عرض مشاركة واحدة
قديم 2022/02/27, 04:47 PM   #1
شجون الزهراء

معلومات إضافية
رقم العضوية : 1426
تاريخ التسجيل: 2013/04/24
المشاركات: 6,684
شجون الزهراء غير متواجد حالياً
المستوى : شجون الزهراء will become famous soon enough




عرض البوم صور شجون الزهراء
افتراضي في ذكرى المبعث النبويّ: العودة إلى أخلاق الرّسول(ص)

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته




في السّابع والعشرين من شهر رجب، نزل الوحي على رسول الله(ص) في غار حراء، حيث كان يتأمّل ويتعبّد، قائلاً له: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}.

الهدف من رسالة الإسلام


لبّى رسول الله نداء ربّه، راح يعلّم ويربي ويزكّي.. لم ترهبه الضغوط ولا التحديات، أغرته قريش بالجاه والملك، فقطع الطّريق عليها قائلاً لعمّه أبي طالب ردّاً على العروض: "والله لو وضعوا الشّمس في يميني، والقمر في يساري، ما تركت هذا الأمر، حتى يظهره الله، أو أهلك دونه".

وصبر رسول الله(ص)، وأصرّ على إيصال صوت رسالته إلى كلّ أذن تسمع، وعين تقرأ، وقلب يفهم، حتى ظهر أمر الله وعلت كلمته، وتحقّق الهدف من الرّسالة: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".

نعم، بُعث محمّد(ص) ليتمّم مكارم الأخلاق، استكمالاً لمسيرة الأنبياء منذ آدم، فقد أراد الله للأخلاق أن تحكم الحياة، أن تحكم سلوك الإنسان كفرد، والإنسان كمجتمع مع ربّه ومع نفسه، داخل بيته، ومع أرحامه وجيرانه، وفي الشّارع ومواقع العمل والتعلّم، مع من يلتقي معهم ومع من يختلف، في حالتي السّلم والحرب، في حالتي الرّضا والغضب، في حالتي القدرة والفقر.

بهذا يصبح الإنسان إنساناً، والمؤمن مؤمناً، وإلاّ كيف يمكن أن أكون متديّناً ولا يظهر تديّني إلا في الطّقوس والعبادات؟ أأكون متديناً ولا يسلم الناس من شرّي وشرّ لساني، أم أدّعي الإيمان وأتمتّع بطيّبات الحياة وجاري جائع؟

جاء رجل إلى رسول الله(ص) وسأله: ما الدِّينُ؟ فاكتفى بالقول: "حُسنُ الخُلقِ". وظنّ الرّجل أنّ الرّسول(ص) لم يسمعه جيّداً، فأتاه عن يَمينِهِ وقال: يا رسول الله: ما الدِّينُ؟ فقالَ: "حُسنُ الخُلقِ"... فعاد وكرّر السؤال، ورسول الله يكرّر "حُسنُ الخُلقِ".. ولذلك نرى رسول الله ينفي صفة التديّن عن امرأة قيل له عنها إنها كانت تقوم اللّيل وتصوم النّهار، لكنها بذيئة اللّسان تؤذي جيرانها، وتكذب وتغتاب.. فقال: "لا خَيْرَ فِيهَا، هِيَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ".

اسمعوا هذا الحديث الّذي نقل عن أمير المؤمنين(ع): أُتي للنبيّ بسبايا من قبيلة طيّ، وكان من بينهم جارية، لما رأت النبي(ص) استنجدت به قائلةً: "يا محمّد، إن رأيتَ أن تُخلّيَ عنّي ولا تُشمتَ بنا أحياء العرب، فإنّي ابنة سيّد قومي، وإنّ أبي كان يحمي الذّمار (أي كلّ ما ينبغي حمايته من شرف وعرض وأهل)، ويفكّ العاني (أي الأسير)، ويُشبع الجائع، ويكسو العاري، ويُقري الضّيف ويُطعم الطّعام، ويُفشي السّلام، ولم يَردَّ طالبَ حاجةٍ قطّ. أنا ابنة حاتم طيء (الرجل الكريم المعروف).. فقال لها: "خلّوا عنها؛ فإنّ أباها كان يحبّ مكارم الأخلاق".. ثمّ قال: " لا يدخل الجنّة أحد إلا بحسن الخلق".

عنوان الدّين


نعم، حسن الخلق، أيّها الأحبّة، هو عنوان الدّين، به يقيّم الإنسان التزامه، وهو السّبيل لبلوغ المراتب العالية عند الله. وقد ورد في الحديث: "‏أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَاناً، أَحْسَنُهُمْ خُلُقاً‏"، وفي حديث آخر: "إنّ العَبدَ لَيَبلُغُ بحُسنِ خُلقِهِ عَظيمَ دَرَجاتِ الآخِرَةِ وشَرَفَ المَنازِل، وإنَّهُ لَضَعيفُ العِبادَةِ" (يقتصر في أدائه على الواجبات).. "ما مِن شَيءٍ أثقَلُ ما يُوضَعُ في المِيزانِ مِن خُلقٍ حَسنٍ".

لقد كان رسول الله(ص) يقوم اللّيل حتى تتورّم قدماه، ورغم ذلك، لم يُشر القرآن إلى عبادته، وكان مدينة العلم، ولم يتحدّث عن علمه، وكان مقداماً، ولم يتحدّث عن شجاعته وبطولته، وهو العادل الّذي كان يعدل بين الناس حتى في الكلمة والنظرة، ولم يتحدّث عن عدله.. وأيضاً لم يقيّمه على أساس زهده وتخلّيه عن الدّنيا... اسمعوا ماذا أنزل الله تعالى في رسولكم: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، وقال فيه: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}، وقال عزّ وجلّ مخاطباً قريش: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}.

لهذا، لم يكن غريباً أن يكرّس الرّسول المعيار نفسه في علاقته بالنّاس.. جعل الأخلاق ومكارمها هي مقياس القرب منه، عندما قال: "أحبُّكم إليّ وأقربكم منّي يوم القيامة مجلساً، أحسنكم خلقاً، الموطئون أكنافاً (اللّيّنو الجانب)، الّذين يألفون ويؤلفون"، وحدّد في المقابل مقياس البعد منه حين قال(ص): "ألا أخبركم بأبعدكم منّي شبهاً؟"، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "الفاحش المتفحّش البذيء البخيل المختال الحقود الحسود، القاسي القلب، البعيد من كلّ خير يرجى، غير المأمون من كلّ شرّ يتّقى".

الشّخصيّة القدوة

ونحن أيّها الأحبّة، في ذكرى مبعث رسول الله(ص)، مبعث رسالة الإسلام، مبعث الخلق العظيم، مبعث القيم الإنسانيّة، سنتوقّف عند بعض مواقفه نستلهمها، لنقتدي بمن جعله الله لنا قدوةً، وأبرزها موقفه من أهل مكّة الّذين عذّبوه وعذّبوا أصحابه، وتآمروا لاغتياله، واضطرّوه أن يهاجر من مكّة أحبّ البلاد إليه، إلى بلاد الغربة، وعندما وصل إليها سالماً، لم يكفّوا شرهم عنه، بل ألّبوا عليه اليهود والقبائل الّتي كانت تحيط بالمدينة، وأعلنوا عليه الحروب، ورغم ذلك، كيف تصرّف عندما دخل مكّة فاتحاً؟ لقد رفض الشّعار الّذي رفعه أحد أصحابه: "اليوم يوم الملحمة اليوم تستحلّ الحرمة"، أبى أن يكون الفاتح المنتقم، وقال: "اليوم يوم المرحمة، اليوم تحمى الحرمة". ولم يقف الأمر عند قوله: "من دخل بيته وأغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن"، بل قال: "ومن دخل بيت أبي سفيان فهو آمن" (وأبو سفيان كان قائد كلّ الحروب عليه).

ولنلاحظ، لم يقل: من أسلم فهو آمن، بل أعطى الأمان لكلّ من يغمد سيفه.

وعندما اجتمعت قريش حوله وسألهم: ماذا ترون أنّي فاعل بكم؟ أجابوه: " أخ كريم وابن أخ كريم". كانوا يعرفون قلب رسول الله وأخلاقه.. خبروه في صدقه وأمانته ووداعته.. وكم سمعوه يقول: "اللّهمّ اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون".. وحتى عندما كان يقال له ادع على المشركين، كان يقول: "إني لم أبعث لعّاناً وإنما بعثت رحمة"، وعندما أخرجوه من مكّة ومعه ودائعهم، كان بإمكانه أن يأخذها، والتبرير موجود، أنهم أرادوا اغتياله، وصادروا أمواله وأموال أصحابه، ورغم ذلك، أبقى عليّاً(ع) في مكّة عرضةً للخطر، حيث أمضى هناك ثلاثة أيّام. لماذا؟ كي يعيد الأمانات إلى أصحابها من مشركي قريش.

أين نحن من رسول الله؟!

أيّها الأحبّة، هذا هو رسول الله في حبّه للنّاس، في رحمته وعفوه وتسامحه، وفي انفتاحه على الّذين يختلفون معه، في مدّه يد التّواصل مع كلّ الناس، لم ينطلق في سلوكه من ردود فعل الآخرين؛ يعفو إن عفوا، ويصل إن وصلوا، ويعطي إن أعطوا، بل كان يصل من قطعه، ويعطي من حرمه، ويعفو عمّن ظلمه، رغم أنّه في كلّ هذا الواقع، لم يكن ضعيفاً ولا مهزوماً، بل كان في أوج انتصاره.

وهنا السؤال: أين نحن الآن من رسول الله، نبيّنا وقدوتنا؟ أين هم الّذين يحملون اسم رسالته وينتمون إليه؟ لقد تبدّلت لديهم الصّورة وتغيّرت المقاييس، أسقطوا لغة الحبّ والرّحمة والعفو والتّسامح والانفتاح من قواميس مواقفهم، والقلوب لم تعد عامرة بغير البغض والكراهية والحقد والتعصّب ورفض الآخر، حتّى استباحة دمه.. كم هو حزن رسول الله(ص) وهو يرى أمّته التي أراد لها أن تكون خير أمّة أخرجت للنّاس، أمّة نكرة على هامش الأمم، يقتل بعضها بعضاً، ويدمّر بعضها بعضاً، فيما أعداؤها يقهقهون فرحاً.

أيّها الأحبّة: واقع أمّتنا يحتاج إلى ثورة أخلاقيّة، ثورة حسن خلق في الفقه والسياسة والاقتصاد والتربية والإعلام والثقافة والعلاقات وفي كلّ المواقف، فبالأخلاق استطاع رسول الله أن يفتح قلوب الناس على رسالته، وبالأخلاق حوّل الأعداء إلى أصدقاء، وطابق بين النظرية والتطبيق، بين العبادة والعمل، بين السلوك والدّين.

في ذكرى مبعثك، نتوجّه إليك يا رسول الله، مؤكّدين لك الولاء، الولاء للإسلام، الولاء لحسن الخلق، نعاهدك أن نثبت على المحبّة والرّحمة، والعفو والتّسامح والعدل، نعاهدك على التمسّك بالثّبات والصّبر والقوّة والعنفوان، فهذا هو سبيل خلاصنا من كلّ ما نعاني.

وَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي مَنَّ عَلَيْنَا بِمُحَمَّد نَبِيِّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ دُونَ الأُمَمِ الْمَاضِيَةِ وَالْقُرُونِ، إمَامِ الرَّحْمَةِ، وَقَائِدِ الْخَيْرِ، وَمِفْتَاحِ الْبَرَكَةِ.. اللَّهُمَّ فَارْفَعْهُ بِمَا كَدَحَ فِيكَ إلَى الدَّرَجَةِ الْعُلْيَا مِنْ جَنَّتِكَ، حَتَّى لاَ يُسَاوَى فِي مَنْزِلَة، وَلا يُكَاْفَأَ فِي مَرْتَبَة، وَلاَ يُوَازِيَهُ لَدَيْكَ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ، وَلا نبيٌّ مُرْسَلٌ.




td `;vn hglfue hgkf,d~: hgu,]m Ygn Hoghr hgv~s,g(w) lpl]



رد مع اقتباس