبه عيسى، ورفع عيسى من روزنة في البيت إلى السماء. قال: وجاء الطلب من اليهود فأخذوا الشبه فقتلوه ثم صلبوه، فكفر به بعضهم اثنتي عشرة مرة بعد أن آمن به، وافترقوا ثلاث فرق (2).
(هامش)
(1) صحيح البخاري، باب قول المريض قوموا عني 7 / 9 صحيح مسلم، آخر كتاب الوصية 5 / 75. (2) تفسير ابن كثير 1 / 910 - 911 طبع دار إحياء التراث العربي - بيروت. (*)
اتهام قريش للعباس بلد النبي (صلى الله عليه وآله)

بعدما لدوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) رغما عنه قال (صلى الله عليه وآله): من فعل هذا؟ فقالوا: عمك العباس (1). أي إنهم أنكروا فعلهم القبيح وألقوا بتبعة عملهم على العباس عم النبي (صلى الله عليه وآله) إلا أن ذلك لم يخف على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، الذي برأ ساحة العباس من ذلك الفعل واتهمهم بالخطيئة. واتهامهم للعباس بالفعل يدل على كون فعلهم عدوانيا وشيطانيا وإلا فليس هناك داع للفرار من فعل جيد هدفه المنفعة، ويعضد هذا الرأي ويسنده وصف رسول الله (صلى الله عليه وآله) لفعلهم بالشيطاني! (2) وتبرئة رسول الله (صلى الله عليه وآله) عمه العباس من الذنب كان واضحا وبينا لا يشوبه شائبة إذ قال (صلى الله عليه وآله): لا يبقى أحد في البيت إلا لد إلا عمي، هكذا أخرجه ابن إسحاق (3). لا يبقى أحد منكم إلا لد غير العباس فإنه لم يشهدكم (4). فالعباس لم يكن أصلا في منزل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فكيف يتهم بارتكاب
(هامش)
(1) معجم ما استعجم، عبد الله الأندلسي 142. (2) المصدر السابق. (3) ذخائر العقبى، أحمد الطبري ص 192. (4) تاريخ الطبري 2 / 438، صحيح البخاري 7 / 17، 8 / 40، صحيح مسلم 4 / 1733 طبع دار إحياء التراث العربي - بيروت. (*)
ذلك الفعل القبيح. وجاء بأن الذي اتهم العباس بلد النبي (صلى الله عليه وآله) هي عائشة (1). وفي رواية إنهم جميعا قالوا: عمك العباس (2). فيتوضح من ذلك بأنهم سقوا الرسول (صلى الله عليه وآله) سما، والسم يشترك مع الدواء في طعمهما المر، ثم أنكروا ذلك، وقالوا بأن العباس سقاه فاجتمع في الحديث ما يلي: معرفة النبي (صلى الله عليه وآله) بنية الجماعة في قتله، فحذرهم من سقيه شرابا. إقدام الجماعة على سقي النبي (صلى الله عليه وآله) شرابا قسرا وبالإكراه في أثناء نومه. قيام الجماعة بإلقاء تبعة سقي النبي (صلى الله عليه وآله) شرابا على العباس. موت رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد ذلك الحادث. لماذا لم يشترك أرحام الرسول (صلى الله عليه وآله) في لده؟ الأقرب إلى الصواب والحكمة أن الجماعة لو كانوا يريدون برسول الله (صلى الله عليه وآله) خيرا لأشركوا أرحامه في سقيه، وأقرب منزل إلى مسكن عائشة هو منزل فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) لكنهما لم يشتركا. ولم يشترك في لده العباس وأولاده وبقية ولد أبي طالب وغيرهم من بني هاشم.
(هامش)
(1) السيرة النبوية، ابن كثير 4 / 446. (2) معجم ما استعجم، عبد الله الأندلسي ص 142. (*)
فهم لم يخبروا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأرحامه بخطتهم في سقي النبي (صلى الله عليه وآله) شرابهم المزعوم. فهل هناك سنة جارية بأن أهل المريض وأرحامه لا يحبون له شرب الدواء، وهل يعقل أن بني هاشم جميعا لا يحبون شرب الدواء ولا يعرفون منفعته. ومما يثير الشكوك حول خططهم العدوانية أنهم لم يشركوا أرحام رسول الله (صلى الله عليه وآله) في خطتهم ثم ألقوا بتبعة فعلهم عليهم! فعندما سألهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) من فعل هذا؟ قالوا: عمك العباس (1). والصحيح أن الرسول (صلى الله عليه وآله) رآهم أثناء سقيهم له الدواء بالاكراه ومنعهم من ذلك بالإشارة ولكنهم تمكنوا من إنجاز عملهم والوصول إلى هدفهم. والملاحظ بأن دهاة قريش قد استطاعوا الوصول إلى غايتهم في قتل رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد فشل اليهود في ذلك. وكانت العقبة الرئيسة في ذلك هي اطلاع ومعرفة الرسول (صلى الله عليه وآله) بالطعام المسموم من خلال نطق الطعام بذلك مثلما حدث في خيبر، إذ نطقت الشاة المسمومة وأخبرته بأنها مسمومة (2). فعرف شياطين قريش بأن السم لا يدخل جوف النبي إلا بالاكراه، فخططوا لذلك تخطيطا دقيقا، مثلما خططوا للسقيفة، ونجحوا في أمرهم.
(هامش)
(1) معجم ما استعجم، عبد الله الأندلسي ص 142. (2) العثمانية، الجاحظ ص 55، الطبقات، ابن سعد 2 / 202. (*)
إذ سقوا النبي (صلى الله عليه وآله) سما (على أنه دواء) في أثناء مرضه وبالإكراه! ولحكمه الله تعالى فقد أبطل سبحانه محاولات الاغتيال السابقة، وأجاز هذه المحاولة في حق الرسول (صلى الله عليه وآله) التي جاءت بعد إتمامه لتبليغ الرسالة وقوله سبحانه: { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } (1). كان الفاعل مجموعة من الناس عند ملاحظة الروايات المتعلقة بالموضوع نفهم أن القائمين بلد (سقي) رسول الله (صلى الله عليه وآله) في منامه كانوا مجموعة من الناس، إذ قالت عائشة: لددنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مرضه فقال (صلى الله عليه وآله): لا تلدوني (2). ويدل على كونهم مجموعة أن النبي (صلى الله عليه وآله) لما أحس بسقيهم له، واستيقظ من منامه لم يتمكن من دفعهم عنه فاكتفى بالإشارة إلى نهيه إياهم عن ذلك (3). ودفع النبي (صلى الله عليه وآله) لهم لا يجدي أيضا لأنهم كانوا قد سقوه السم فعلا. وقال (صلى الله عليه وآله) لهم: ألم أنهكم وهذا يشير أيضا إلى كونهم جماعة (4).
(هامش)
(1) المائدة: 3. (2) سنن البخاري 7 / 17، 8 / 40، سنن مسلم 7 / 24، 198، تاريخ الطبري 2 / 438. (3) السيرة النبوية، ابن كثير الدمشقي 4 / 449، مسند أحمد بن حنبل 6 / 53، سنن مسلم 7 / 24، 198. (4) الطب النبوي، ابن الجوزي 1 / 66. (*)
حمى وآلام السموم

من المعروف أن دخول السم إلى جسم الإنسان يتسبب في رفع درجة حرارة البدن ارتفاعا خطيرا تشكل آلاما مبرحة وصداعا عنيفا لا يطاق. وهذه الأعراض المرضية لاحظناها فيمن سم من الناس مثل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأبي بكر (1). ذكر ابن سعد: فلما كان يوم الأربعاء بدأ برسول الله (صلى الله عليه وآله) المرض فحم وصدع (2). وذكر الطبراني والهيثمي بأن النبي (صلى الله عليه وآله) احتجم بعدما حم (3). أي رغب الرسول (صلى الله عليه وآله) في رفع تلك الحمى العالية بالحجامة. وقال ابن سيد الناس: أمر النبي (صلى الله عليه وآله) بحملة أسامة يوم الاثنين، فلما كان يوم الأربعاء بدأ برسول الله (صلى الله عليه وآله) وجعه فحم وصدع (4). ولما دخل أبو سعيد الخدري على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعليه قطيفة وضع يده عليه فوجد حرارتها فوق القطيفة، فقال: ما أشد حماك؟ (5)
(هامش)
(1) الكامل في التاريخ، ابن الأثير 2 / 418 - 419 طبعة دار صادر - بيروت. (2) الطبقات الكبرى، ابن سعد 2 / 249. (3) مجمع الزوائد 5 / 92. (4) عيون الأثر، ابن سيد الناس 2 / 281. (5) الطبقات ابن سعد 2 / 208. (*)
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعائشة: بل أنا وارأساه، ثم رجع إلى بيت ميمونة، فاشتد وجعه (1). وقالت عائشة: ما رأيت أحدا كان أشد عليه الوجع من رسول الله (2). وكانوا قد سألوا النبي (صلى الله عليه وآله): من أشد الناس بلاء؟ قال (صلى الله عليه وآله): النبيون ثم الأمثل فالأمثل (3).
محاولة الرسول (صلى الله عليه وآله) الانتقام من المذنبين وتصوير فعلهم بالشيطاني

وبعدما لدوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو نائم حاول النبي (صلى الله عليه وآله) الانتقام منهم، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا يبقى منكم أحد إلا لد (4). وقال السندي في شرح البخاري: معنى قوله (صلى الله عليه وآله): لا يبقى في البيت أحد إلا لد عقوبة لهم بتركهم امتثال نهيه عن ذلك (5). وصور رسول الله (صلى الله عليه وآله) فعلهم بالشيطاني، وهذه قمة الإشارة إلى فعلهم العدواني قائلا (صلى الله عليه وآله): إنها من الشيطان (6).
(هامش)
(1) الطبقات الكبرى، ابن سعد 2 / 206. (2) الطبقات، ابن سعد 2 / 207. (3) الطبقات 2 / 209، 210. (4) ذخائر العقبى، أحمد الطبري ص 192، البداية والنهاية، ابن كثير 5 / 245، تاريخ الطبري 2 / 438. (5) كتاب البخاري، شرح السندي 3 / 95. (6) البداية والنهاية، ابن كثير 5 / 245. (*)
لماذا لم يخبر النبي (صلى الله عليه وآله) عن قاتله؟

لقد سار رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسبطه الحسن بن علي (عليه السلام) على نهج واحد في عدم الكشف عن قاتلهما، كما لم يخبر (صلى الله عليه وآله) أحدا بأسماء المنافقين الذين حاولوا قتله في العقبة غير حذيفة بن اليمان. فيقال: إن الحسن سقي ثم أفلت ثم سقي فأفلت، ثم كانت الآخرة التي توفي فيها، فلما حضرته الوفاة قال الطبيب وهو يختلف إليه: هذا رجل قد قطع السم أمعاءه. فقال الحسين: يا أبا محمد: أخبرني من سقاك؟ قال: ولم يا أخي؟ قال: أقتله والله قبل أن أدفنك، وإلا أقدر عليه، أو يكمن بأرض أتكلف الشخوص إليه. فقال: يا أخي إنما هذه الدنيا ليال فانية، دعه حتى ألتقي أنا وهو عند الله، فأبى أن يسميه. قال: وقد سمعت بعض من يقول: كان معاوية قد تلطف لبعض خدمه أن يسقيه سما (1).
(هامش)
(1) تهذيب الكمال، المزي 6 / 252. (*)
وعدم الكشف عن قاتله في وقته حكمة من حكم الأنبياء والأوصياء، متعلقة بذلك الزمن. وبعد مرور 1400 سنة على ذلك، نرى من الواجب علينا الكشف عن قاتله والفحص عنه لنصل إلى حقيقة علاقة بعض الصحابة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وللكشف عن حوادث أخرى لها علاقة متينة مع هذا الحادث الخطير. ومن غير المنطقي إيقاع الناس في الشبهة بتصوير قاتل رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه حبيبه فتضيع على المسلمين الحقائق المسلمة.
لماذا ألقوا بتبعة موت الرسول (صلى الله عليه وآله) على سم خيبر؟

لقد أجمعت النصوص على مقتل رسول الله (صلى الله عليه وآله) مسموما، وذكر الصحابة الأجلاء مقتله بالسم، وشاهد المسلمون آثار السم على وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبدنه، وظهرت أعراض السم على رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبل وفاته، والمتمثلة بحمى عالية وآلام مبرحة لا تطاق ثم موت سريع. ولأجل ذلك لم يتمكن رجال السلطة الذين سموا رسول الله (صلى الله عليه وآله) من تفنيد ذلك، لأجل الشواهد الكثيرة المسلم بها، فأجمعوا على تصديق الناس في ذلك وتأييد تلك الظواهر، ولكن حرفوا القضية بشكل ماهر، وذلك بإلقاء تبعة الأمر على سم خيبر! وهذا التفسير القرشي لتلك العملية الخطيرة وراءه دهاة قريش، الذين شرحوا الأحداث التي افتعلوها بشكل تنبهر له العقول، وتدهش له الأذهان.
لذلك جاء في الرواية المزيفة: اليهود سموه (صلى الله عليه وآله) في خيبر (1). بينما الحقيقة تنص على إخبار الله سبحانه وتعالى رسوله بذلك فامتنع عن الأكل. وهذا يشير إلى دلائل النبوة أولا وزيف روايات الحزب الأموي. إن أعراض السم لم تظهر على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في السنوات التالية لحادثة خيبر، فكيف يموت بذلك السم القديم. وثانيا: كيف يموت بسم قديم لم يأكله! إذن أكل الرسول (صلى الله عليه وآله) السم مرة واحدة في حياته بيد رجال الحزب القرشي ومات بسبب ذلك.
اغتيالات في أسبوع واحد

من الأحداث الخطيرة التي وقعت في تاريخ السيرة النبوية هي مقتل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وابنته في أسبوع واحد: لقد قتل رسول الله (صلى الله عليه وآله) في يوم الاثنين 28 / صفر / 11 هجرية (2).
(هامش)
(1) تاريخ الطبري 2 / 303، المغتالين من الأشراف، محمد بن حبيب ص 148. (2) لقد اختلفوا في تاريخ موت النبي (صلى الله عليه وآله): قال ابن شهر آشوب في المناقب إنه توفي في تاريخ 2 / صفر / 11 ه‍. وقال ابن حزم وابن الجوزي في: 21 / صفر / 11 ه‍. وقال المجلسي 28 / صفر / 11 ه‍. وقال الثعلبي في تفسيره 2 / ربيع الأول / 11 ه‍. وقال ابن شهاب الزهري والواقدي والكليني (أصول الكافي 1 / 439) والمسعودي: 12 / ربيع الأول / 11 ه‍. وقال الطبري: 13 / ربيع الأول / 11 ه‍، تاريخ الطبري 2 / 455. (*)

ثم حصل الهجوم على بيت فاطمة الزهراء بنت محمد (صلى الله عليه وآله) في يوم الأربعاء بعد بيعة أبي بكر العامة، وقد جاء في رواية الهجوم: إنهم كانوا يحملون نارا وحطبا (1). ثم أعلن أبو بكر عن ندمه على الهجوم على مسكن فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله) (2). وشدة الهجوم على بيت فاطمة (عليها السلام) وسعته وحدته يفصح عن شدة حقد الحزب القرشي على رسول الله (صلى الله عليه وآله). ومن جملة آثار حقد عصبة قريش على النبي (صلى الله عليه وآله) اتهامهم له في نسبه وهم في المسجد النبوي، فأخبر الله سبحانه وتعالى نبيه بذلك بواسطة جبرائيل، فغضب عليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ووبخهم، فاعتذر عمر لذلك وكرر قول الشهادة رغم مرور سنين عديدة على دخوله الإسلام (3).
(هامش)
(1) تاريخ أبي الفداء 1 / 164، العقد الفريد، ابن عبد ربه 4 / 259، تاريخ الطبري 3 / 198، أنساب الأشراف، البلاذري 1 / 586. (2) لسان الميزان 8 / 189 في ترجمة علوان، طبع دار المعرفة، بيروت، تاريخ اليعقوبي 2 / 137، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 6 / 51، الإمامة والسياسة، ابن قتيبة 1 / 18، الشيخان، البلاذري ص 233. (3) صحيح البخاري 8 / 94 - 95، 8 / 142 - 143، صحيح مسلم 7 / 92 - 93، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 7 / 188، الدر المنثور 4 / 310، وأخرجه ابن جرير وابن حاتم عن السدي في قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء... } تفسير ابن كثير 2 / 175، تذكرة الفقهاء، 2 / 470. (*)
اتهام النبي (صلى الله عليه وآله) بالهجر بعد سمه بالطعام

قال عمر لرسول الله (صلى الله عليه وآله) في أثناء مرضه (صلى الله عليه وآله) ذاك بفعل السم: إنه يهجر، وأيد أصحاب عمر ذلك القول! (1) بقولهم: يهجر يهجر. إن تيقن عصبة قريش من موت النبي (صلى الله عليه وآله) بالسم هو الذي جعلها تنادي يهجر يهجر. وبعد أربعين سنة تكرر الحادث إذ سقت جعدة بنت الأشعث (زعيم كندة) زوجها سبط الرسول (صلى الله عليه وآله) الحسن بن علي (عليه السلام) سما، ولما سألوا الحسن (عليه السلام) عن الفاعل امتنع من ذلك (2). ولولا اطمئنان عصبة قريش إلى موت النبي (صلى الله عليه وآله) من ذلك السم، لما تمكنت من النطق بكلمة يهجر، ولما تمكنت من منع الناس من المجيئ بصحيفة ودواة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ليكتب وصيته. وقال صاحب كتاب الطبقات الكبرى: إن النبي (صلى الله عليه وآله) مات بعد قولهم له
(هامش)
(1) صحيح البخاري باب جوائز الوفد من كتاب الجهاد والسير 2 / 118، مسند أحمد 1 / 325، شرح نهج البلاغة 3 / 114، الكامل في التاريخ 2 / 320. (2) أنساب الأشراف، البلاذري 1 / 404، مقاتل الطالبيين، أبو الفرج الأصفهاني ص 43، مستدرك الحاكم 3 / 476، تذكرة الخواص، ابن الجوزي ص 211 (ط. دار الغري). (*)
يهجر وإخراجه (صلى الله عليه وآله) إياهم من بيته (1). إذ لم يجرؤ عمر بن الخطاب وأعوانه من إهانة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل ذلك، بل إن عمر بن الخطاب قد اعتذر من النبي (صلى الله عليه وآله) بعد حادثة المسجد النبوي اعتذارا مدهشا. ذلك أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان قد أخبر عمر بن الخطاب والمرافقين له بإهانتهم للنسب النبوي الشريف، وإخبار جبريل له بذلك، وعندها اعتذر عمر وقال: اعف عنا، عفا الله عنك، إغفر لنا، غفر الله لك، احلم عنا حلم الله عنك (2). وبرك عمر على ركبتيه وقال: رضينا بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد (صلى الله عليه وآله) رسولا (3). وقبل عمر رجل النبي (صلى الله عليه وآله) وقال: إنا حديثو عهد بجاهلية وشرك، والله أعلم من آباؤنا (4). والمقايسة بين الموقفين يثبت بأن عمر بن الخطاب قد عمل بخلاف ما يؤمن به في المسجد النبوي فاعتذر اعتذارا شديدا. وفي يوم الخميس ظهر عمر بمظهره الحقيقي والواقعي فأهان رسول
(هامش)
(1) الطبقات الكبرى، ابن سعد 2 / 245. (2) تذكرة الفقهاء 2 / 470. (3) صحيح البخاري 8 / 142 - 143، صحيح مسلم 7 / 92 - 93، تفسير الفخر الرازي 4 / 444، تفسير ابن كثير 2 / 175. (4) أخرجه ابن جرير وابن حاتم عن السدي في قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء... } * تفسير ابن كثير 2 / 175. (*)
الله (صلى الله عليه وآله) وأصر على ذلك ولم يعتذر من ذلك أبدا. والذي سهل على عمر ذلك هو وصول حالة الصراع بين الجانبين إلى مرحلة خطيرة. والثاني: معرفة عمر بموت النبي (صلى الله عليه وآله) سريعا بعد اغتيالهم له بالسم.
لماذا أنكروا موت النبي (صلى الله عليه وآله)

كانت مصلحة الحزب القرشي تتمثل في إنكار وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) انتظارا لمجئ أبي بكر من خارج المدينة. وتهيئة الأوضاع لمشروع السقيفة. فجاء في الرواية كان عثمان وعمر يرددان قول: لم يمت، من قال إنه (صلى الله عليه وآله) مات، وتوعدا أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) (1). وجاء أيضا: وكان أول من رآه مسجى فأنكر موته عثمان (2). وقال عمر: إن رسول الله والله ما مات ولا يموت (3). وقال عمر: ذهب (صلى الله عليه وآله) إلى الله تعالى في الأرض بجسده (4). وقال عمر: ذهب (صلى الله عليه وآله) إلى السماء بروحه وجسده مثل عيسى (عليه السلام) (5).
(هامش)
(1) العثمانية، الجاحظ ص 79. (2) المصدر السابق. (3) تاريخ الطبري 2 / 442، تاريخ اليعقوبي 2 / 114، سيرة ابن هشام 4 / 305. (4) تاريخ الطبري 2 / 442، سيرة ابن هشام 4 / 305. (5) الملل والنحل، الشهرستاني ص 1 / 15. (*)
وقال عمر أيضا: عرج إلى السماء بروحه مثل موسى (عليه السلام) (1). وقال عمر أيضا: إنه (صلى الله عليه وآله) مغشي عليه (2). وبينما صرح عمر كرارا بأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يمت ولا يموت، أمام الناس أرسل سرا سالم بن عبيد إلى أبي بكر الموجود في منطقة السنح خارج المدينة يخبره بوفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)!! (3) واستمر عمر في تصريحاته قائلا: إن رجالا من المنافقين يزعمون أن رسول الله توفي، وأن رسول الله والله ما مات، ولكنه ذهب إلى ربه، كما ذهب موسى بن عمران، فغاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع بعد أن قيل قد مات. والله ليرجعن رسول الله، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أن رسول الله مات (4). لقد اضطر عمر إلى استخدام التهديد والوعيد والكذب لإقناع الناس بعدم موت النبي (صلى الله عليه وآله) قائلا: إني لأرجو أن يعيش رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى يقطع أيدي رجال من المنافقين وألسنتهم يزعمون أو يقولون إن رسول الله قد مات (5).
(هامش)
(1) سنن الدارمي 1 / 39. (2) طبقات ابن سعد 2 / 267. (3) كنز العمال 7 / 232 ط. مؤسسة الرسالة. (4) تاريخ الطبري 2 / 44، تفسير روح المعاني، الآلوسي 4 / 74. (5) مسند أحمد بن حنبل 3 / 196. (*)
لماذا أشاعوا عدم موت رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي يقرأ السيرة جيدا يجد عملية خطيرة أعقبت وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) دعواها عدم وفاته. وأنه (صلى الله عليه وآله) سوف يعود إلى هذه الدنيا. ويلاحظ أن المجموعة التي عصت أوامر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالذهاب في حملة أسامة، هي نفس المجموعة التي عصت ورفضت المجيئ بصحيفة ودواة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ليكتب وصيته. وهي نفس المجموعة التي قالت للنبي (صلى الله عليه وآله): إنه يهجر. وهي نفس المجموعة التي سقت رسول الله (صلى الله عليه وآله) شرابا قسرا وهو نائم. وهي ذات العصبة التي ادعت عدم وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله). وهي ذات الفئة التي لم تشترك في مراسم جهاز الرسول (صلى الله عليه وآله) فذهبت وأسست مراسم السقيفة وسيطرت على السلطة. وهي ذات الجماعة التي هاجمت بيت فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله) بالنار والحطب والسيوف. إذن هناك ترابط بين تلك الأعمال وأنها لم تأت اعتباطا ولا صدفة، بل كانت ضمن خطة مدروسة ومنظمة لإقصاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الساحة. وكان عمر وعثمان قد قالا بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) عنه: إنه لم يمت.: والله ما مات ولا يموت (1).
(هامش)
(1) تاريخ الطبري 2 / 442، تاريخ اليعقوبي 2 / 114، سيرة ابن هشام 4 / 305. (*)
: عرج إلى السماء بروحه مثل موسى (عليه السلام) (1). والظاهر من هذه الادعاءات أن الجماعة كانت تسعى إلى: 1 - ذر الرماد في العيون وإبعاد أية شبهة عن ضلوعها في أمر منكر حدث ضد رسول الله (صلى الله عليه وآله). وبيان حبها للنبي (صلى الله عليه وآله) وعدم رغبتها في موته (صلى الله عليه وآله)، بل هدفها استمرار حياته. 2 - تهيئة الأوضاع لمشروع السقيفة بإثارة مسألة عدم موت النبي (صلى الله عليه وآله). 3 - الانتظار ريثما يعود أبو بكر من خارج المدينة من السنح وهذا الأمر يتطلب منع مراسم الدفن إلى حين مجيء أبي بكر. علما بأن خطة الجماعة كانت تتمثل في تأسيس مراسم السقيفة والاستحواذ على السلطة أثناء اشتغال الناس بمراسم جهاز الرسول (صلى الله عليه وآله) (كما يتبين من بعد). ومن البعيد تصور ذلك - حب الحزب القرشي استمرار حياة الرسول (صلى الله عليه وآله) - من تلك المجموعة التي قالت عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنه يهجر، بحيث اضطر النبي (صلى الله عليه وآله) إلى إخراج أفراد تلك المجموعة من بيته قائلا: دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه (2). وجاء في رواية: فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي (صلى الله عليه وآله) قال
(هامش)
(1) سنن الدارمي 1 / 39. (2) سنن البخاري 4 / 490، باب جوائز الوفد ح 1229، سنن مسلم 11 / 89، طبقات ابن سعد 2 / 36، المصباح المنير ص 634. (*)
لهم (صلى الله عليه وآله): قوموا (1). وفي كل تلك الأثناء كان بنو هاشم يعارضون أفعال الحزب القرشي ويؤيدون مطالب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهدافه. إذ طالب الرسول (صلى الله عليه وآله) بصحيفة ودواة، فنادى أهل بيته بتلبية طلبه، وعارضت تلك الجماعة ذلك، وقالت: إنه يهجر. وطالب بنو هاشم بالإسراع في دفن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فعارضت تلك المجموعة ذلك وذهبت إلى السقيفة. اتفق رجال الحزب القرشي على خطة عاجلة لمنع مشروع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في نقل الخلافة إلى علي (عليه السلام) وإخراجهم إلى الشام، واعتمدت خطتهم على أهداف محددة أهمها: قتل رسول الله (صلى الله عليه وآله): وهذه الخطة الخطيرة هي عملية استنساخ لخطة قبائل قريش في قتل النبي (صلى الله عليه وآله) في مكة لمنع هجرته إلى المدينة. والأطروحتان من قبل جهة واحدة وكانت الأولى تتمثل في منع الهجرة إلى المدينة، والثانية تهدف لمنع ذهاب رجال الحزب القرشي في حملة الشام. والاختلاف في العمليتين يتمثل في أن الهجمة الأولى جرت في مكة، والهجمة الثانية جرت في المدينة، والعملية الأولى كانت علنية، والعملية الثانية كانت سرية.
(هامش)
(1) رواه أحمد بن حنبل في مسنده عن ابن عباس 1 / 325، وأخرجه مسلم في آخر الوصايا، أوائل الجزء الثاني، السقيفة وفدك، أبو بكر الجوهري، سنن البخاري، باب جوائز الوفد من كتاب الجهاد والسير 2 / 118، تاريخ الطبري 2 / 426، الكامل في التاريخ 2 / 320. (*)
والاختلاف الثالث أن عملية الاغتيال الأولى فشلت والثانية نجحت. ومواقف عصبة قريش في معارك المسلمين يؤيد هذا المشروع - عدم رغبتها في المشاركة في حملة أسامة -، إذ فروا في معارك أحد وخيبر وحنين، وتركوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) طعمة سهلة للكفار واليهود، ولولا العناية الإلهية لتغيرت معادلة الإسلام والمسلمين (1).: ومن أهداف قريش في إبقاء جثمان رسول الله (صلى الله عليه وآله) دون دفن هو إشغال بني هاشم والمسلمين بذلك ليتفرغوا هم لاستلام السلطة. فما دام جثمان الرسول (صلى الله عليه وآله) في يد بني هاشم يستحيل عليهم تركه والمجيئ إلى السقيفة للمطالبة بالخلافة. وقد نجحت تلك الخطة الشيطانية في وصول الحزب القرشي إلى الحكم وحرمان علي بن أبي طالب (عليه السلام) منها. ويتوضح ذلك بهذا النص: إن عليا (عليه السلام) حمل فاطمة (عليها السلام) على حمار وسار بها ليلا إلى بيوت الأنصار يسألهم النصرة، وتسألهم فاطمة الانتصار لها فكانوا يقولون: يا بنت رسول الله قد مضت بيعتنا لهذا الرجل، ولو كان ابن عمك سبق إلينا أبا بكر ما عدلنا به.
(هامش)
(1) السيرة الحلبية 2 / 156، تفسير ابن كثير 1 / 657، تفسير روح المعاني، الآلوسي 4 / 99، أنساب الأشراف عن هامش كتاب المغازي 1 / 18، مفاتيح الغيب 9 / 52، أواخر كتاب العثمانية للجاحظ ص 339، تلخيص المستدرك، الحاكم 3 / 37، صحيح البخاري 4 / 465، تاريخ اليعقوبي 2 / 63، سنن النسائي 3 / 871. (*)
فقال علي: أفكنت أترك رسول الله (صلى الله عليه وآله) ميتا في بيته لم أجهزه وأخرج إلى الناس أنازعهم في سلطانه. فقالت فاطمة (عليها السلام): ما صنع أبو الحسن إلا ما كان ينبغي له، ولقد صنعوا ما الله سبحانه حسيبهم عليه (1).
الامتناع عن المشاركة في مراسم جثمان النبي (صلى الله عليه وآله)

لقد ابتعد الحزب القرشي عن المشاركة في تشييع خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله) وذهبوا إلى سقيفة بني ساعدة لانتخاب فرد من أفرادهم خليفة للمسلمين. وقد أثبتت أمهات الكتب الإسلامية ابتعاد هؤلاء عن حضور مراسم دفن رسول البشرية. ويكاد الإنسان المسلم أن ينفطر فؤاده وتخمد نبضات قلبه لسماع هذا الخبر، إذ كيف يمتنع بعض الصحابة عن حضور مراسم دفن النبي (صلى الله عليه وآله) وهم يعلنون إسلامهم ويظهرون إيمانهم. والمدهش في الأمر أن الجماعة التي قالت لرسول الله (صلى الله عليه وآله) يهجر في يوم الخميس هي نفسها التي ادعت عدم وفاته! وتسببت في تأخير دفن جثمان النبي (صلى الله عليه وآله) وإهانة مقامه الشريف. وقد افتعلت ذلك لتهيئة الأرضية لمشروع السقيفة وإشغال بني هاشم
(هامش)
(1) السقيفة وفدك، أبو بكر الجوهري، شرح نهج البلاغة، المعتزلي 6 / 28، الإمامة والسياسة، ابن قتيبة 1 / 12. (*)
بجهاز الرسول (صلى الله عليه وآله). وأعجب من ذلك امتناع حفار قبور المهاجرين من حفر قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ ذهب أبو عبيدة بن الجراح إلى السقيفة لوضع حجر الأساس لخلافة قريش لرسول الله (صلى الله عليه وآله) على أن يكون هو ثالث الخلفاء (1). ولما امتنع ابن الجراح من ذلك اضطر بنو هاشم لدعوة حفار قبور الأنصار أبي طلحة زيد بن سهل ليحفر قبرا للنبي محمد (صلى الله عليه وآله)!! (2) وقد كان ابن الجراح من دهاة قريش المتربصين للوصول إلى سدة رئاسة المسلمين وقد ذكره المغيرة بن شعبة قائلا: داهيتا قريش أبو بكر وأبو عبيدة بن الجراح (3). وبعد اطلاعنا على ترك الحزب القرشي لمراسم جهاز النبي (صلى الله عليه وآله) نقول: إن العداء بين الحزب القرشي ورسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يتوقف بل استمر واستفحل وأفضل مصداق لذلك حادثة العقبة، وحادثة الامتناع عن الالتحاق بحملة أسامة، وحادثة يوم الخميس، وحادثة منع دفن جثمان النبي (صلى الله عليه وآله)، وحادثة الامتناع عن المشاركة في مراسم دفنه. والذين حضروا مراسم غسل ودفن النبي (صلى الله عليه وآله) مجموعة صغيرة من المسلمين على رأسهم بنو هاشم، إذ جاء عن زيد بن أرقم:
(هامش)
(1) تاريخ الطبري 2 / 452 طبعة مؤسسة الأعلمي - بيروت. (2) المصدر السابق. (3) تهذيب الكمال، المزي 9 / 364. (*)
لولا أن علي بن أبي طالب (عليه السلام) وغيره من بني هاشم اشتغلوا بدفن النبي (صلى الله عليه وآله) وبحزنهم فجلسوا في منازلهم ما طمع فيها من طمع (1). * * *
(هامش)
(1) الفتوح، ابن أعثم 1 / 12 طبع دار الكتب العلمية - بيروت. (*) ث ..................تم


رد مع اقتباس
قديم 2016/03/01, 07:23 PM   #5
الرافضيه صبر السنين


معلومات إضافية
رقم العضوية : 3796
تاريخ التسجيل: 2015/05/07
المشاركات: 7,552
الرافضيه صبر السنين غير متواجد حالياً
المستوى : الرافضيه صبر السنين is on a distinguished road




عرض البوم صور الرافضيه صبر السنين
افتراضي

اللهم صل على محمد وال محمد
احسنتم طرحا وبارك الله فيكم
جزاكم الله وجعل اعمالكم
في ميزان حستناكم
تقبلو مروري المتواضع
ختكم الرافضيه


توقيع : الرافضيه صبر السنين
رد مع اقتباس
قديم 2016/03/02, 04:12 PM   #6
مهندس حسين

معلومات إضافية
رقم العضوية : 4047
تاريخ التسجيل: 2015/10/03
الدولة: العراق - بغداد
المشاركات: 7,055
مهندس حسين غير متواجد حالياً
المستوى : مهندس حسين is on a distinguished road




عرض البوم صور مهندس حسين
افتراضي

بارك الله بكم
وجعلها الله في ميزان حسناتكم


توقيع : مهندس حسين
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع


الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
( علي (ع) خير البشر بعد النبي (ص) )من مصادر اهل السنة الشيخ عباس محمد سيرة أهـل البيت (عليهم السلام) 2 2016/03/02 06:59 PM
( علي (ع) أخو النبي (ص) ) من مصادر اهل السنة الشيخ عباس محمد سيرة أهـل البيت (عليهم السلام) 2 2015/09/09 12:23 AM
( أبوبكر يتطاول على النبي (ص) من مصادر اهل السنة الشيخ عباس محمد الحوار العقائدي 1 2015/09/08 01:26 AM
قول النبي ص فمن ادركه منكم فلينصره من مصادر اهل السنة الشيخ عباس محمد عاشوراء الحسين علية السلام 1 2015/06/07 11:09 PM
محاولة اغتيال النبي الاكرم (صلى الله عليه واله وسلم) في العقبة ... محمد التميمي سيرة أهـل البيت (عليهم السلام) 4 2012/07/22 04:46 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات شيعة الحسين العالمية اكبر تجمع اسلامي عربي
|

خدمة Rss ||  خدمة Rss2 || أرشيف المنتدى "خريطة المنتدى" || خريطة المنتدى للمواضيع || أقسام المنتدى || SiteMap Index


أقسام المنتدى

المنتــديات العامة @ السياسة @ المناسبات والترحيب بالأعضاء الجدد @ منتديات اهل البيت عليهم السلام @ سيرة أهـل البيت (عليهم السلام) @ الواحة الفاطمية @ الإمام الحجّة ابن الحسن صاحب العصر والزمان (عج) @ الادعية والاذكار والزيارات النيابية @ المـدن والأماكن المقدسة @ المـنتـديات الأدبيـة @ الكتاب الشيعي @ القصة القصيرة @ الشعر الفصيح والخواطر @ الشعر الشعبي @ شباب أهل البيت (ع) @ المنتـديات الاجتماعية @ بنات الزهراء @ الأمومة والطفل @ مطبخ الاكلات الشهية @ المنتـديات العلمية والتقنية @ العلوم @ الصحه وطب أهل البيت (ع) @ الكمبيوتر والانترنيت @ تطبيقات وألعاب الأندرويد واجهزة الجوال @ المنتـديات الصورية والصوتية @ الصوتيات والمرئيات والرواديد @ الصــور العامة @ الابتسامة والتفاؤل @ المنتــــديات الاداريـــة @ الاقتراحات والشكاوي @ المواضيع الإسلامية @ صور اهل البيت والعلماء ورموز الشيعة @ باسم الكربلائي @ مهدي العبودي @ جليل الكربلائي @ احمد الساعدي @ السيد محمد الصافي @ علي الدلفي @ الالعاب والمسابقات @ خيمة شيعة الحسين العالميه @ الصــور العام @ الاثـــاث والــديــكــورآت @ السياحة والسفر @ عالم السيارات @ أخبار الرياضة والرياضيين @ خاص بالأداريين والمشرفين @ منتدى العلاجات الروحانية @ الابداع والاحتراف هدفنا @ الاستايلات الشيعية @ مدونات اعضاء شيعة الحسين @ الحوار العقائدي @ منتدى تفسير الاحلام @ كاميرة الاعضاء @ اباذر الحلواجي @ البحرين @ القران الكريم @ عاشوراء الحسين علية السلام @ منتدى التفائل ولاستفتاح @ المنتديات الروحانية @ المواضيع العامة @ الرسول الاعظم محمد (ص) @ Biography forum Ahl al-Bayt, peace be upon them @ شهر رمضان المبارك @ القصائد الحسينية @ المرئيات والصوتيات - فضائح الوهابية والنواصب @ منتدى المستبصرون @ تطوير المواقع الحسينية @ القسم الخاص ببنات الزهراء @ مناسبات العترة الطاهرة @ المسابقة الرمضانية (الفاطمية) لسنة 1436 هجري @ فارسى/ persian/الفارسية @ تفسير الأحلام والعلاج القرآني @ كرسي الإعتراف @ نهج البلاغة @ المسابقة الرمضانية لسنة 1437 هجري @ قصص الأنبياء والمرسلين @ الإمام علي (ع) @ تصاميم الأعضاء الخاصة بأهل البيت (ع) @ المسابقة الرمضانية لعام 1439هجري @ الإعلانات المختلفة لأعضائنا وزوارنا @ منتدى إخواننا أهل السنة والجماعه @


تصليح تلفونات | تصليح تلفونات | تصليح سيارات | تصليح طباخات | تصليح سيارات | كراج متنقل | تصليح طباخات | تصليح سيارات |