الموضوع: حقیقة النفوس
عرض مشاركة واحدة
قديم 2020/09/30, 07:01 AM   #8
شجون الزهراء

معلومات إضافية
رقم العضوية : 1426
تاريخ التسجيل: 2013/04/24
المشاركات: 6,684
شجون الزهراء غير متواجد حالياً
المستوى : شجون الزهراء will become famous soon enough




عرض البوم صور شجون الزهراء
افتراضي

مراتب النفس:

ثم لهذه النفس مراتب ودرجات فأعلاها: النّفس الملكوتية السماوية التي هي الروّح، وهي من أمر الله ï´؟قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّيï´¾خلقها بقوله تعالى ï´؟كُنْ فَيَكُونُï´¾، فهو ملك أعظم من جبرائيل الأمين× علغŒ ما جاء في الأخبار، فنفخ من هذا الروح في الإنسان وقد نسب إلى الله سبحانه، ليدّل على عظمته وشرافته وعلو مرتبته كأي شيء آخر ينسب إلى الله، كبيت الله الحرام، وكتاب الله، وأيام الله، ومال الله كالخمس (فالله خُمسه)، فإنّه يدل على أنه من أطهر أموال النّأس، قد جعله الله خاصّة له ولرسوله ولذوي القربى والمساكين واليتامى وإبن السبيل من بني هاشم وذرية رسول الله محمد’.

فكان الإنسان بهذه النّفس القدسيّة الملكوتية يعّد في عداد المقدّسين ومن أشرف خلق الله عز وجل.

ثم نزلت هذه النفس من العلياء في قوسها النزولي، ومرّت بعوالم نورّية من العقول والأشباح وعالم الذّر، وربّما هي منها بوجه من الوجوه، حتى وصلت إلى عالم الدنيا الدنيّة في أدنى مراتبها، وهي النّفس الحيوانية المتقومة بقوّتي الغضب والشهوة، كأيّ حيوان آخر، بل ربما تتنّزل إلى أسفل السافلين، فيكون حاملها أضلّ من الأنعام، بل ويحشر مع الشياطين المجرمين.

وبالنفس الحيوانية والنباتية يأكل ويشرب ويتمتع وغŒولّد المثل، كأي حيوان آخر، وإنّه منذ ولادته وحتى رحلته الأبدية يحمل هذين النّفسين بأعلى مراتبها وأدناها، فإن كانت الأولى هي الحاكمة في وجوده وحياته الفردية والإجتماعية، كانت حياته طيبة وسعيدة في الدنيا والآخرة، وكان في قوسه الصعودي واصلاً إلى درجة الملائكة، بل تخدمه الملائكة وتتبرّك به، كما تتبرّك بطالب العلم المخلص في طلب علمه، وهذا الإنسان منذ خلقته الأولى (آدم×) كان مسجود الملائكة، فيفوق بها درجات الملائكة ومقاماتهم العليّة.

وإنّ القرآن الكريم يمدح ويثني على هذه النفس الإنسانية في صعودها وعروجها وقُربها من خالقها وبارئها وفاطرها، وإنّها لتصل بعبادتها وكمال إنقطاعها إلى الله سبحانه إلى مقام العظمة، والفناء في إرادة الله والبقاء بأسماءه الحسنى وصفاته العليا.

وهذه النفس هي التي تطمئن بذكر الله، وتكون راضيةً بما قسم الله سبحانه لها، ومرضيّة عنده، فترجع إلى الله لتدخل في جنته وتدخل في عباده ï´؟يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِيï´¾.

فتدخل مع عباد الله المخلصين في جنة اللقاء والأسماء الحُسنى.

وأمّا النفس الحيوانية، فإنّ همّها عَلَفها، فقيمتها ما يخرج من بطنها، وهذه هي النفس الأمارة بالسّوء، والمسوّولة التي تزين القبائح والرذائل، وهذه هي النّفس التي قد ذمّها الله في كتابه الكريم، فكانت تارة النفس المريضة المنافقة، وأُخرى الخاسرة، وثالثة الظالمة، وهكذا.

كما مرّت الإشارة إلى النفوس المذمومة وإلى النفوس الممدوحة في القرآن الكريم، فأرجع البصر لتقف على حقائق جديدة، فإنّك كلّما تقرء الآيات الكرغŒمة تتّضح لك معاني جديدة ومفاهيم بديعة في معرفة النفس، فإنّ القرآن غضٌّ جديد لا يُبلى، وإنّه كالشمس والقمر، في كل يوم وليلة، فهما جديدان ما دامت السموات والأرض.

ولو وقفت على سرّ النّفس وإنقسامها منذ بدء الخلق، تارة إلى ذكورية واُخرى إلى أنوثية، ثم كلّ واحد منهما، أمّا أن تكون من النفوس الممدوحة، وهي النفس الملكوتية الإنسانية القدسية الطاهرة المطهرة، كما يقال بعد وفاة العالم الرّباني (قدس الله نفسه الزكية ـ قدّس الله سِرّه، أي نفسه، فإنّها من سرّ السّر). أو من النفوس المذمومة وهي النفس الحيوانية الغافلة والضالة والمضلّة، كالأنعام بل أضلّ سبيلاً، فلا تهتدي بآيات الله الآفاقية والأنفسيّة، وفي سيرها وسلوكها وطريقها إلى الله سبحانه، كما لا ترى برؤية بصيرية قلبيّة برهان ربّها في مقام الكشف والشهود، كما رأى يوسف الصديق× وإبراهيم الخليل، فإنّه× لمّا همّت به زليخا في الحرام، فإنّه رأى برهان ربّه، فصرف الله عنه السّوء والفحشاء بلطفه الخفيّ، وكان من عباد الله المخلصين والصالحين، الذي لا يتمكن الشيطان من إغوائهم، وهذا لِمَن أخلصه الله للدار الآخرة، وأمّا من كان في سيره وسلوكه سائراً سُبُل الإخلاص وطرق العروج، فإنّ الطرق إلى الله في الأعمال الصالحة بعدد أنفاس الخلائق، وإن كان الصراط المستقيم في العقائد الحقّة واحداً ـ كما هو ثابت في محلّه ـ فإنّ الله يصرف عنه السّوء والفحشاء وما ظهر منه وما بطن، وكم فرق بين من يصرف اللهُ عنه السوء، وبين من يصرّف الله السوء عنه، فإنّ الثاني يستعيذ بالله سبحانه حتى يصرف عنه السوء، وهذا غŒعني أنّه يرى نفسه أولاً فيرى ربّه فيستعيذ به، ولكن الأول يرى الله ï´؟لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِï´¾ وحده وحده، فيراه معاذاً له عندئذٍ، كما قال يوسف الصديق× (معاذ الله) فكم فرق بين أن يقول العبد (أعوذ بالله) وبين أن يقول (معاذ الله) وكذلك كم فرق بين أن يقول العبد: (استعين بالله) وبين أن يقول (والله المستعان) كما قال يعقوب× لأولاده، فالأول من الاستعانة أي طلب العون، ولكن الثاني منه إعانة الله بعبده، وهذه من لطائف القرآن الكريم.

ثم هذا غيض من فيض في معرفة النفس الإنسانية، فرحم الله عبداً عرف من أين وإلى أين وفي أين؟ وطوبى لمن عرف نفسه، فعرف ربّه، فعرف كل شيء.

اللّهم عرّفني نفسي، اللّهم عرفني نفسك، فإنّك أن لم تعرّفني نفسك لم أعرف نبيّك، اللّهم عرّفني رسولك فإنّك ان لم تعرّفني رسولك لم أعرف حُجّتك، اللّهم عرّفني حجّتك، فإنّك إن لم تعرّفني حُجتك ضللتُ عن ديني، اللّهم لا تمتني ميتة الجاهلية...

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلّى الله على محمد وآله الطاهرين، لا سيما بقية الله في الأرضين عجل الله فرجه الشريف



توقيع : شجون الزهراء

اِلـهي هَبْ لي كَمالَ الانْقِطاعِ اِلَيْكَ، وَاَنِرْ اَبْصارَ قُلُوبِنا بِضِياءِ نَظَرِها اِلَيْكَ، حَتّى تَخْرِقَ اَبْصارُ الْقُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ فَتَصِلَ اِلى مَعْدِنِ الْعَظَمَةِ، وَتَصيرَ اَرْواحُنا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِكَ. اِلـهي وَاْجَعَلْني مِمَّنْ نادَيْتَهُ فَاَجابَكَ، وَلاحَظْتَهُ فَصَعِقَ لِجَلالِكَ، فَناجَيْتَهُ سِرّاً وَعَمِلَ لَكَ جَهْراً.
رد مع اقتباس